وحشٌ تقتلهُ يتكاثَر
بقلم روني ألفا
جريدة النهار اليوم
أصدِّقُ رئيسَ الجمهوريَّة عندَما يقول أنَّ التّدقيقَ الجَنائي مدخل للإصلاح. أن يَكونَ لَديك ألفُ سببٍ لتختلفَ مع رأس الدولة حول هذه المسألة أو تلك لا يجب أن يَحولَ دون إعترافٍ أخلاقيٍ أولاً ووطنيٍ ثانياً أنَّ ما يسوقَه حول التدقيق هو من دون أدنى شكّ مدخلٌ أساسٌ لتغييرِ وجه الدولة المكفهِّر. عدّةُ قوى سياسية معنيَّة بتشكيل الحكومة سيمرُّ التدقيقُ على حسابات المؤسسات التي صادرتها منذ أكثر من ثلاثين سنة. أستذكِرُ يومَ طلبَ الرئيسُ الراحل شارل حلو من رئيس مجلس الشورى آنذاك جان باز صياغة قانون للتطهير فما كان من الرئيس أن طهّر القاضي بموجبِه مع فارقٍ أنَّ باز كان قاضياً نزيهاً.
كمن ينتحرُ بأسلوب هاراكيري على الطريقة اليابانيّة كلُّ من يعرف أنه مُدانٌ بالإختلاس وإستغلال السلطة والإثراء غير المشروع ويستمرُّ في جهود التأليف. من هذا المنظور لا يبدو أن الحكومة ستبصر النور. لبنان في الظلمة حتى ينتحرَ هؤلاء في قصورهِم وبملء إرادتهم. الإنتخاباتُ النيابية الفورية هي والحال هذه الصدمةُ التي تعيدُ إنتاجَ السلطة فإما تنبثقُ أكثريةُ إصلاحٍ وإما سليمة إلى عادتِها القديمة. الشّعبُ إذن هو المعيارُ الذي سيُقاسُ عليه مستقبل لبنان. بالطبع بلدُنا يحتاجُ إلى روتوشٍ نوعيٍ للطائف يعيدُ تأهيلَه إنما أساسُ الأساس يبقى دولةُ القانون التي لا تولدُ إلا من المحاسبة العادلة.
هل تسمحُ كارتيلاتُ السرقة بإحداث هذا التغيير البنيوي؟ كلا. ستفعلُ كلَّ ما بوسعها لعرقلةِ أي مسارٍ مشابهٍ بما فيه إفتعالُ الفوضى. خلايا نائمةٌ سيتمُّ إيقاظها. عشرات خلدة وشويا وكفتون ومغدوشة والمقيطع سنشاهدُ مسلسلاتها في المدى المنظور. أخشى أن يكون لبنان قد دخلَ في متاهة.
في هذا الوقت يبدو أن إسرائيل ومن وراءَها يشاهدون نجاحَ مسعاهُم. محوريّةُ المساعي الخبيثة ضربُ صورة المقاومة وجرُّها إلى صراع داخلي وتحويلُ آلاف الشهداء إلى وقود لمواجهات طائفية ومذهبية. سيحدثُ كلُّ هذا حتى تشرين من العام المقبل. عندها سننتقلُ من حربٍ إلى حربٍ أخرى. من حربِ الكارتيلات على الدولة الإصلاح إلى حرب الدولة الدويلات. كانتوناتٌ صغيرةٌ ستنمو كالسرطان بين المناطق وتفرزُ اللبنانيين وسيكونُ مسيحيّو ومُسلمو الأطراف من الأقليات القاطنةِ في المناطقِ البعيدةِ عن العاصمة عرضةً للتهجير والترهيب والقتل.
للأسف هذا ما يُخَطَّطُ للبنان في الآتي من الأيام. بلادٌ تُفرَغُ من شبابِها الذين يتقاطرونَ إلى الخارج بكثافة فيما شبابٌ داخلَ جحيمِنا يتقاطرون لحملِ السلاح. سيُغَرَّرُ بهم وسيؤدلَجون بالكذبة بأسرع من وميض البرق. قدرٌ أكثرُ رعباً من أيام الحرب الأهلية. لا فلسطينياً يُتّخَذ كذريعة. لا سورياً كمطيّة. ستكونُ الحربُ أهليةً كاملةَ الأوصاف. سينتزعُ الإنعزالُ المسيحيُّ شرعيَّتَه بسرعة والإنعزالُ الإسلاميُّ أيضاً. إداراتٌ ذاتيةٌ ستنشطُ في المناطقِ وعلى خطوطِ تَماسٍ جديدة ستُرسَمُ على خلفيّةِ الدفاع عن العرض والشّرف والكرامة. رواندا نموذج حضاري مقارنة بما يمكن أن يحدث في بلدِنا. مِن بلدِ رسالةٍ حضاريةٍ ونموذجٍ يُحتَذى إلى لعنةِ وطن ومأساةٍ تتناسل. يذكّرُني هذا المشهد بأحد أفلام المخلوقات الفضائيّة التي يَظنُّ ركّابُ السُّفنِ الفضائيةِ أنهم قضوا عليه حرقاً وتفجيراً ونَحراً ورمياً بالرصاص ورشّاً بالأسيد فإذا بنطفةٍ منه تعود للتكاثرِ والتحوّلِ إلى وحشٍ أكثر ضراوةً من الوحش الذي سبقه. قدرُنا هذا الذي يجعلُنا نعيشُ بين نارين. إما القبولُ بالسرقة الي أفقرتنا وإما الثورة عليها وخسارةُ كلِّ شيءٍ بما فيه فقرُنا وتعتيرُنا.
الحكومة العتيدة التي ننتظرُها مثلُ انتظارِ غودو لا يعيقهُا ثلثٌ ولا إسقاطُ طائفة على حقيبة. ما يعيقُها حقاً هو بيانُها الوزاري الذي سيكون بندُه الأول التدقيقُ الجنائي. الأهوالُ ليست في مشقَّةِ التأليف بل في أهوالِ الكشفِ عن المجازرِ التي ارتُكِبَت بحقّنا نحن الشّعبُ الذي لم يُكتَب له التحوُّلَ إلى شعب والمنتظرُ على قارعةِ الوطن بانتظارِ انبلاجِ الوطن.
ان المعلومات و الاراء و الافكار الواردة في هذا المقال تخص كاتبها وحده و تعبر عن وجهة نظره الخاصة دون غيره؛ ولا تعكس، باي شكل من الاشكال، موقف او توجهات او راي او وجهة نظر ناشر هذا الموقع او ادارة تحريره.
ان هذا الموقع و ادارة تحريره غير مسؤوليين عن الاخبار و المعلومات المنشورة عليه، و المنسوبة الى مصادرها بدقة من مواقع اخبارية او وكالات انباء.