نقلا عن المركزية –
ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الاحد في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي، عاونه فيه المطرانان حنا علوان وسمير مظلوم ، ولفيف من الكهنة .
بعد الانجيل المقدس، ألقى الراعي عظة بعنوان: “هذا هو حمل الله الذي يحمل خطيئة العالم” (يو 1: 29)، جاء فيها: “1. غداة معمودية يسوع على يد يوحنا المعمدان، والظهور الالهي الذي أعلن بنوة يسوع الالهية الازلية، تنبأ يوحنا عنه شاهدا: هذا هو حمل الله الذي يحمل خطيئة العالم(يو1:29). هذه النبوءة بأنوار الروح القدس، أتت يوحنا المعمدان عندما رأى يسوع متقدما مع الخطأة لينال معمودية التوبة، هو الذي لم يعرف خطيئة شخصية، ولم يكن بحاجة الى توبة. فادرك يوحنا ان يسوع مشى مع الخطأة لكي يتضامن معهم، ويحمل خطاياهم، ويكفر عنهم. وهذا ما جرى بموته على الصليب فدى عن الجميع، و بقيامته من بين الاموات ليبث الحياة الالهية في المؤمنين.
2.نحتفل بهذه الليتورجيا الالهية. ونحيي كل المشاركين معنا روحيا عبر تلفزيون تلي لوميار – نورسات و Charity TV والفيسبوك وسواهما. ونصلي معا الى الله الغني بالرحمة كي يبدد وباء كورونا ويحرر منه كل الكرة الارضية، ويشفي المصابين، رأفة بالفقراء والعاطلين عن العمل والمقهورين. ونصلي لكي يمس الله ضمائر المسؤولين السياسيين فيتنازلوا عن كبريائهم ومصالحهم، ويتصالحوا مع شعبهم الذي هو ضحية اهمالهم، ومع السياسة كفن شريف لخدمة الخير العام. لكنه فن يقتضي من المسؤول ان يكون مضحيا ومتواضعا ومتجردا.
3. عندما تقدم يسوع مع الخطأة لقبول معمودية التوبة من يوحنا، تضامن مع الخطأة، لا مع خطاياهم.فحملها وافتداها ككاهن، ودشن رسالته كعبد الله المتألم، الذي تنبأ عنه اشعيا قائلا: “طعن بسبب معاصينا، وسحق بسبب آثامنا. أنزل به العقاب من اجل سلامنا، وبجرحه شفينا… كحمل سيق الى الذبح ولم يفتحْ فاه” (أشعيا 53: 4و5و7).
4. إن معمودية يسوع الحقيقية، التي منها نبعت معموديتنا، هي معمودية موته فاديا ومخلصا (راجع مر10:38). في معمودية يوحنا حمل يسوع خطايا البشر، وفي معمودية موته ودمه المراق على الصليب غسل خطاياهم، متمما ارادة الآب بحب لا حد له. وهكذا عندما تقدم ليقبل معمودية يوحنا، عبر في قرارة نفسه عن قبوله بمعمودية الموت من أجل غفران خطايانا. فجاء صوت الآب من السماء يعلن هذا القبول، ويعلنه للبشر أجمعين “أنه ابنه الحبيب”.
5. بنتيجة الخطيئة الاصلية وخطايا الناس الشخصية، بات العالم يعيش في حالة خطيئة روحية واجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية، اذ أضحت الخطيئة مجموعة خطايا شخصية لا يتوب عنها الناس، فاذا بنا نعيش في هيكلية خطيئة. وحده يسوع افتدى بموته البشر وشرورهم، فذبح فوق الصليب وهو بريء منها، ويقيامته انتصر عليها وحرر منها الانسان، كل انسان، ومكنه من الانتصار عليها بنعمة منه.
6. عندما نتأمل في وصف القديس بولس الرسول تفاني الرب يسوع في سبيل خلاص العالم وفداء الانسان، بقوله: “تخلقوا بخلق المسيح الذي، مع انه على مثال الله، لم يعد مساواته الله غنيمة، بل أخلى ذاته… وواضع نفسه، واطاع حتى الموت، موتا على الصليب” (فيل 2 – 5-8)، عندما نتأمل في هذا الكلام وفي هذا الواقع نتساءل:
هل الحقائب والحصص وتسمية الوزراء أهم وأغلى عند المسؤولين عن تشكيل الحكومة من صرخة أمٍ لا تعثر على ما تطعم به اولادها، ومن وجع أبٍ لا يجد عملا ليعيل عائلته، ومن جرح شاب في كرامته لا يملك قسطه المدرسي والجامعي؟ عندما زارنا فخامة رئيس الجمهورية الخميس الماضي اكدنا معا وجوب الاسراع في تشكيل حكومة انقاذية غير سياسية تباشر مهماتها الاصلاحية، وتكون المدخل لحل الازمات السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية.
