نقلا عن المركزية –
أُعيد ملف الزواج المدني في لبنان، أمس. هذه المرة، على لسان “ضحية” جديدة من ضحايا وزارة الداخلية والبلديات. المحاميان ماري جو أبي ناصيف وعبد الله سلام المتزوجان مدنياً عقدا، أمس، مؤتمراً صحافياً في نادي الصحافة في بيروت، فضحَا ما سمياه “تجميد وزارة الداخلية والبلديات لمعاملتهما تعسفياً”، مُتسلّحين بكتابين صادرين عن وزارة العدل قبل نحو سنة يُفيدان بـ”إمكانية تنظيم عقود الزيجات المدنية في لبنان وتسجيلها أصولاً في دوائر النفوس”. برأيهما، إن قرار “العدل” أكثر من منصف، إلا أن العبرة تبقى في “إرادة” كل من وزارة الداخلية والمديرية العامة للأحوال الشخصية في “الاعتراف” بتلك العقود.
الزوجان اللذان عقدا قرانهما بموجب عقد زواج مدني في 15 حزيران عام 2019 اتّهما المديرية العامة للأحوال الشخصية بالتقاعس عن القيام بواجباتها بحجة «التريث»، وهي لا تزال حتى اليوم تحرمهما من إصدار إخراج قيد عائلي. يقول المحاميان إنه تم تسجیل العقد من قبل وزارة الداخلیة في 18 حزیران 2019، “لكن المدیریة العامة للأحوال الشخصیة متمثلة برئيسها الیاس الخوري عمدت إلى حجب إخراج قیدهما العائلي، ما یشكّل مخالفة للمادة 21 من القانون 60 ل.ر. الذي ینص على وجوب إتمام تسجیل عقد الزواج خلال أربع وعشرین ساعة من استلام العقد”. كما یتعارض هذا الفعل، وفق الزوجين، مع القرارین الصادرین عن الهیئة الاستشاریة العلیا في وزارة العدل التي أقرّت في شباط ونيسان من عام 2013، وبإجماع قضاتها، قانونیة الزیجات المدنیة المعقودة في لبنان بین لبنانیین شطبا القید الطائفي عن سجلات أحوالهما الشخصیة.
ما أثار غضب أبي ناصيف وسلام هو “ضرب مبدأ وحدة الإدارة واستقرار المعاملات القانونية في مؤسسات الدولة من خلال قيام وزارة الداخلیة في عهد الوزير السابق مروان شربل بتسجيل حوالى 15 زیجة مدنیة عُقدت في لبنان، ولا تزال تصدر إخراجات قید عائلیة للمتزوجین وتقوم بإضافة الأطفال الحدیثي الولادة إلى السجل العائلي لذویهم، علماً أن عقد الزواج المدني الخاص بنا مطابق حرفیاً لهذه العقود”.
ويعود تنظيم عقود الزواج المدنية الخمسة عشر وتسجيلها إلى عام 2013، على خلفية إصدار وزير الداخلية السابق زياد بارود تعميماً في عام 2011 يقضي بشطب القيد الطائفي عن سجلات الأحوال الشخصية. ما الذي تغير؟ القانون لا يزال على حاله، ما تغير هو ممارسة وزراء الداخلية المتعاقبين بعد شربل “المجحفة” بدءاً من الوزير السابق نهاد المشنوق الذي لم يجرؤ على إبقاء باب الزيجات المدنية على الأراضي اللبنانية مفتوحاً، لذلك تكدّست العقود في وزارة الداخلية بانتظار تثبيتها، مروراً بالوزيرة السابقة ريا الحسن ووصولاً إلى الوزير الحالي محمد فهمي. صحيح أن الخوري يتقاعس عن القيام بواجباته، لكنّ “المسؤولية تقع على عاتقه وعاتق وزير الداخلية”، وفق سلام. فالمديرة العامة للأحوال الشخصية التي سبقت الخوري، سوزان الخوري، “تمرّدت على تثبيت عقود الزواج المدني، لكن شربل ألزمها بإصدار 15 عقد زواج مدني”.
