نقلا عن المركزية –
أشارت معلومات “الجمهورية” ان الحراك الفرنسي قد بدأ فعلاً، من خلال جولة اتصالات مكثفة خلال الساعات الاخيرة باشَر بها المعنيون بالملف اللبناني في الايليزيه، مع العديد من الشخصيات السياسية. وفيما لمّحَت المصادر الموثوقة الى حضور مستشار الرئيس الفرنسي باتريك دوريل في هذه الاتصالات، كشفت انّ “هناك مسعى فرنسياً جدياً وحثيثاً، وأنّ الفرنسيين قدموا مجموعة من الافكار والطروحات التي من شأنها أن تساهم في فتح الطريق الحكومي المقفل”.
وفي موازاة الحضور الفرنسي، توقفت مراجع سياسية مسؤولة عند ما سمّتها “اشارات اميركية مشجعة” تجاه لبنان، عبر تقرير رفعته “مجموعة الازمات الدولية”، التي يترأسها المبعوث الاميركي الجديد الى ايران روبرت مالي، الى الرئيس الأميركي جو بايدن في 28 كانون الثاني الماضي. وجاء في التقرير: “بدل النظر الى لبنان من منظور إضعاف “حزب الله”، على الولايات المتحدة الاميركية جعل هدفها الأول تقوية الدولة (في لبنان) ومنع انهيارها. وبناء عليه، على الولايات المتحدة أن تلقي بثقلها خلف المسعى الفرنسي لجمع اللاعبين اللبنانيين، بما فيهم “حزب الله”، في حكومة جدية، ودفعهم نحو اصلاحات اساسية. وعلى الولايات المتحدة أن تشجع حلفاءها على تعاون براغماتي مع خصومهم لتمرير الاصلاحات، لا سيما تلك المتعلقة بحماية استقلال القضاء واقرار قوانين مكافحة الفساد الضرورية لتحرير الدعم الدولي، لا سيما برنامج صندوق النقد الدولي”.
من جهة أخرى، قال مصدر سياسي لبناني مواكب عن كثب للموقف الفرنسي لـ”الشرق الاوسط” إن الرئيس إيمانويل ماكرون لن يقوم بزيارته الثالثة للبنان كما وعد ما لم تتوافر الشروط لإنجاحها بخلاف زيارتيه السابقتين لبيروت، وهذا يتطلب من الأطراف الرئيسية التوافق اليوم قبل الغد على إخراج تأليف “حكومة مهمة” من المأزق الذي يحاصرها. وأكد المصدر أنه يلتقي مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري بقوله إن العائق أمام ولادتها ليس من الخارج وإنما من “عندياتنا”.
ولفت المصدر السياسي إلى أن ماكرون لا يزال يعوّل على الداخل في لبنان لإزالة العقبات التي تؤخّر تشكيل الحكومة بدلاً من الإفراج عنها، وهذا يستدعي معاودة مشاورات التأليف بين رئيس الجمهورية ميشال عون وبين الرئيس المكلّف بتشكيلها سعد الحريري؛ لئلا تبقى تدور في حلقة مفرغة في ظل انقطاع التواصل بينهما.
ورأى أن تلميح ماكرون باستعداده للقيام بزيارة ثالثة للبنان يتجاوز في موقفه هذه المرة، حث الأطراف الرئيسية المعنية بتأليفها على خلق الأجواء التي تدفع باتجاه تسريع ولادتها، إلى مطالبتها بالترفُّع عن الحسابات الشخصية والمصالح الخاصة، وتقاسم الحصص كشرط لتأمين العبور بتأليف الحكومة إلى بر الأمان. وقال إن ماكرون يمارس حالياً كل أشكال الضغط بغية تحقيق التلازم المطلوب بين مجيئه إلى بيروت وإعداد المراسيم الخاصة للإعلان عن التشكيلة الوزارية.
وكشف أن ماكرون لم يكتف بالاتصال بعون فحسب، وإنما تواصل مع الحريري الذي يتواصل بدوره مع بري الذي قرر الخروج عن صمته وباشر بتشغيل محرّكاته بالتزامن هذه المرة مع قيادة “حزب الله” التي قررت الانتقال من موقع المراقب لما يدور إلى التدخُّل، وهذا ما عكسه أمينه العام حسن نصر الله.