ونتساءل أيضا: ألا تتلاشى العقبات الداخلية والخارجية أمام إنقاذ مصير لبنان وإحياء دولة المؤسسات؟ ولماذا الاصرار على ربط هذا الانقاذ بلعبة الامم وصراع المحاور؟
ما قيمة حكومة اختصاصيين إذا تم القضاء على استقلاليتها وقدراتها باختيار وزراء حزبين وليسوا على مستوى المسؤولية؟
ما قيمة الحياد والتجرد والشفافية والنزاهة إذا تسلم الحقائب المعنية بمكافحة الفساد ومقاضاة الفاسدين وزراء يمثلون قوى سياسية؟
7. هذة الاسئلة الخطيرة تحملنا على تجديد الدعوة الى فخامة رئيس الجمهورية ودولة الرئيس المكلف لعقد اجتماع مصالحة شخصية، يجددان فيه الثقة التي تقتضيها مسؤوليتهما العليا، ولا ينهيانه من دون اعلان حكومة، وفقا لنص الدستور وروحه.
من المعيب حقا، لكي لا أقول جريمة أن يبقى الاختلاف على اسم من هنا وآخر من هناك، وعلى حقيبة من هنا وأخرى من هناك، وعلى نسبة الحصص ولعبة الأثلاث واضافة الاعداد، فيما تكاد الدولة تسقط نهائيا، ولسنا ندري لصالح من هذا الانتحار.
نحن ندرك ان ثمة صعوبات تعترض الجهود لتشكيل الحكومة، لكن الصعوبات الكبيرة تستدعي موقفا بطوليا. والموقف البطولي هنا يندرج في انقاذ لبنان لان تأليفها هو المدخل الالزامي والطبيعي والدستوري لاعادة الحياة اللبنانية الى طبيعتها. ايها المسؤولون والسياسيون لكم نقول: استفيدوا من هدوء العاصفة الشعبية لتتفادوا هبوبا من جديد. فالشعب يمهل ولا يهمل.
8.بالامس زارنا الوزير السابق ابراهيم شمس الدين، نجل المغفور له الامام الشيخ محمد مهدي شمس الدين، وذكرني بأن تاريخ اليوم يصادف ذكرى مرور عشرين سنة على وفاة والده. وتذكرنا معا تعليمه في كتابه الوصايا الذي يبدأ بوصيته الى عموم الشيعة في كل وطن ومجتمع ان يدمجوا انفسهم في مجتمعاتهم واوطانهم، وأن لا يميزوا أنفسهم بأي تمييز خاص، وأن لا يخترعوا لانفسهم مشروعا خاصا يميزهم عن غيرهم (الوصايا، ص17). في هذه الوصايا يعتبر أن لبنان استجابة للمسيحيين وضرورة للعالم العربي والعالم الاسلامي، ويحذر بألا يستنجد واحدنا بغريب على قريب.
ويعتبر ايضا أن النظام السياسي في لبنان سليم لولا ما شابه من بعض الاخطاء في صياغة اتفاق الطائف وفي تطبيقه. فيدعو، الى جهد وطني مخلص للنظر في العيوب والثغرات في نظامنا الطائفي القائم على اتفاق الطائف، وبهذا نحقق للبنان استقرارا سياسيا وامكانات كبرى للثقة المتبادلة بين مجموعاته، ونموه وتقدمه. وبهذا يبقى لبنان منارة ونموذجا لكل المجتمعات الاخرى التي تتميز بالتنوع (الوصايا، ص32).
ايها الاخوة والاخوات الأحباء،
9. نرجو ان يجدد اللبنانيون ثقتهم بلبنان الرسالة والنموذج، وان تحافظ عليه الجماعة السياسية، وتتفان في سبيل انقاذه، لكي تتم فيه كلمة الكتاب المقدس: مجد لبنان أعطي لله (اشعيا 2:35)، الآب والابن والروح القدس، الان والى الابد، آمين”.
ان المعلومات و الاراء و الافكار الواردة في هذا المقال تخص كاتبها وحده و تعبر عن وجهة نظره الخاصة دون غيره؛ ولا تعكس، باي شكل من الاشكال، موقف او توجهات او راي او وجهة نظر ناشر هذا الموقع او ادارة تحريره.
ان هذا الموقع و ادارة تحريره غير مسؤوليين عن الاخبار و المعلومات المنشورة عليه، و المنسوبة الى مصادرها بدقة من مواقع اخبارية او وكالات انباء.