نقلا عن المركزية –
بعد الصفعة التي تلقتها فرنسا من أستراليا جراء إلغاء الأخيرة صفقة ضخمة أبرمتها في 2016 مع فرنسا لشراء غواصات تقليدية لعقد شراكة جديدة مع الولايات المتحدة وبريطانيا بهدف اقتناء غواصات تعمل بالدفع النووي، سددت سويسرا بدورها ضربة استراتيجية أخرى لفرنسا من خلال شراء أسطول طائرات “إف-35” من الولايات المتحدة بدلاً من طائرات “داسو رافال” المقاتلة الفرنسية، من دون تقديم أي تبرير خلافاً لما فعلته أستراليا. ورأت بعض التحليلات أن هذه التطورات قد تنعكس سلباً على معركة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الرئاسية عام 2022، فما مدى دقتها؟
المحلل لشؤون الشرق الأوسط ومدير “مركز المشرق للشؤون الاستراتيجية” سامي نادر رأى عبر “المركزية” أن “هناك هندسة جديدة حول العالم في ظل ظهور منظومة علاقات دولية مختلفة مع اختلاف التحديات بالنسبة إلى الفرقاء الدوليين والتغيير في موازين القوى”، لافتاً إلى أن “الحدث الأبرز الذي افتعل هذه الخضة وحوّل في العلاقات الدولية هو صعود الصين كقوة اقتصادية، فاقت الولايات المتحدة، وفق بعض المعايير، وباشرت أيضاً ببناء قدرات عسكرية، بالتالي بدأت تكشف عن مشاريع توسعية إن كان عسكرياً في محيط شرق آسيا أو اقتصادياً في العالم أجمع مثلاً في إفريقيا وطريق الحرير حتى في الداخل الأوروبي… هذه المعطيات غيّرت في التحالفات لأن هذا يعدّ، بالمباشر، تحدّيا لماكرون في المشروع الأوروبي، فأين يقف الرئيس الفرنسي من هذه الظاهرة؟”.
وأضاف: “اللافت أن بعض الأطراف تسير في المواجهة بمستويات أعلى من غيرها، منهم البريطانيون والأميركيون وأمس الأستراليون وهم أكثر من يعاني من هذا الصراع وفي حيرة من أمرهم حول كيفية الاختيار كون مصالحهم الاقتصادية تقتضي أن يبقوا على علاقة مع الصين، خصوصاً ان الأخيرة تتوسع لا سيما عسكرياً كذلك ثقافياً وتتدخل أحياناً في الشؤون السياسية الداخلية الأسترالية. ويبدو أن أستراليا حسمت الموضع ودخلت في تحالف AUKUS. لكن، هذا التحالف الثلاثي لن يقتصر على أستراليا، الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، بل سيضم بلدانا أوروبية على الأغلب، ومن غير المستبعد ان يشمل أيضاً دولا أخرى من أوروبا الشابة الأكثر قرباً إلى الأميركيين من الدول الأوروبية التقليدية”.
وأوضح نادر أن “صفقة الغواصات لا تتوقف عند اختيار الغواصات الأميركية بدل الفرنسية لأنها تعمل على الطاقة النووية بخلاف الأخرى، بل يمكن لفرنسا تصنيعها، لكن الموضوع أعمق وأبعد كونه مرتبطا بالعقيدة الدفاعية، أي له علاقة أولاً بمقاربة المسألة الصينية وطبيعة التحالف داخل “الناتو”. بناءً عليه، اعتبر الأوروبيون أن ما حصل يعيد التأكيد على ضرورة بناء نظام دفاعي أوروبي كي لا يبقى تحت غطاء النظام الدفاعي للولايات المتحدة”.
وأشار إلى أن “لفرنسا وألمانيا مقاربة مختلفة في التعامل مع الصين، وتعتبران أنهما تحتاجانها في موضوع التغيير المناخي وغيره من الملفات، إضافةً إلى ما تقتضيه المصالح الاقتصادية معها، بالتالي لا يمكن مواجهتها بأسلوب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب (مع العلم أن سياسة الرئيس الحالي جو بايدن لا تختلف عن سلفه، لا بل تشير إلى أن بلاده متجهة إلى منظومة مواجهة الصين، وكل الوقائع على الأرض تشير إلى وجود مواجهة بين القطبين). ومن الثوابت الفرنسية أن باريس تريد الحلف مع واشنطن من دون التماهي التام معها، وألمانيا لا تبغي الدخول في مواجهة لا مع الصين ولا مع روسيا وهي في الأساس الأقل حماسة للمواجهة المباشرة، رغم أنها تحدد خياراتها في بعض المواقف”.
وختم نادر: “بعد غياب المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل أصبح ماكرون حامل لواء المشروع الأوروبي الأبرز، وفي المقابل يحمل أشخاص آخرون غير مشروع أوروبي. بالتالي، تعدّ صفقة الغواصات انتكاسة للرئيس الفرنسي هو الذي جعل من المشروع الأوروبي عنوانا أساسيا في حملته الانتخابية. والانتكاسة الثانية تتمثل بأن عملية تواجد الشريك القوي مكان ميركل والسير بخياراتها تتطلب وقتاً، وفي المقابل يلاحظ بروز اليمين المتطرف المدعوم روسياً وترامبياً في السابق ويحمل مشروعا لأوروبا متباينا تماماً عن مشروع أوروبا الأوطان الذي يقوده ماكرون وليس أوروبا الموحدة بهذه الطريقة”.
ان المعلومات و الاراء و الافكار الواردة في هذا المقال تخص كاتبها وحده و تعبر عن وجهة نظره الخاصة دون غيره؛ ولا تعكس، باي شكل من الاشكال، موقف او توجهات او راي او وجهة نظر ناشر هذا الموقع او ادارة تحريره.
ان هذا الموقع و ادارة تحريره غير مسؤوليين عن الاخبار و المعلومات المنشورة عليه، و المنسوبة الى مصادرها بدقة من مواقع اخبارية او وكالات انباء.