نقلا عن المركزية –
عاش لبنان في الـ2020، أسوأ أيام تاريخه المعاصر. اللبنانيون تحمّلوا ما لا تتحمّله الجبال بعد ان تواطأت عليهم الازمات المالية والاقتصادية والسياسية والصحية، وقد فاقم تداعياتِها الكارثية، أداءُ منظومة سياسية، لا تأبه سوى لمصالحها وحساباتها الفردية والفئوية والاقليمية، وشعارُها “من بعدي، فليكن الطوفان”.. لكن النّكبة التي حلّت بلبنان في مئويته الاولى، وفجّرت هيكله كلّه، كما فعل انفجار 4 آب بالعاصمة، ناقلةً البلاد في غضون أسابيع قليلة، من بلد “شبه طبيعي” الى صفوف الدول المارقة المنهارة، هذه النكبة ليست الا نتيجة “معادلة” قاتلة حكمت وطنَ الارز منذ عقود، سكت فيها البعض عن السلاح غير الشرعي الموجود في يد فئة لبنانية خدمةَ لايران، أو رَبَط نزاعا معها أو تَحالَف معها، مقابل وصوله الى السلطة. وبعد تربّعه على عرشها، ضرب الدساتير ونصوصها، وتفرّغ لتوظيف محاسيبه وأزلامه في المراكز، غارقا في أبشع ممارسات الفساد وفي صفقات بالجملة “وعلى عينك يا تاجر”.. فكانت النتيجة: دولة مسروقة منهوبة حتى آخر فلس، الى جانبها “دويلةٌ” تضاهيها قوة، تمتص خيراتها وتفرض عليها سلطتَها وقراراتها وسياساتِها الخارجية التي سلخت لبنان عن محيطه العربي وعن الاسرة الدولية بمجملها. “فوقعنا في الحفرة، ولم نجد من يلتفت الينا”، بعد ان ابتعد عنّا منقذونا التاريخيون: الدول الخليجية والاوروبية والولايات المتحدة، وقد صدّر اليها “بعضُنا” السلاحَ والارهاب والمخدرات وحرّض في كل خطاب ضد حكّامها، في حين دأب أهلُ الحكم على “تهشيل” مَن حاول مساعدة البلد الصغير، والمبادرةُ الفرنسية خير نموذج … عليه، وقبل ان يتم اصلاح هذا الخلل “البنيوي”، اي تحريرُ الشرعية من خاطفيها واعادةُ ربط لبنان بأهله واعادةُ الاعتبار للدستور، لن يكون خلاص للبنان. فتعثّرُ التأليف والمصيبةُ الاقتصادية التي نعيش اليوم، ما هي الا عوارض جانبية، للمرض العضال الذي يفتك بجسد الدولة، والمتمثّل في المعادلة التي ذكرنا اعلاه.. فهل نشهد انطلاق قطار الانقاذ هذا، عام 2021؟ كل المعطيات تؤشر حتى اللحظة، مع الاسف، الى ان الجواب عن هذا السؤال، سلبي..
على خط متوازن: فيما الاتصالات مقطوعة بين اهل الحل والربط في الملف الحكومي، المرحّل الى مطلع العام المقبل، وسط ضبابية مقلقة تلفّ مصيره حيث يكثر الحديث عن فراغ في السلطة التنفيذية قد يستمر الى الربيع المقبل، ترقّبا لمسار العلاقات الايرانية – الاميركية، تتجه الانظار الى اعادة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، وبمواكبة فرنسية، تحريكَ عجلاته على خط بعبدا – بيت الوسط، الاسبوع الطالع، على اعتبار انه المسعى المحلي الوحيد المرصود حاليا على الساحة اللبنانية. وفي السياق، سُجّلت اليوم زيارة لافتة قام بها مستشار رئيس الجمهورية الوزير السابق سليم جريصاتي الى الصرح، طمأن اثرها الى ان بكركي وبعبدا على خط متوازن، قبل ان يؤكد من جديد ان “العيش المشترك اي المشاركة الفعلية في انشاء السلطات“، اساسيان للتشكيل، ما يعني ان الرئاسة الاولى لا تزال متمسكة بإبداء الرأي في كل تفاصيل التركيبة الوزارية التي قد يضعها الرئيس المكلف سعد الحريري، من حيث الاسماء والحصص والحقائب، وهو الامر الذي لا يستسيغه بيت الوسط، كون نظرته للحكومة (من اختصاصيين غير حزبيين تلاقي جوهر المبادرة الفرنسية)، مختلفة جذريا عن تلك التي يطرحها القصر.
