نقلا عن موقع Banking Files كتب الدكتور ايلي الخوري
كثرت التساؤلات مؤخرا من قبل اللبنانيين عن السقف الذي يمكن أن يصله سعر صرف الدولار الأمريكي في السوق السوداء مقابل العملة الوطنية التي بحسب البنك الدولي قد خسرت أكثر من 65 بالمئة من قدرتها الشرائية وراحت تتهاوى دون أفق او ضوابط فضاع المواطنون واستفاد المضاربون.
لقد اصبح شغل اللبنانيين الشاغل عقولهم وقلوبهم هو السؤال عن متى يرتفع ومتى يهبط الدولار؟ هل نشتري اوهل نبيع؟ وغيرها من هواجس تقلق المواطنين وتفتح عيونهم على مستقبل قاتم ومصير متروك للعناية الالهية.
إذا أردنا الابتعاد عن الغوغائية في التحاليل والاستعاضة عنها بتحليل منطقي فلا بد لنا أولا من تعداد المؤشرات التي ترتكز عليها عمليات تقلب العملات وعندها يمكن ان نصل الى تحديد سعر صرف الدولار في السوق الموازية.
معدلات التضخم
ان التغيرات في معدل التضخم (Inflation) يسبب تغيرات في أسعار صرف العملات. وترتفع أسعار السلع والخدمات بمعدل أسرع في البلدان حيث يكون التضخم مرتفعا مقارنة مع البلدان ذات التضخم المنخفض. أن ارتفاع التضخم عادة يؤدي الى انخفاض في العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية. في لبنان ان حجم التضخم قد وضعه في المرتبة الثانية بعد فنزويلا، بمعدّل تضخّم وصل إلى 365 بالمئة.
اسعار الفائدة
تؤثر التغيرات في أسعار الفائدة (Interest Rates) على قيمة العملة الوطنية وبالتالي على سعر الصرف. ان أسعار العملات الأجنبية، وأسعار الفائدة، والتضخم كلها عوامل مترابطة مع بعضها البعض. لقد شهد لبنان منذ اندلاع التظاهرات الاحتجاجية في أكتوبر 2019 انخفاضا حادا في أسعار الفائدة خاصة الدائنة منها وترافق ذلك مع ارتفاع جنوني في الأسعار مبني على ارتفاع في سعر صرف الدولار الامريكي من 1515 الى 9850 حاليا.
الحساب الجاري/ ميزان المدفوعات
يعكس الحساب الجاري (Current Account) للبلد واقع الميزان التجاري و الأرباح على الاستثمارات الأجنبية بما في ذلك حركة الصادرات، والواردات، والديون، وما إلى ذلك. إن العجز في الحساب الجاري اللبناني سببه الاساسي إنفاق الدولة 18 مليار سنويا على الاستيراد مقابل 4 مليار لبيع الصادرات الامر الذي ادى الى ضغط على سعر صرف الليرة اللبنانية نتيجة الطلب على الدولار الأمريكي.
الدين الحكومي
الدين العام (Public Debt) هو الذي يترتب على الدولة ومن البديهي ان البلد الذي لديه ديون حكومية أقل احتمالاً للحصول على رأس المال الأجنبي، مما يؤدي إلى التضخم وبالتالي الى انخفاض في سعر صرف العملة الوطنية. لقد لامس الدين العام في لبنان عتبة 100 مليار دولار مع كلفة على الدين بمقدار 5 مليار وقد تم تمويل الدين من احتياطي المركزي بالعملة الأجنبية أي من جيوب المودعين. بعدها تعثرت الحكومة وتخلفت عن سداد ديونها من اليوروبوندز مما ادى الى فقدان سندات الخزينة 80 بالمئة من قيمتها وشهدنا عمليات بيع المستثمرين الأجانب سنداتهم في السوق المفتوحة.
الاستقرار السياسي والأداء
يمكن للاستقرار السياسي (Political Stability) والأداء الاقتصادي(Economic Performance) في أي بلد أن يؤثرا على قوة عملته. ونتيجة ذلك، فإن البلد الذي تقل فيه مخاطر الاضطرابات السياسية أكثر جاذبية للمستثمرين الأجانب، مما يؤدي بدوره إلى ارتفاع قيمة عملته الوطنية.
