لا تستقلّوا هذه البوسطة اليوم
بِقَلَم روني ألفا
ليبانون ديبايت اليوم
اليوم ٤ آب. دمعة سخية على الشهداء. أكثر من ألفِ لبناني مكلوم سيحيون القداس الإلهي الذي سيترأسه البطريرك بشارة الراعي. سنصلّي معهم كلٌّ حسب دينه. إلهٌ واحد ضابطٌ للكل سيرافقنا من عليائه. خارج حرم المرفأ سيكون البلد في حالة غير قابلة للتنبؤ.
معروف سعد استشهد على خلفية مسيرة لصيادي السمك في صيدا. طابور خامس صوّب عليه شخصياً وأرداه شهيداً. كان ذلك صفارة انطلاق لبوسطة عين الرمانة. ظروف تلك المرحلة مختلفة؟ نعم. ظروفنا أكثر خطورة ومنفلشة على أكثر من معروف وأكثر من بوسطة.
قرار عدم الإنجرار الى فتنة تم اتخاذه. أغلب القوى السياسية والأحزاب أصدرت بيانات وأد للفتنة. لكننا ننسى أننا في خضم مواجهة بين البيان والطابور. بوجود أمر عمليات خارجي بالتفجير تكون الغلبة للطابور. تفجير الساحة اللبنانية اذا افترضناه احتمالاً يخدم اثنين. كيان العدو أولاً ومرتكبو جريمة المرفأ ثانياً.
لا شيء أحبّ الى قلوب المرتكبين أكثر من الفوضى. الأمن يعطّل القضاء. الفوضى تمحو ذاكرة العدالة وتستبدلها بذاكرة أخرى. ذاكرة النجاة. ذاكرة تذكرنا كل يوم صباحاً اننا لا نعيش أيامنا بل ننجو منها على ما أتى في مختارات الأدب. ذاكرة تدلّنا أي طريق نسلك. تفيدنا أي حيّ مقفل. تنبِئنا أي زقاق بيد أي عصابة. تحدّد خطوط التماس. تشيرُ كيف ننتقل من معبرٍ إلى معبر. نستهدي بها على ورثة شريف الأخوي. تهدينا على الطرقات السالكة والآمنة.
بهذا النوع من النسيان الخبيث يطيرُ التحقيقُ كبالونِ الهيدروجين ويتبخّرُ القرارُ الظنيُّ كدُخانِ لُفافَة وتُعرَضُ المحاكمةُ على لوحةِ عدّادٍ رقميٍ مثَبَّتة على أحد مستديرات العاصمة أسوةً بعدّادِ المحكمة الدولية من أجل الرئيس رفيق الحريري. محكَمَةٌ منظَرُ ” تِكْ تِكْ ” ساعتها هو مِصداقيَّتُها الوحيدة.
قد ينتهي اليومُ على خير وهذا خيرُ ما نرنو إليه. هذا لا يلغي حقيقة أن وطنَنا ليس بخير. في ٤ آب يعملُ البعضُ على تسييسِ الدموع. يُشترَى الدمعُ المزيّفُ ويُعَبَّئُ في قواريرَ من جدلٍ بيزنطي. رفعُ حصانات. تعديلُ دستور. مجلسٌ أعلى. إلغاءُ المحاكم الخاصة.
مشاريعٌ بحجم الإتحاد السوفياتي السابق تحتاج الى سنوات إجتهاد في بلادٍ مستقرةٍ ومتقدمة. عندنا تصلُ هذه الإصلاحاتُ المفترضةُ الى خواتيمها ربما في زمنِ أحفادِ أحفادِ شهداءِ المرفأ. عن جد، كل هذا هراءٌ في هراء ولا يهدفُ الا إلى قتلِ الشهداءِ مرتين.