مشاركة فعلية: وقال جريصاتي “تبادلنا الآراء في مواضيع كثيرة واستمعنا الى رأي البطريرك، وسمع رأينا الموضوعي، ورأينا بالتجربة ما الذي حصل اخيرا في موضوع تشكيل الحكومة اللبنانية. وكان البطريرك مستمعا فطنا كالعادة ومساهما في وضع الامور في نصابها المؤسساتي والدستوري الصحيح”. وردا على سؤال عما اذا شعر ان البطريرك الراعي غاضب على رئيس الجمهورية او على النائب جبران باسيل، قال جريصاتي: “نحن نعتبر ان مرجعية بكركي مرجعية وطنية بكل المفاهيم والمعايير، والبطريرك والرئاسة على خط متواز في موضوع خلاص لبنان، ولم ار أي تباين في وجهات النظر. على العكس رأيت تشجيعا من البطريرك في ان نذهب جميعا الى النفس المؤسساتي اي خلاص لبنان، ليس على اساس جهوي، فئوي، مذهبي، طائفي، انما قال اذهبوا الى المؤسسات. وقال انا والرئيس متفقان على موضوع عمل المؤسسات وانشاء السلطات الدستورية بشكل صحيح ومتوازن عملا بالاحكام الدستورية. على العكس تماما رأيت البطريرك مهتما جدا بمبادرته على الاساس الذي شرحت“. وعن العقبة في وجه تشكيل الحكومة، قال جريصاتي: “ان العقبات كثيرة ولكنها تبقى عقبات قابلة للحل، ان صفت النيات لدى الذين يتداولون في الشأن الحكومي وأصحاب الربط، والجميع يعرفون ان هناك حلولا ممكنة عند تأليف الحكومات والحل الواحد هو الذي يعطينا اياه الدستور وهو العيش المشترك اي المشاركة الفعلية في انشاء السلطات“.
حكومة فاعلة: ووسط هذه المواقف التي لا توحي بفرج قريب، اكد الرئيس عون في معرض معايدته اللبنانيين “العمل لكي تحمل السنة الجديدة معالجة للأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يجتازها لبنان، لا سيما بعد جريمة التفجير في مرفأ بيروت”، معتبرا ان “مثل هذه المعالجة تستوجب وجود حكومة فاعلة يؤمل الا يتأخر تشكيلها اكثر مما حصل حتى الآن“. كما دعا رئيس الجمهورية اللبنانيين الى “مواجهة التحديات التي يستقبل بها لبنان السنة الجديدة بإرادة وعزم وتصميم، لانه بذلك يمكن إيجاد مناخات ملائمة لتجاوز هذه التحديات، لا سيما منها وباء “كورونا”.
فرنسا باقية: في الغضون، ورغم النكسات التي منيت بها باريس ومبادرتها لبنانيا، أكدت فرنسا عدم تخلّيها عنها، وبقاءها الى جانب اللبنانيين ، وحثت على الاسراع في التأليف. فقد وجهت سفيرة فرنسا في لبنان آن غريو رسالة تهنئة بمناسبة السنة الجديدة إلى اللبنانيين جاء فيها “كانت فرنسا إلى جانبكم في عام ٢٠٢٠ وستبقى كذلك في عام ٢٠٢١. هذا ما أكدّ عليه بقوة رئيس الجمهورية هنا، في لبنان، وهذا ما ذكّر به في المؤتمر الأخير لدعم الشعب اللبناني الذي انعقد منذ شهرٍ. يحتّم الوضع الراهن على فرنسا أن تواصل، مع شركائها، المطالبة بالإصلاحات التي لا بد من تطبيقها من أجل النهوض بالبلد والتحديث. لهذه الغاية، يحتاج اللبنانيون وأصدقاء لبنان واقف على قدميه إلى حكومة مؤلفة من نساء ورجال أكفاء، جاهزة للعمل ابتداءً من الآن، من دون المزيد من الانتظار، من خلال تجاوز المصالح الخاصة والحزبية. لا شك أن العمل سيكون هائلاُ ولكنه ممكن، على أن يشارك كل فرد فيه بحسّ المسؤولية من أجل مستقبل هذا البلد واللبنانيين”.
