مِن دون ” حَمامَة ” البوريڤاج
بِقَلَم روني ألفا
جريدة النهار الإثنين ٢٨-٦-٢٠٢١
الإرتِطامُ سيكونُ على شكلِ حربٍ حقيقيةٍ كاملةِ الأوصاف. أشبَهُ بالتِحامِ قِطارَينِ بَعد خروجِهِما عَن السكَّة مدَجَّجَينِ بالذّخائِر والمسافِرين. حتّى مَقطورَة القيادَة ستتمزّقُ إرَباً إرَباً. الإنفجارُ لن يكونَ إجتماعياً أي لا يمكن نزعُ فتيلِه بدعوات المكرّم يَعقوب الكَبّوشي ولا بابتهالاتِ جمعيَّةِ مبرّاتٍ خيريَّة. هذه الإلتماسات لَن تَكفي ما لَم يَتضافَر جَميع القديسين على نزع اللعنَة من القادَة اللبنانيين. لَعنَة تَكاد تلامس سِحر الفودو. حيث تغرز في الدمية السياسيَّة تصيب في جسَد اللبنانيين.
العصف بعد كل هذه المناوشات سيحمِل رائِحَة بارود. كَبريتُهُ سيكونُ مُسَمّماً ومسرطِناً. أولُّ حربٍ لبنانيةٍ داخليةٍ سيتبارى المثقفونَ الإستراتيجيونَ في التكرارعلى أنها حربُ الآخرينَ على أَرضِنا. ليست حربَ أحدٍ بلْ حربَنا بالإتكالِ على أنفسِنا. نحنُ الحلفاءُ والأعداءُ في الوقت نفسه. القتَلَة والمقتولون. المُفتِنون والمَفتونُ بِهِم. الفاتِلون و” المفتولون “.
في كلِّ واحدٍ فينا تعيشُ صورة وَحش طائِفي. التّطهير العِرقي شربَه أغلَبُنا مع ” بيبرونَة ” الحَليب الأولَى. طُحِنَ لَنا مَع أول خضار ممعوسَة لأسنانِ الحَليب. لاحقاً، كَفَلَ نظامُنا السياسيُّ المتفرقعُ بشكلٍ يومي تحويلَ حياتنا اليومية جبهةً عسكريةً مزوَّدَة بأحدث الأعتدة التدميرية.
نشنُّ حروبَنا على بعض ككلّ مرّة إنما هذه المرة أكثر من أي وقت من دون رعاية. لا سيارّة البيجو المَعروفَة بالحَمامَة مَركونَة في البوريڤاج ولا سيتروان جان دارك في قصر الصنوبر ولا نمر الأناضول في السرايا ولا أي جنرال لأي دولة أجنبية مهتمة بتسليحِنا ضدَّ بعضِنا البعض. ” يصطفلو ” هي إستراتيجيةُ الدول تجاهَنا.
نحن اسطفلنا. وها هو بلدُنا بين أيدينا جثةً سياسيةً هامدة. مجموعةُ أوغادٍ وحمقى وحاقدينَ يهتمونَ بتدبيرِ أمورِنا. كأنك في فيلمِ زومبي. مَوتى يأكلونَ الأحياء. نهربُ من الدولار يحاصرُنا المازوت. نفلتُ منه يحرقُنا البنزين. نُشفى من حروقِه يقتلُنا الدواء. نحنُ الشعبُ الوحيدُ غير الموجود تعريفاً.
نحنُ سكّان. لا تنطبقُ علينا جنسيةٌ إلا بالمَعنى القانوني. بالمَعنى الإنتمائي نحن مستأجرونَ في نزل. غيرُ مستعدينَ لمعالجةِ أيِّ خللٍ في بيتِنا. لا النشُّ ولا التسرُّبُ ولا قَطعُ المِياه والكَهرباء يَعنينا. البيتُ أصلاً ليسَ لنا. إنه بيتٌ بمنازلَ كثيرةً كما كَتَبَ كمال الصليبي.
حربُنا ستكونُ فديةً للمؤتمرِ التأسيسي. لا يُمكنُ تصديقُ أنَّ كلَّ هذا الكَمِّ من الحقدِ الطائفي سيُنتِجُ حكومةَ إصلاحات. نَعيشُ إرهاصات عام ١٩٨٩ قبلَ حجزِ التذاكرِ الى الطائف. المأساةُ هو عدمُ وجودِ مدينةٍ تقبلُ باستضافةِ أحقادِنا. لماذا يهتمُّ العالمُ بِنَا إذا كنا على هذا القَدْر من السَّفالةِ والسَّفاهةِ الوطنية؟
سنكونُ مُضطرينَ لاستضافةِ أنفُسِنا. أسوأُ ما يمكنُ أن يُطلَبَ من مسؤولينَ جائعينَ للسلطة. حقوقُ المسيحيين منذُ أيامٍ على لِسانِ أَحدِ السياسيينَ كادت تفجّرُ المسيحيينَ والمسلمينَ معاً. الأوائلُ بينَ بعضِهم البعض وبينَهم وبين المسلمين. الثواني بينَهم وبينَ المسيحيين وبينَ بعضِهم البَعض. تخَيّلوا إذا قرَّرَ المسلمونَ رفعَ صوتِهم باسمِ حقوقِهم هُم أيضاً. لن نعرفَ عندَها عَصا مَن سيعلِّمُ على جلد مَن.
لا موعدَ محدداً للحربِ بين السكّانِ في لبنان. التُّهَمُ المتبادلةُ وحالُ الطرقاتِ وسعرُ صرفِ الدولار تَكفَل تحديدَ الموعد. ستصبحُ الطرقاتُ مستنقعَ تماسيح. سنشهدُ على تبدُّلٍ جينيٍّ يحوّلُ الزبائنَ الى نَشَّالين. بعدها سيُصبِحُ مَن كان مِن المُفترضِ أن يَحمينا بحاجةٍ الى حِماية. ربما يتحوّلُ أيضاً مِن حامي الى حَرامي. هكذا ستكونُ الحالُ عندَ السُكَّانِ اللبنانيين.
في ظلِّ هكذا ظروف لن تُنَظَّمَ انتخاباتٌ نيابية. سيُصبِحُ المجلسُ النيابيُّ المُمَدَّدُ له غيرَ شَرعي. على الرغم من ذلك ستساعدُه ظروفُ مَوتِ جميعِ السُكّان مِن انتخابِ رئيس جمهورية . سيكونُ هو أيضاً غيرَ شرعي. سنقبلُ به لنفتحَ صفحةً جديدة. سُكّانٌ بعد جُهدٍ جَهيد قَبِلوا بِتصليحِ حنفيةٍ وبالوعةٍ وَسِكْرِ مياه وساعةِ كهرباء في نزلِهِم. سيتَمَتَّعُ سكان لبنان بِمولودِهِم المَخروطِ حديثاً قبل أن ينفجرَ مِن جديد. تاريخُ الصلاحية عشرونَ سنةٍ ما عدا السهوِ والغلَط.
ان المعلومات و الاراء و الافكار الواردة في هذا المقال تخص كاتبها وحده و تعبر عن وجهة نظره الخاصة دون غيره؛ ولا تعكس، باي شكل من الاشكال، موقف او توجهات او راي او وجهة نظر ناشر هذا الموقع او ادارة تحريره.
ان هذا الموقع و ادارة تحريره غير مسؤوليين عن الاخبار و المعلومات المنشورة عليه، و المنسوبة الى مصادرها بدقة من مواقع اخبارية او وكالات انباء.