اليوم مناسبةٌ للتأكيد أن اغتيالَ الذاكرة مستحيل. أنَّ رهانَ المرتكبين على الوقتِ خاسر. أنَّ هدايا الإصلاحِ المفخخةِ تمَّ تعطيلُها ولن تنفجر. أنَّ المرتكبون سيُحاكَمون. أنَّ لبنان من دون قانون يتحوّلُ الى ذئبٍ مفترسٍ يأكلُ لحمَ أبنائه. نعم لقد أفلسَ جزءٌ كبيرٌ من الطبقة السياسية. نعم القضاء ملاذٌ اخير ونعم يجبُ الا ترتاحَ الدولةُ ولا يومٍ تحت ضغطِ النَّاسِ الأوادم حتى تكشفَ القتلةَ وتحدِّدَ المسؤوليات.
لم يبقَ للناس شيءٌ للخسارة. لا يخافُ سوى من يخافُ أن يخسرَ شيئاً. علي وعلى أعدائي يا رب هو ما دفعَ المرتكبونَ الناس إليه. هذا السلوكُ المشينُ لأغلبِ الطبقةِ السياسية وضعَ لبنان على طريق الوصاية الدولية.
تقاريرٌ خطيرة صدرتْ منذ أيام تدينُ رئيسَ الدولة ومعه كل الرئاسات الباقية بخطأ المعرفة وبتقصير عدم القيام بأي شيء. لا عجب أننا والحالة هذه نذهب بخطى ثابتة الى وصاية. من جزمة الى جزمة دفعنا المرتكبون ومن وراءهم الى العيش بحسب قانون الوصي. فقدنا أو كدنا كل أثرٍ لسيادةٍ حقيقية في حياتنا الوطنية.
سمعنا كلامَ رئيس الدولةِ مساءَ أمس. لم يمسَّنا في الصميم. لم نسمعْ شيئاً خلالَ سنةٍ يشبِهُ ما قاله عن استعداده المثولُ أمامَ العدالة. لو أن رئيسَ الدولة مثُلَ أمام قاضي التحقيق منذ اليوم الأول للمأساة لتحوَّلَ الى قدوة. لكان أحرَجَ كل المنظومةِ تحته.
إذا كانت ” العدالةُ المتأخرةُ ليست عدالةً ” على ما جاء على لسان رئيس البلاد البارحة فالمثولُ المتأخرُ أمام العدالةِ ليس مثولاً أيضاً.
لا نعلمُ بعد حصيلة هذا اليوم. الجيشُ يحفظُ الوطنَ في خوذته. هو مؤتمنٌ علينا اليوم وكل يوم. سيحمي حقَّ التظاهرِ الحضاري ولن يسمحَ بتخريبِ الأملاكِ العامةِ والخاصة ولا بانتهاكِ حرماتِ البيوت. علينا جميعاً أن نرميه بالورد. كل من يرشقه بحجرٍ لا يمثِّلُ الناسَ الأوادم.
من يتعرّضُ للجيش ويقتحمُ مدخلَ بناية سكنية ويخلعُ باب حانوت سيُصَنَّفُ مرتزقاً. لم يعد سرّاً أن أموالاً تُدفَعُ للنقلِ والقتل. القتلُ بكل أبعاده. قتلُ الحياةِ بجميع أشكالها. في هذا اليوم نصلّي أيضاً كل حسبَ دينه ليحمي الله جيشنا البطل.
المهم ألا يكون غداً ٥ آب. غداً ٤ آب آخَر. الحفاظُ على الذاكرة طازجةً ونَضِرة. وحدها تغذي نعمةَ الصبر وترفدُ الإرادةَ بالعملِ النضالي. فلنقتل الطابور معاً حتى لا يقتلَنا. زمنٌ شديدُ الخطورة. عصفُ انفجاره اذا نجحَ الطابورُ سيكونُ أقوى من النيترات. سيجرفُنا عصفُهُ الى جمهوريةِ موزٍ ودولة مقرصَنة. لا نستحق مثل هذا المصير.
ان المعلومات و الاراء و الافكار الواردة في هذا المقال تخص كاتبها وحده و تعبر عن وجهة نظره الخاصة دون غيره؛ ولا تعكس، باي شكل من الاشكال، موقف او توجهات او راي او وجهة نظر ناشر هذا الموقع او ادارة تحريره.
ان هذا الموقع و ادارة تحريره غير مسؤوليين عن الاخبار و المعلومات المنشورة عليه، و المنسوبة الى مصادرها بدقة من مواقع اخبارية او وكالات انباء.