وفي السياق، تقول المصادر الفرنسية لـ”الشرق الاوسط” ماكرون على مبادرته يعود إلى عاملين رئيسيين: الأول أنه وعد اللبنانيين في زيارتيه إلى بيروت، في 6 آب والأول من أيلول الماضيين، بـ«عدم التخلي» عنهم، وهو عازم على أن يفي بوعده؛ والثاني التدهور الخطير الذي انزلق إليه الوضع اللبناني في كل مناحيه الصحية والاقتصادية والمالية والأمنية والاجتماعية، وانعدام حس المسؤولية لدى الطبقة السياسية اللبنانية التي ندد مجدداً بفسادها. بيد أن زيارة ماكرون المرتقبة تبدو حتى اليوم زيارة «مشروطة»، إذ إنه ربطها بـ«التحقق من أمور أساسية». وحتى اليوم، لم يفصح الرئيس الفرنسي (أو مصادره) عن طبيعة هذه «الأمور»: هل تتمثل في تأكده من أن الطبقة السياسية اللبنانية التي حنثت بالتزاماتها إزاء استعدادها للسير في «خريطة الطريق الإنقاذية»، كما عرضها في اجتماع شهير ليل الأول من أيلول في قصر الصنوبر، ستكون هذه المرة أكثر تعاوناً، وستفضل المصلحة العامة وإنقاذ لبنان على مصالحها الشخصية أو الفئوية، أم أن ماكرون حصل على «تطمينات» أو «ضمانات» خارجية من الأطراف المؤثرة في الملف اللبناني؟
بداية، تعد المصادر المشار إليها أن ماكرون «يراهن بمصداقيته ومصداقية بلاده» في لبنان والشرق الأوسط، بل في الداخل الفرنسي، حيث انصبت عليه الانتقادات، وأخذ عليه أنه وضع رجله في فخ، من غير أن يحسب حساب الرجعة. ويجدر التوقف عند ردة فعل وسائل الإعلام الفرنسي التي هللت لانخراطه في الملف اللبناني، لكنها لم تتردد في توجيه انتقادات لاذعة لـ«مغامرته» اللبنانية. من هنا، ترجح هذه المصادر أن يكون ماكرون قد حصل على «ضوء أخضر» أو وعود خارجية بتسهيل مهمته، قبل أن يغامر بتأكيد استمرار مبادرته وعزمه على الذهاب إلى بيروت مجدداً.
الى ذلك، أكّدت مصادر في الرئاسة الفرنسية لـ”نداء الوطن” أنّ ما قاله ماكرون لا يعكس أي تغيير في الموقف الفرنسي المطالب بحكومة في أسرع وقت لتنفيذ خريطة الطريق التي تمّ الإتفاق عليها، وهذا ما حرص ماكرون على أن يطلبه من نظيره اللبناني خلال اتصاله به. وأعلنت المصادر أنّ الرئيس الفرنسي لا يمكنه أن يحلّ مكان اللبنانيين لتشكيل الحكومة، واعترفت أنّ هناك تغييراً في الظرف الدولي مع مجيء الرئيس جو بايدن الذي يعرف لبنان جيداً وهو مهتمّ بالشرق الأوسط، ولدى فريقه مواقف متطابقة مع فرنسا ولكن هذا لن يؤدي الى نتيجة اذا ظلّت الخلافات بين الأطراف في لبنان تحول دون تشكيل حكومة، فالرئيس الفرنسي لا يمكنه التدخّل في خلاف محلي بين الرئيس المكلّف سعد الحريري والنائب جبران باسيل.
ان المعلومات و الاراء و الافكار الواردة في هذا المقال تخص كاتبها وحده و تعبر عن وجهة نظره الخاصة دون غيره؛ ولا تعكس، باي شكل من الاشكال، موقف او توجهات او راي او وجهة نظر ناشر هذا الموقع او ادارة تحريره.
ان هذا الموقع و ادارة تحريره غير مسؤوليين عن الاخبار و المعلومات المنشورة عليه، و المنسوبة الى مصادرها بدقة من مواقع اخبارية او وكالات انباء.