بالإضافة الى اهتمامها بالنواحي الحياتية الجوهرية، وسعيها الى تحقيق النجاح الوظيفي وترسيخ وجودها في المجتمع، تتميّز المرأة اللبنانية بتركيزها على مظهرها الخارجي، فهي في محاولة دائمة لتحسين صورتها وشكلها الى حدّ الإفراط وهذا عند عدد لا بأس به من النساء.
إنّ العناية بالمظهر أمر مهمّ بدون أدنى شكّ، الّا أن هناك عدّة عوامل تدفع الأفراد، على حدّ سواء، النساء والرجال، الى الإهتمام المبالغ بالموضة والجمال.
بالتركيز على المرأة، هناك عدّة أسباب تدفعهنّ الى ذلك، ومنها الإعتقاد المغلوط أنّ المظهر الخارجي مُؤهلٌ للنجاح العملي، أيضا المقاييس الجمالية المثالية التي رسمها المجتمع، العربي بالتحديد، ومحاولة إبراز الأنوثة والجاذبية من خلال تعديل الشكل، بالإضافة الى الحاجة للفت النظر، والسعي للتشبّه بأيقونات الموضة والنجمات العالميات، وأيضاً إثارة إعجاب الرجل وإرضاء ذوقه متجاهلة أنّ الشكل ليس العامل الأساسي الذي يحظى بانتباهه، وكما يقول شكسبير:”إنّ المرأة العظيمة تلهم الرجل، أمّا المرأة الذكية فتثير إهتمامه، بينما نجد أن المرأة الجميلة لا تُحرّك فيه أكثر من مُجرّد الشعور بالإعجاب…”
هذه العوامل مُجتمعةً، بالإضافة الى تغيّر خطوط الموضة بشكل مستمر، وفي عالم يبدو فيه التجميل الإصطناعي إجتهاد ضروري وحيث تواجه بعض النساء اللواتي يعتمدن المظهر الطبيعي دون الإكثار من الماكياج الإنتقاد وخاصة الوجوه المعروفة منهنّ، إذ يعتبر ذلك إهمال وثقافة إجتماعية منقوصة.
كلُّ ذلك يخلق شعوراً بعدم الرضى لدى المرأة التى تلجأ غالباً الى عمليات ومستحضرات التجميل لمواكبة آخر صيحات العصر وتوجهات المجتمع وأيضا لترك إنطباعاً حسناً من خلال مظهرها. وما يجب ذكره هنا أنّ الدخول الى هذا العالم يقترن بنوعٍ من الإدمان فيصبح من غير الممكن التوقف عند حدّ معيّن، وغالباً ما تريد المرأة المزيد من التحسين والتعديل أو التغيير وخاصة من خلال العمليات التجميلية إذ أصبحت تريد تغيير ملامحها بالكامل بحيث لا تعود تشبه نفسها، وكلّما تمعّنت أكثر كلّما رأت عيوباً أُخرى فتسعى للمزيد حتى تشعر بالرضى الذي تفتقدُه بسبب عدم تصالُحها مع ذاتها ومع صورتها الخارجية ومع خطوط العمر ومع تجاعيدها ولأنها غير قادرة أن تُحِبّ نفسها.
في الماضي وبشكل عام، إقتصرت عمليات التجميل على تقويم الأنف وتجميله، شد ّالوجه، تبييض الأسنان بما يعرف اليوم ب “هوليود سمايل”، أمّا اليوم فهناك تغيير خط الفك، نفخ ورفع الخدّين ، نفخ الشفاه ورفع الجفون بحيث تتغيّر معالم العيون فتصبح شبه عيون الثعلب، وغيرها من التقنيات مثل الفيلر، البوتوكس، الشفط، التكبير والتصغير.
هذه التقنيات جميعها مكلفة وأغلب المراكز الطبية التجميلية تطالب بالدفع بالعملة الصعبة أو حسب سعر صرف الدولار، وطبعاً إرتفعت الأسعار بنسبة 50% وتصل أحياناً الى 70%، ونتيجة للأزمة الإقتصادية والحجر الصحي، شهِد القطاع التجميلي تراجُعاً بنسبة 90%، فال 10% الباقية هي القلّة القليلة من الأشخاص الذين لم يتأثروا بانهيار قيمة الليرة اللبنانية. يضاف الى ذلك تراجع السياحة التجميلية بسبب إغلاق المطارات في بعض الدول وفرض شروط على المسافرين، وهذا بعد أن كان القطاع التجميلي واحد من أكثر القطاعات إزدهاراً في لبنان، فقد إحتلّ لبنان المركز ال 24 في العالم لجراحة التجميل وفقاً لإحصاءات الجمعية الدولية.
