
عن أليعازر لم يُقِمهُ ” لوكو ”
بِقَلَم روني ألفا
جريدة النهار اليوم الإثنين ٤-٥-٢٠٢١
في نهايةِ الأزمنةِ تشيرُ تعاليمُ الكنيسةِ إلى أننا سنضمُّ أحباءنا إلى صدورنا. كَمْ جميلٌ أن يكونَ الموتُ معبرًا لاكتمالِ الحبِّ وبلوغِ الشوق دَيمومَةَ لقاءاتِه. بهذا المعنى تلتَحفُ حياتُنا المؤقتة بالمعنى. كيفَ لا وهي في كينونَتِها الأرضية كما في صَيرورتِها السماوية صورةٌ طبقُ الأصلِ عن موتِ المسيح وقيامتِه. نحنُ في المسيحِ مشروعُ مسيحٍ بِرَسمِ القيامة.
معبرُ الموت لا مناصَ منه. ليسَ كبكائيةِ أبي العلاء حين صرّحَ أنْ شبيهٌ صوتُ البشيرِ اذا قيسَ بصوتِ النُّعيِّ في كلِّ وادٍ إنما كرجائيةِ أوغسطينوس حينَ أسكرَهُ حبُّ المسيح فرأى فيه وجدًا يقتلُ حياتَنا القديمة ويُحيي الجديدة. الحبُّ والحالةُ هذه يُحدثُ فينا شيئًا من الموت ليُحيي فينا جذوةَ الأبدية.
بالموتِ تنفصلُ نفوسُنا عن أجسادنا. بالقيامة تتحدُ النفسُ بجسدِها. القيامةُ المسيحيةُ أعظمُ من القيامةِ الفلسفيةِ لأنها تضمُّ هيكلَ الروحِ القدس الى المشروعِ الأسمى. الفلسفةُ السقراطيةُ بقلمِ أفلاطون حوّلَتِ الموتَ الى قيامةٍ ذهنية. إلى فكرٍ مجرّد. ظلمٌ أن يزوّدُنا الله بالحواس ليعودَ فيحرمَنا منها عند القيامة. المسيحيةُ قيامةٌ كاملة. في ” مدينة الله ” يحدثُنا أوغسطينوس عن القيامة. برهانُهُ المنطقيُّ ينطوي على المعادلةِ التالية: عند خلقِ كل إنسانٍ يكونُ الله قادرًا على ربطِ جسدِه بنفسٍ خاصةٍ به. عند نهايةِ حياة المخلوق لا بدَّ وأن يكون الله قادرًا ليضيفَ على النفسِ جسدها التي هجرته لأنه ليسَ هناكَ معنى منطقياً بأن يمتلكَ الله قدرةَ الوصلِ دون ان يمتلكَ قدرةَ الربط. يضيفُ أوغسطينوس أن القيامةَ هي أصعبُ ما يمكن إثباتُهُ إنما بفضلِ المحبةِ والإيمان بإمكاننا التيقُّنُ من حصولِ حدثينِ عظيمينِ في التاريخ هما قيامةُ المسيح واستمرارُ الكنيسة عبر التاريخ. يؤكدُ أوغسطينوس أنَّ قيامةَ المسيح ليست حدثاً روحيًا. المسيحيونَ يؤمنونَ أن المسيحَ قامَ من بين الأموات بجسده. قيامةُ الموتى ليست في اللاهوت المسيحي سوى نتيجة حتمية ومنطقية وواقعية لقيامة يسوع المسيح.
عودةٌ ميمونةٌ إلى صليبنا اللبناني. صلبُنا عصيٌّ على الإجتهادِ اللاهوتي. درَجَ الصلبُ عند الرومان ليس كعقوبةٍ جسديةٍ فحسبْ بل أيضاً كعقوبةٍ تسحقُ كرامةَ المصلوب وتذلُّ كبرياءه. كانت الأمبراطوريةُ حين تستنسبُ المغالاةَ في إذلالِ المصلوب، تتركُه عدةَ أيامٍ معلَّقًا على الصليب بعد موته لتأكلَه الحيواناتُ المفترسة. هدفان من اعتمادِ هذه الوحشية: إذلالُ المصلوب وطحنُ كرامته من جهةٍ ومحو أثرِهِ المادي من جهة أخرى فَتَنتَفي الحاجةُ إلى حشرِهِ في تابوت ومن ثَمَّ دفنِهِ في مقبرة. محوٌ كاملٌ لرفاتِهِ المادي والجسدي تماماً كما في الجرائمِ التي يُقتَلُ فيها المغدورُ ثم يُغَطَّسُ في الأسيد ليتحوّلَ قتيلًا بلا جثة.
نحنُ في لبنان مصلوبونَ بلا قيامةٍ وطنية. على حظِّنا الزِّفت قررت القيامةُ المجيدةُ ان تُعلنَ عن إضرابٍ عام عن عملها الخلاصي. الصالبون انتهوا من دقِّ المسامير وغرزوا ما يكفي من الحِراب فينا إنما مقتلُنا الأساس هو في كرامتنا. يُرِيدُ الصالبون إذلالَنا وطحنَ عزةِ نفسِنا بالتجويع والتهجير. نعيشُ نحن اللبنانيين في عصرِ ” كاليغولا ” أحدُ أسوأ أباطرةِ الرومان. الفاسقُ المذكورُ فتحَ بيتَ دعارةٍ في القصر الأمبراطوري فاغتصبَ النسوةَ ووشى بأعمالهن الى أزواجهن وارتكبَ سفاحَ القربى وقتلَ من أجل السلطة والأنكى أنه كان مقتنعًا بوجوبِ معاملته كإلهٍ كاملِ الأوصاف. أحفادُ ” كاليغولا ” يقتلونَ الشعب. الشعبُ بدل قتل ” كاليجولا ” يقتلُ النِّسوَةَ المغتَصبات.
في أفريقيا الجنوبية وضَعَ القِسّ ” لوكو ” جثمانَ أحدهم في تابوتٍ مفتوحٍ في باحةِ الكنيسة. تجمَّعَ المؤمنونَ ووسطَ دهشةٍ عارمةٍ صرخَ ” لوكو ” صرخةَ المسيح في أليعازر. قُم فَقام. اتضّحَ لاحقًا أن القائمَ من بينِ الأموات موظفٌ في إحدى شركاتِ دفنِ الموتى وأنَّ تمثيليةَ القيامة هدفُها استقطابُ زبائن بين القسِّ والشركة. عشراتُ القساوسة أمثال ” لوكو ” في لبنان يتاجرون بالقيامة وهم مسحاء كذَبَة. المسيحُ قام. ننتظرُ قيامتنا.
ان المعلومات و الاراء و الافكار الواردة في هذا المقال تخص كاتبها وحده و تعبر عن وجهة نظره الخاصة دون غيره؛ ولا تعكس، باي شكل من الاشكال، موقف او توجهات او راي او وجهة نظر ناشر هذا الموقع او ادارة تحريره.
ان هذا الموقع و ادارة تحريره غير مسؤوليين عن الاخبار و المعلومات المنشورة عليه، و المنسوبة الى مصادرها بدقة من مواقع اخبارية او وكالات انباء.