نقلا عن المركزية –
نشتَري الزَّلازِل إذا توفّرّت
بِقَلَم روني ألفا
جريدة النهار الإثنين ٢٣ آب ٢٠٢١
مُبكِي دَرْك ما وَصَلنا إليه. عَهدٌ يخرجُ إلينا ليبلِغَنا بأنَّهُ يفعَلُ ما بِوسعِهِ لتأمين المازوت والبِنزين والكهرباء والغاز. لَسنا في محاكَمَة ولا في تَحديد مسؤوليات عَمّن سرقَ وهَدَرَ وأفسَدَ وأهمَلَ وهرّبَ وخزّنَ واحتَكَر. هذه المسؤوليات لَن نعرِفَها ابداً. المهرّبون والمحتَكِرون مُختَبِئونَ خلفَ طبقَة سميكَة مِن التعاون المشترَك. الحَراميّة في بلدِنا كارتيل يتشاتَم أعضاؤهُ وآلِهَتُه نَهاراً ويشرَبونَ الفودكا عَلى جثَثِنا ليلاً.
نسأل بشيءٍ مِن الحَسرَة الممزوجَة بِغَضبٍ مَكبوت: هَل هذا هوَ ما ينتِظرهُ اللبنانيَّون َمِن مسؤوليهِم؟ أن تصبِح طموحات اللبناني قارورَة غاز وصَفيحَة بِنزين؟ هذا اللبنان الذي كانَ يَتهافَتُ فنّانو العالَم للسَّهَرِ في فنادِقِه والسباحَة عَلى شَواطِئِه؟. هذا اللبنان الذي صَفَر الترامواي في عاصِمَتِه عِندَما كانَت بلاد العَرَب على الجِمال والخيَم؟ هذا اللبنان الذي كانَ مَشفَى الشّرق وقلعَةَ حريّةِ الشّرق ومنارَة الشّرق؟ هذا اللبنان الذي تعلّمَ في جامِعاتِه قادَةُ العالَم؟ هذا اللبنان الذي اخترَعَ الموضَةَ والأزياءَ ونافَسَ إديسون وصدَّرَ علماءَ الفيزياء والأطباء في العالَم؟ هذا اللبنان نفسُهُ باتَ اللبنانيّونَ فيهِ يقفونَ طَوابيرَ َأمامَ الأفران ومحطّات الوَقود ويفتقِرون إلى علبَة بانادول ويموتون عَلى مَداخِل المستشفيات ويعيشون عَلى ضَوء الشّموع.
ثمَّ يأتينا رئيس الجمهوريَّةِ مَشكوراً مؤكِّداً أنه يستعمِلُ صلاحياته الدستوريَّة للخروجِ مِن الأزمَة وأنه يعمَل بِكل ما أوتِيَ مِن عزمٍ وإرادَة لتأمين المَحروقات. هَل هذا ما كنّا نريدُهُ ؟ بالطّبع يمكنُ وبكل سهولَة تَرداد مَعزوفَة توزيع المَسؤوليات وبأنَّ تراكُمَ الفَساد عَلى مَدَى سَنوات إنفَجَرَ في وجهِ العَهد وما سِوى ذلك. ما لَنا وهذه المَعزوفَة ولِماذا عَلينا أن نقبَلَ بِها؟ ألَم يجدر بِمَن تَفانَى ولَم يوفِّر جهداً للوصول الى السّلطَة التأكّد مِن أنَّ ثمّة خِطّة ناجِعَة لِتَعطيل كل هذا الفَساد وبالتالي إجتراح الحَل؟ لَقَد عُدنا خمسين سَنَة إلى الوَراء. أيّ دَولَة يعِدُ المسؤولُ بِتسليمِها فيما الحالَة الرّاهِنَة لا تُنبِئُ سِوى بالأسوأ؟
كانَ لبنان ينتَظِرُ من الحُكمِ وثبات لا كَبوات وسَقطات. تخيّلوا إحدى الإنجازات المنتَظَرَة: تَشكيلُ حكومَة. سَنَة مِن دونَ حكومَة. أقلّ مِن ربعِ العَهد مِن دون حكومَة. سنَقول بعدَ إنقِضاء العَهد أنّ واحِداً مِن إنجازاتِ العَهد السابِق كانَ تَشكيل حكومَة. ” ما خَلّونا “. رَبّاه لَو ربطتَ على لِسانِ كلّ مَن يكرّرُ هذه المَقولَة. ” المُعرقِلُ مَعروف “. إعمِلوا مَعروفاً سَمّوهُ واقتَلِعوا سمَّه. الأنكَى أننا ما زِلنا نَجِدُ مَن يجدُ أعذاراً لِمسؤولينَ لَم يَفعَلوا شيئاً سوى لصق التّهَمِ بِغيرِهِم. مادّة مثيرَة لأهلِ الطوائِف والمَذاهِب. مادّة جَدَل أحبّ على أَنفُسِ المحازِبين مِن مادّة البنزين. تحرقُ أكثَر وتَستَعِر أكثَر. بالطّبع لا تَقطَع أي مَسافَة. مادّة تسمحُ لمستعمليها بالمرواحَة في أمكِنَتِهم.
دولَة مسوّسَة ومَخروطَة مِئَة مرّة عندَ المَخرَطجي. لا ورقَ فيها وعاجِزَة عَن إصدار إخراجات قَيد لِمواطِنيها. مهدّدَة بإنقِطاعِ الإتصالِ ولا يعلَمُ أحدٌ متى تتوقّف المِلاحَة الجويَّة فيها بسبب نقمَة المراقبين الجَويين أو إنقطاعِ التيار الكَهربائي. دولَة جُوَرُ طرقاتِها أكثرُ مِن طرقاتِها. السّيرُ عَليها ليلاً أشبَه بالسير على حافّةِ وادي الجَماجِم. كلّ طرقاتِنا أودِيَة جَماجِم. دَولَة تَحتَضِر ورغمَ ذلك يبشّرنا رئيس الجمهوريَّة أنه يستعمِل كل صلاحياتِه الدستوريّة مِن أجلِ المازوت والبنزين. لا نَدري أينَ نخبّئُ رؤوسَنا مما وصلنا إليه. عفوُكَ يا لبنان. لا نستَحقّكَ ولا نليقُ بِك. حكّامُنا قَتلوك ودَفَنوك ونظّموا المَراحِم في جنائزِكَ المتناسِلَة. نوافِقُ مَن يطالِبُ بزلزالٍ أو نيزَكٍ أوهزّةٍ أرضيَّة لِخلطِ الأوراق. ألَم تُصَب بيروت بزلازِلَ مدمِّرَة ثمّ قامَت مِن بينِ الأنقاض؟. نشتري أي زِلزال إذا توفّرَ في الأسواق. زِلزال إبنُ عَيلِة يَضمَن ألا يبقى بشَرُ عَلى حَجَر. إعادَة البِناءِ علينا بإذنِه تعالى.
ان المعلومات و الاراء و الافكار الواردة في هذا المقال تخص كاتبها وحده و تعبر عن وجهة نظره الخاصة دون غيره؛ ولا تعكس، باي شكل من الاشكال، موقف او توجهات او راي او وجهة نظر ناشر هذا الموقع او ادارة تحريره.
ان هذا الموقع و ادارة تحريره غير مسؤوليين عن الاخبار و المعلومات المنشورة عليه، و المنسوبة الى مصادرها بدقة من مواقع اخبارية او وكالات انباء.