إلّا أنّه اليوم، ونظراً لإضطرار المراكز التجميلية لشراء المواد والأدوات والآلات من الخارج بالعملة الأجنبية، وحيث تتراوح الأسعار بين 300 الى 10.000 $ كمعدل، لم يعد باستطاعة اللبناني وخاصة المرأة، القدرة المالية لتستمر بنفس أسلوب الحياة التي كانت تعتمده في السابق، بعد أن كانت على استعداد أن تحرم نفسها من الحاجات الأساسية حتى تؤمن سعر حقن البوتوكس أو غيرها، وبعد أن كانت تستدين من المصارف اللبنانية التي كانت تمنح قروض تجميلية مُيسرة.
أمام هذه الصعوبات، إتّجهت المرأة اللبنانية الى الخارج نظراً لانخفاض الكلفة مع ما يترتّب عليه من مخاطر صحيّة وشكلية. فالتقنيات التجميلية تحتّم وجود عيادات طبيّة ومواد عالية الجودة كالبلازما، الفيلر والبوتوكس… والأهم تتطلّب أصحاب الإختصاصات وأطبّاء ماهرين لإجراء العمليات الجراحية دون تعريض المريض أو المريضة للخطر.
ومن لم يسمع عن حالات تسببت فيها الجراحة الى تشوُّه شكلي أو حتى الى الوفاة؟
الى جانب ذلك، تأثرت صالونات تصفيف الشعر بالوضع الإقتصادي والحجر الصحي الذي فرض على الأشخاص البقاء في المنزل، فبعد أن كانت غالبية النساء تقصدها من 3 الى 4 مرّات في الأسبوع، أما الآن فهي تهمل ذلك وتكتفي بزيارات محدودة أو في المناسبات، بالإضافة الى تأثرها بانخفاض عدد الأعراس الى 10% لعدم توفر الإمكانية المالية للزواج.
ولا يمكن أن ننسى أن استعمال مساحيق التجميل والكريمات قد إنخفض أيضاً بسبب الإضطرار لوضع الماسك طيلة الوقت وهذا ما اثبتته نسبة المبيعات في الأسواق.
فهل أصبح التجميل والعناية بالجمال من الكماليات؟ وهل أصبح القطاع التجميلي من القطاعات التي تركع أمام جائحة كورونا وأمام الضائقة المالية التي ألقت بوزرها على اللبنانيّ؟ وهل ذلك من حسن الحظ لأننا أصبحنا نرى وجوه النساء كلها متشابهة؟ أم أنه وفي بعض الأحوال الصحية همّ زائد مضاف الى الحرمان والتقشُف والقلق الذين حفروا في وجه المواطن تجاعيداً أعمق من أن ترممها الإجراءات التجميلية، وخطوطاً تنبع من سويسرا الشرق والذكريات العذبة، وتصبّ في بحر اليأس والذلّ، وتستقرّ في القاع.
لكن لن يلبس إلّا وأن يضيق الصدر وينفُذ الصبر، فيصعد الى سطح الماء ويسبب هيجاناً يصعب الإبحار فيه، فلا بأس حينها، لأن البحر الهادئ لا يصنع ملاحاً ماهراً ولبلوغ الجزيرة، لا بدّ من بعض الغرق والغوص والتجديف.
ان المعلومات و الاراء و الافكار الواردة في هذا المقال تخص كاتبها وحده و تعبر عن وجهة نظره الخاصة دون غيره؛ ولا تعكس، باي شكل من الاشكال، موقف او توجهات او راي او وجهة نظر ناشر هذا الموقع او ادارة تحريره.
ان هذا الموقع و ادارة تحريره غير مسؤوليين عن الاخبار و المعلومات المنشورة عليه، و المنسوبة الى مصادرها بدقة من مواقع اخبارية او وكالات انباء.