معركة الزوجين القانونية مع وزارة الداخلية بدأت عندما “زعمت” المديرية العامة للأحوال الشخصية أن السبب الوحيد وراء حجبها لإخراج قیدهما العائلي هو أن مدیرها العام “طلب التریث لحین ورود جواب من وزارة العدل” على أسئلة یقول إنها كانت قد أُرسلت منذ أكثر من خمس سنوات. فهم الزوجان أنها “مجرد ذريعة للتهرب من المسؤولية” لعدة أسباب، “أولها تاريخ إرسال هذه الأسئلة في 2 آذار 2015، أي بعد عامين من حسم قانونیة المسألة بإجماع قضاة الهیئة العلیا في وزارة العدل، وبعد أن كان قد تم تسجیل حوالى 15 زیجة مدنیة معقودة في لبنان. ثانيها يرتبط بكتاب الأسئلة ذاته الذي لا يعلق حقوق المواطنين الأساسية ولا يعفي باعثها من أي واجبات فرضها القانون، خاصة أن هذا التعليق تجاوز الخمس سنوات أي كل المهل القانونية”.
قرّر الزوجان المضي في نضالهما و«دحض هذه الحجة الواهية”، فتوجّها بكتاب إلى وزارة العدل. من جديد، أصدرت الأخيرة في 27 تموز 2020 ردها من خلال كتابين یؤكدان مضمون القرارین الصادرین عن الهیئة العلیا فيها. وأتى في الكتابين حرفياً: “إن هذین القرارین خلصا إلى إمكانیة تنظیم عقود الزیجات المدنیة في لبنان وتسجیلها أصولاً في دوائر النفوس”. تسلّمت وزارة الداخلية كتاب وزارة العدل واستمرت في “تطنيشها منح الزوجين إخراج قيدهما العائلي”. بعد فضحهما “تمرُّد وزارة الداخلية على القانون وتجميد معاملتهما تعسفياً” أمام الرأي العام، لم يعد أمام الزوجين سوى “خيار اتخاذ الإجراءات القانونية أمام المحاكم المحلية والهيئات الدولية”.
حال سلام وأبي ناصيف كحال العديد من اللبنانيين ممن يأملون ممارسة حقهم في عقد زواج مدني على أراضيهم بين أهلهم ومن دون عناء الزواج في الخارج وتكاليفه الباهظة ولا سيما في ظل أزمة اقتصادية خانقة يعيشها اللبنانيون. لكن «خبث الإدارات الرسمية”، كما تقول أبي ناصيف، يسمح بتسجيل الزواج المدني المعقود خارج الأراضي اللبنانية ولا يسمح بالزواج المدني المعقود في لبنان. لعلّ وصم الزواج المدني والنظر إليه كأنه “عيب” هو السائد.
“لن نيأس”، كرّر الزوجان اللذان يؤمنان “بالقدرة على التغيير واستعادة السيادة للمؤسسات الرسمية وتطبيق القوانين، لأنها خطوة أساسية في صلب العبور إلى المواطنة، ليس فقط لأنّ الزواج المدني حق من الحقوق المدنية الأساسية، بل أيضاً لأنّ الزواج المدني المعقود في لبنان يرتكز على خطوة أولية أساسية لتجاوز الطائفية”.
ان المعلومات و الاراء و الافكار الواردة في هذا المقال تخص كاتبها وحده و تعبر عن وجهة نظره الخاصة دون غيره؛ ولا تعكس، باي شكل من الاشكال، موقف او توجهات او راي او وجهة نظر ناشر هذا الموقع او ادارة تحريره.
ان هذا الموقع و ادارة تحريره غير مسؤوليين عن الاخبار و المعلومات المنشورة عليه، و المنسوبة الى مصادرها بدقة من مواقع اخبارية او وكالات انباء.