مما لا شك فيه ان الطبقة السياسية الحاكمة منذ تسعينيات القرن الماضي لم تبادر ام بالحد الادنى لم تستطع ان تؤمن استقرار سياسي وتغيير منهجي في الأداء الحكومي لناحية الشفافية ومحاربة الفساد ومعالجة الخلل الاقتصادي والحد من الهدر فما زلنا حتى يومنا هذا دون حكومة منذ 6 اشهر كما اننا نسير بميزانية مبنية على الصرف وفق مبدأ الاثني عشرية. كل هذا المشهد ارخى بظلاله على العملة الوطنية وساهم بانخفاض سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار.
الركود
عندما يعاني بلد ما من الركود (Recession)، فإن أسعار الفائدة لديه من المرجح أن تنخفض، الامر الذي يقلل من فرص الحصول على الرأس المال الخارجي بالعملة الاجنبية مما يضعف العملة الوطنية. اذا نظرنا الى حجم التدفقات النقدية الواردة الى لبنان بالدولار الامريكي والمقدرة سنويا حوالي 7 مليار دولار نرى بحسب ارقام مصرف لبنان انها انخفضت الى النصف مما أدى بالتالي إلى خفض سعر صرف الليرة بسبب الطلب على الدولار الأمريكي في الأسواق المالية.
المضاربة
إذا كان من المتوقع أن ترتفع قيمة عملة بلد ما، فإن المستثمرين سوف يطالبون بالمزيد من تلك العملة من أجل تحقيق الربح في المستقبل القريب. أما في لبنان فقد حصل السيناريو المعاكس حيث ان جميع المؤشرات الاقتصادية والسياسية والمالية اخذت المستثمرين الى حتمية التخلي عن الليرة اللبنانية مقابل الحصول على الدولار ونتيجة لذلك ارتفعت نسبة الدولرة (Dollarization rate) الى 82 بالمئة وهي النسبة الاعلى منذ انتهاء الحرب الاهلية.
في الخلاصة
ان جميع المؤشرات اعلاه اذا دلت فهي تشير الى ان الطلب على الدولار كونه الملاذ اللآمن للبنانيين سوف يستمر. أما عن الآلية المتبعة في سوق القطع الموازي نجد انه يتم اعتماد مبدأ الجني الممنهج للارباح (Market Skimming) بمعنى اخر، كل ما تجاوزنا مرحلة الاعتياد على سعر صرف معين سوف يتم الانتقال الى سعر اعلى وهكذا دواليك الى ان يستنزف المواطن.
ختاما
للاجابة على السؤال الاساس، الى أين قد يصل الدولار خلال هذا العام؟ من المتوقع أن يتراوح سعر صرف الدولار في نهاية العام 2021 حوالي 16500 ليرة لبنانية للدولار الواحد. إن هذه التقديرات مبنية على اساس زيادة بنسبة 65 بالمئة على سعر الصرف الحالي انما مثل اي تقديرات فقد تخطئ اوقد تُصيب.
ان الاسراع في تشكيل حكومة اختصاصيين والبدء بمعالجة جميع الملفات بما فيها التدقيق المالي الجنائي وملف الكهرباء اضافة الى معاودة التفاوض مع صندوق النقد الدولي كما وحاملي سندات اليوروبوندز المستحقة، كلها عوامل قد يكون لها تداعيات مباشرة على سعر صرف الدولار مقابل الليرة وبالتالي على جيوب المواطنين ولقمة عيشهم، والسلام.
ان المعلومات و الاراء و الافكار الواردة في هذا المقال تخص كاتبها وحده و تعبر عن وجهة نظره الخاصة دون غيره؛ ولا تعكس، باي شكل من الاشكال، موقف او توجهات او راي او وجهة نظر ناشر هذا الموقع او ادارة تحريره.
ان هذا الموقع و ادارة تحريره غير مسؤوليين عن الاخبار و المعلومات المنشورة عليه، و المنسوبة الى مصادرها بدقة من مواقع اخبارية او وكالات انباء.