آن سي سْوا تِيلْ
بِقَلَم روني ألفا
جريدة النهار الإثنين ٢٩- ٣-٢٠٢١
خَلَصْ قررت. سأرتَدي زيَّ حيوانٍ طائفيٍ أليف.دابّتي المفضّلة البقرة والفضلُ لغاندي. جرسٌ مربوطٌ بِحَبلٍ سيتدلّى مِن رقبَتي. رنينُ جهالَتِهِ أصدَقُ إنباءً مِن الكتُبِ. في لبنان أيُّ بقرةٍ مزوّدَةٍ بِجَرَسٍ طائفيٍ أفضَل مِن أي مُواطِنٍ مزوّدٍ بشهادة دكتوراه. لا حاجةَ لك في مراعينا إلى تقديمِ أي سيرَةٍ ذاتيةٍ لأي رَبّ عَمَل. ربُّ عملِكَ هو الجرسُ المُدَندَلُ منك. سِنّي وشيعي. درزي ومسيحي. ألبُطْ أيَّ بابٍ بِمَا فيه البابَ الموصَد والباب العريض والبابَ العالي. جرسُكَ يَفتحُ كل الأقفال. تذكّر أنك سلعةٌ إستراتيجيةٌ لا يمكنُ الإستغناءُ عنها. أنتَ حَجَرٌ أساس في صناعةِ تماثيلِ الزعماء. لا يساوون جنحَ ذبابةِ من دون أُصوليَّتِك. تعصّبْ لطائفتِك. أُشتُم جارَكَ في الطابق الرابِع. إلعَنْ قديسيه ستجدُ أتباعاً وزِلماً وعزوةً ودُوَلاً تمدُّكَ بالسلاح والأعتِدَة. الله أكبر و” آن سي سْوا تِيلْ “.
جرِّبْ أن تكون حشرةً طائفية. ستَحظى بالإهتمام. فجأةً يُدرَجُ إسمُكَ في لائحةِ توزيعِ الحصصِ الغذائية. العلمانيُّ في لبنان من فصيلةِ جِياع بيافرا. يأكلُ طبقَ العِلمانيّةَ ويتدشّى. مئةُ عامٍ من تاريخِ لبنان وهو يحاولُ من دون جَدوى تَغييرَ جِنس هذا المخلوق. لبنان قَدَرٌ جِيني. جيناتُه غير قابلةٍ لدولةٍ مدنية. ما أن يلوحَ في الأفق مشروعٌ من هذا النوع تنشبُ حربٌ لإعادته إلى بيتِ الطاعةِ الطائفي. تُبنَى الكنائسُ والمساجِدُ في لبنان تكريساً للطوائف. مكتوبٌ على مداخلها ” ممنوع دخول الله تحت طائلة المسؤولية” . قلمُ الإناث للروم الأرثوذكس. قلم الذكور للموارنة. لا يهمّ إذا لم تكتمل العبارة بحرفيَّتِها. المهم أنك تقترعُ للائحةِ مرّشَّحي الطوائف. أنتَ إذن بقرةٌ ناخِبةٌ بِجَرَس. الجرسُ نفسه المتدلّي من سلالة الأبقار الذينَ تَقمَّصتَهُم منذ مئة عام ونيف.
لا عَجَب أنْ ليسَ في لبنان ثوراتٌ بالمعنى المتعارف عليه. خلفَ كل شارعٍ هناك طوائفٌ متربّصة. في كل دسكرةٍ في لبنان هناك شياح وعين الرمانة. أشرفية وضاحية. أتباعٌ لمار متر وأتباعٌ لمار شربل. مناصرونَ للأئمةِ ومناصرونَ للبطاركة. القديسونَ يتعانقون فوق وأتباعُهم يتقاتلون تحت. الطائفيةُ في لبنان علةُ وجود. هدفٌ أسمى. مبتَغَى ومُرتَجى ومبرّرٌ كافٍ لنشوبِ حربٍ أهلية. على مدى مئة عام جاءت الإرسالياتُ وأجلَسَت الطوائفَ على بنوكِ الدراسةِ جنباً الى جنب. لقّنَتهُم قيَمَ الحريةِ والعدالةِ الإجتماعية ولغةَ الحقوقِ والمساواةِ والمُواطَنة. صمَدتْ التعاليمُ حتى دعسةِ باب الأوتوكار. على طريقِ العودة كان التلامذةُ يهتفون ” يا شوفير دعاس بنزين نحن طوائف لبنان الحلوين “.
سأحاولُ مُلكاً. المعادلةُ سهلة. سأخرجُ من فندقِ العلمانية وأدخلُ إلى إسطبل الطائفية. بصراحةٍ أضنانا الحبُّ من طرفٍ واحد. الدولةُ المدنية عَقوق. ضحّتْ بنا من أجلِ كرسيٍ ومنصب. من أجلِ مديريةٍ عامةٍ وسفارةٍ ووظيفةِ بوّاب. أحببناها عذرياً فنامت مع زعران الطوائف. من الآن وصاعداً سأرصدُ المتنفذين في طوائفهم وسأكونُ من أزلامِهِم. أنا أيضاً لي يدان تُصفِّقان. سأصفقُ بهما إلى ما شاءَ الله. يعيشُ الزعيم سأهتفُ بأعلى صوتي. سأدرّبُ حنجرتي على النُّباحِ الوفي. سأحرسُ بوابةَ الزعيم وأحفظُ عن ظهرِ قلبٍ خِطاباتَ ترشيحه وأقواله المأثورة وسأعبدُ صورَ أجداده المعلقة على جدرانِ قصره. يسواني ما يسوى غيري. إذا كان المطلوبُ تعليقُ جرسٍ على العنق فباستطاعتي مع قليلٍ من الحظ إستعارةُ جرس نوتردام لأعلنَ غيرةَ الدين من أعلى تلةٍ قربَ بيتي الصغير ومن لديه جرسٌ أكبر من جرسي فَليُرِني عرض جرسِه.
لن أفوّلَ على أحد. الفألُ من صنيع ربّي إنما يخالجني شعورٌ يقينيٌ أننا ما زلنا في زمنِ جان دارك. حروبُنا الدينيَّةُ ما زالت في بداياتِ اندلاعها. استطاعَ سايكس وبيكو أن يرشَّا عليها مبيدات ما بعد الحرب العالمية الأولى. عسّتْ بعد عشرين سنة فَرَشَّها الحلفاءُ بالبودرة. صمدتْ حتى بداياتِ الحربِ الأهلية وانتهتْ على زغل. ثمة من يريد الإنتقام من الطائف. ” جانداركات ” بالجملة جاهزات لقتل الله بالله. في هذه الأزمنة العجاف حيث مواسم تغيير الدول سأحفظُ رأسي. أنجعُ الوسائل تركيبُ أجراس. بقراتٌ طائفيّةٌ حلوب تجوبُ المراعي اللبنانية. ويلٌ لمن ينادي بالدولة المدنية. حكمُه سيكونُ تجريدُه من الجرس وذبحُه وأكلُه حلالاً على موائد الزعامات الطائفية المتناسلة.
ان المعلومات و الاراء و الافكار الواردة في هذا المقال تخص كاتبها وحده و تعبر عن وجهة نظره الخاصة دون غيره؛ ولا تعكس، باي شكل من الاشكال، موقف او توجهات او راي او وجهة نظر ناشر هذا الموقع او ادارة تحريره.
ان هذا الموقع و ادارة تحريره غير مسؤوليين عن الاخبار و المعلومات المنشورة عليه، و المنسوبة الى مصادرها بدقة من مواقع اخبارية او وكالات انباء.