نقلا عن المركزية –
لم تزُر رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين برفقة الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس، بيروت أخيراً، لمساعدة اللبنانيين على التخلُّص من عبء النزوح، بل لإبعاد هذا الشبح عن القارة الأوروبية من البوابة القبرصية. هذه الزيارة أتت بعد رفع نيقوسيا الصوت ضدّ مراكب المهاجرين غير النظاميين الذين يطلبون اللجوء إليها آتين عبر البحار من لبنان، وبعد أن بدأت قبرص اتخاذ إجراءات تُبعد النازحين السوريين عن أراضيها إن عبر قرارات حكومية أو عبر اعتراض مراكب المهاجرين ودفعهم إلى العودة إلى الشواطئ التي انطلقوا منها.
كذلك تدلّ التصريحات الأوروبية ومن بينها تصريح فون ديرلاين بعد إعلانها أنَّ الاتحاد الأوروبي سيقدِّم حزمة مساعدات مالية للبنان بقيمة مليار يورو للفترة الممتدة من السنة الجارية وحتى عام 2027، إلى الهدف من هذه المساعدات. وكانت بعثة الاتحاد الاوروبي في لبنان واضحة في البيان الذي وزعته عن زيارة فون درلاين، بحيث أشارت إلى أنّ مساعدة المليار يورو تشمل تقديم الدعم للجيش اللبناني والقوى الأمنية الأخرى على شكل معدات وتدريب لإدارة الحدود ومكافحة التهريب.
بحسب مصادر عسكرية، لم تتبلّغ قيادة الجيش حتى الآن بأي تفاصيل عن هذه المساعدة، ولم يتحدّث أحد مع قائد الجيش العماد جوزاف عون عن «هبة مشروطة»، وكلّ ما تبلّغه لا يزال محصوراً بأنّ هناك مساعدة من ضمن الهبة الأوروبية، لدعم الجيش، من دون أن يجري طلب أي شيء بالمقابل من المؤسسة العسكرية. لكن جهات كثيرة تبدي اعتقادها أنّ أي دعم للبنان وللجيش خصوصاً، هدفه تعزيز قدرات المؤسسة العسكرية لضبط الحدود البرية و/أو البحرية، ما يعني إيقاف مراكب النازحين السوريين المهاجرين عبر المتوسّط إلى أوروبا من البوابة القبرصية. هذا علماً أنّ قرار فتح البحار أمام السوريين و»إغراق» أوروبا بالنازحين ليس في يد الجيش اللبناني، بل إنّه قرار وطني – سياسي على مستوى الحكومة.
وإذ يعتبر البعض أنّ ورقة «غض الطرف» عن هجرة النازحين السوريين غير النظامية بحراً سقطت بعد الإجراءات التي اتخذتها قبرص أخيراً مدعومةً من الاتحاد الأوروبي، أو لأنّ لبنان لا يمكنه «معاداة» المجتمع الدولي والأوروبي خصوصاً، تشير الأرقام إلى أنّ هذه الورقة لم تُستخدم أو تُستنزف بعد. فإذا كان بضعة آلاف من المهاجرين غير النظاميين قد قضّوا مضجع الجزيرة القبرصية ومن خلفها الاتحاد الأوروبي، فهناك نحو مليونين سوري في لبنان، قد تعمد غالبيتهم إلى سلوك طريق الهجرة بحراً، إذا لم يواجهوا «عرقلة» أو «منعاً» من السلطات اللبنانية. كذلك إنّ النازحين السوريين يشكّلون خطراً وجودياً وتهديداً ديموغرافياً عدا عن كلفة النزوح إقتصادياً ومالياً وأمنياً وعلى البنى التحتية، وبالتالي إنّ أي عقوبات أو «زعل» أو إجراءات من دول أوروبية لا توازي بخطورتها وتداعياتها المخاطر المتأتية من النزوح السوري.