مفاوضات الترسيم: أما مفاوضات الترسيم التي دخلت بدورها في غيبوبة بفعل المقاربات المتباعدة بين الوفدين اللبناني والاسرائيلي، والتي يبدو ستبقى في الثلاجة حتى رحيل ادارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب، فحضرت اليوم في نشاط بعبدا، حيث رأس الرئيس عون اجتماعا، ضم، وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الاعمال شربل وهبه، رئيس وفد المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية الجنوبية العميد الركن الطيار بسام ياسين وألاعضاء: العميد الركن البحري مازن بصبوص، عضو هيئة إدارة قطاع النفط المهندس وسام شباط والخبير الدكتور نجيب مسيحي. وتم خلال الاجتماع عرض للخطوات التي سوف يتخذها لبنان تحضيرا لاستئناف المفاوضات في المواعيد المقبلة.
لانتخابات مبكرة: وازاء التخبط على الصعد كافة، أكّد رئيس حزب “القوّات اللبنانيّة” سمير جعجع من جديد أن “الحل الوحيد المتبقي للخروج من أزمتنا الحاليّة يكمن في الذهاب إلى انتخابات نيابيّة مبكرة”، معتبراً أن “انتظار تشكيل حكومة جديدة قادرة على الإنقاذ في ظل الأكثريّة الحاكمة الحاليّة هو كمن ينتظر أن تنبت مراع خضراء وسط صحراء قاحلة لم تعرف الأمطار يوماُ وبعيدة آلاف الأميال عن أقرب واحة مياه إليها“. ولفت خلال لقاء في معراب من أجل التسلم والتسليم بين منسق منطقة زحلة الجديد ميشال فتوش ومنسق زحلة السابق أنطوان القاصوف، إلى أنه “بالنسبة للوضع الأمني في زحلة فقوى الأمن الداخلي مدعوة إلى جانب بلديّة زحلة وباقي الأجهزة الأمنيّة إلى وضع خطة طارئة لضمان أمن المدينة وأهلها ووقف السرقات فيها“.
لا تستسلموا: اما صحيا، وفي وقت يتفشى كورونا بشكل مخيف فوق الاراضي اللبنانية، منذرا بالاسوأ، توجه وزير الصحة حمد حسن بالمعايدة للبنانيين، وذكرهم بـ”وجوب الإستمرار في فترة العيد بتطبيق الإجراءات الوقائية من كمامات وتباعد إجتماعي ونظافة شخصية، فلا يتم التفريط بكل ما تمت التضحية من أجله على عتبة بدء التلقيح بعد حوالى شهر ونصف شهر”.وقال “لا تستسلموا! فالأرقام الصادمة التي تم تسجيلها في الأيام الأخيرة تعكس خطورة الموقف رغم تحدي الاوضاع الإجتماعية والمالية والإقتصادية، ولكن المهادنة مع الوباء خطرة جدا ولن نقر بخسارة المعركة بل سنربحها بالتعاضد مع بعضنا، ومن واجبنا حماية كبارنا والمعرضين للمخاطر الصحية كي يبقوا الشمعة المضيئة في عائلاتنا ومنازلنا“.
ان المعلومات و الاراء و الافكار الواردة في هذا المقال تخص كاتبها وحده و تعبر عن وجهة نظره الخاصة دون غيره؛ ولا تعكس، باي شكل من الاشكال، موقف او توجهات او راي او وجهة نظر ناشر هذا الموقع او ادارة تحريره.
ان هذا الموقع و ادارة تحريره غير مسؤوليين عن الاخبار و المعلومات المنشورة عليه، و المنسوبة الى مصادرها بدقة من مواقع اخبارية او وكالات انباء.