أعداد المهاجرين
المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان تحققت منذ كانون الثاني حتى 17 نيسان 2024، من 59 حركة فعلية أو محاولة دخول شملت ما مجموعه 3,191 راكباً، معظمهم من السوريين، كالآتي:
5 رحلات مغادرة بالقارب في كانون الثاني (278 راكباً)، 12 رحلة في شباط (606 ركاب)، 18 رحلة في آذار (1016 راكباً)، و24 رحلة في نيسان حتى 17 منه (1291 راكباً).
في المقابل، لم تكن هناك سوى 3 تحركات للقوارب خلال الفترة نفسها من عام 2023، شملت 54 راكباً، بحسب ما توضح مصادر المفوضية لـ»نداء الوطن».
عام 2023، تحققت المفوضية من 65 حركة فعلية أو محاولة للهروب بالقوارب تشمل 3,927 راكباً بالمجمل. وجرى اعتراض أو إفشال 29 رحلة مغادرة على متن قارب يحمل 1,692 راكباً، ووصل 33 قارباً تحمل 2,126 راكباً بنجاح إلى وجهاتها المقصودة (31 في قبرص، 1 في إيطاليا و1 في ليبيا). كذلك جرت إعادة 3 قوارب على متنها 109 ركاب إلى لبنان.
وبالمقارنة مع عام 2022، كانت هناك زيادة بنسبة 18.2 في المئة عام 2023، في عدد حالات مغادرة القوارب المؤكدة أو التي حاولت مغادرة الشواطئ اللبنانية والتي تمكنت المفوضية من التحقق منها، إلّا أنّ عدد الركاب انخفض بنسبة 15.3 في المئة مقارنةً بعام 2022.
أمّا بالنسبة إلى القارب الذي منعته قبرص من الدخول إلى مياهها الإقليمية في نيسان الماضي، وعاد أدارجه إلى لبنان، فمن بين أكثر من 224 شخصاً نزلوا من القارب في طرابلس شمال لبنان في الساعات المتأخرة من يوم 17 نيسان أثناء تواجد فرق من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تمكّن الفريق من التعرُّف إلى 129 لاجئاً معروفين لدى المفوضية، وجرى إطلاق سراح 123 منهم لاحقاً.
على الضفة اللبنانية، أوقف الجيش اللبناني بحسب أرقام حصلت عليها «نداء الوطن»، 2,684 مهاجراً غير شرعي منذ عام 2017 حتى عام 2024، 99 في المئة منهم سوريون (2239 توقيفاً في البحر و445 توقيفاً على البرّ).
إنطلاقاً من هذه الأرقام، لا تزال الهجرة البحرية من لبنان إلى دول أوروبا المتوسطية ولا سيما منها قبرص، محدودة، مقارنةً بعدد السوريين الذين يعيشون في لبنان بمعزل عمّا إذا كانوا لاجئين أم نازحين أو غير شرعيين أو مقيمين، هذا عدا أعداد الفلسطينيين واللبنانيين الذين قد يخوضون غمار البحار ولو بطريقة غير نظامية للوصول إلى ما يعتبرون أنّه برّ أمان اقتصادي واجتماعي مستقبلي لهم ولعائلاتهم.
لكن بحسب التجربة الفاشلة للدولة في ملف النزوح منذ 13 عاماً، يتخوّف متابعون لملف النزوح منذ عام 2011، من أن تتحوّل الهجرة غير الشرعية إلى ورقة ضغط على لبنان عبر الترغيب أو الترهيب بدلاً من أن تكون ورقة ضغط لبنانية على أوروبا والمجتمع الدولي، تماماً كما حصل في كلّ جوانب ملف النزوح، وأبرزها الداتا.
راكيل عتيق – نداء الوطن
ان المعلومات و الاراء و الافكار الواردة في هذا المقال تخص كاتبها وحده و تعبر عن وجهة نظره الخاصة دون غيره؛ ولا تعكس، باي شكل من الاشكال، موقف او توجهات او راي او وجهة نظر ناشر هذا الموقع او ادارة تحريره.
ان هذا الموقع و ادارة تحريره غير مسؤوليين عن الاخبار و المعلومات المنشورة عليه، و المنسوبة الى مصادرها بدقة من مواقع اخبارية او وكالات انباء.