جرح ميثاقي من يضمّده؟
بِقَلَم روني ألفا
جريدة النهار الإثنين ١٩- ٧- ٢٠٢١
أبعاد مخيفة تتخذها الميثاقية في لبنان. غير مسبوقة الحدوث منذ ميثاق ١٩٤٣. لأول مرة في تاريخنا الحديث تخرج طائفة مؤسسة برمتها من الحياة الدستورية. مرجعيتها السياسية والروحية على حد سواء باتت خارج الحياة الميثاقية. ماذا يمنع السنَّة من الخروج عن الميثاقية وقد انتُزِعت الميثاقية منهم؟ r
ترجمة الإنتفاضة يمكن أن تأخذ أشكالاً عدة. المطالبة باستقالة الجمهورية أحد هذه الأشكال بغض النظر عن نجاح مسعاها. الإحجام عن المشاركة في استحقاق الإستشارات النيابية شكل آخر من الإنتفاضة. نمو فصائل متطرفة على قاعدة الظلامية والإقصاء ضمن سيناريوهات الخراب.
كلما شعرت طائفة بالعزل زادت عوارض خروجها من الإعتدال. قد تكون فوضى قصقص والطريق الجديدة وطرابلس والبقاع والناعمة بروڤا لفوضى اوسع سيكون من الصعب محاصرة تداعياتها. حقبة إلهاء سيكون الهمّ الأمني هاجسها الأساس.
الثنائي الشيعي مع تفهمنا لتحفظهما عن هذا التوصيف أدركا التداعيات. تمسكهما بالرئيس الحريري هدف الى صيانة ميثاقية اذا تهشمت تهشمت معها وحدة لبنان واستقراره. تكفّلت المارونية السياسية الحالمة بنحر الطائف الإطاحة بالمكلَّف. أطاحت به ظناً منها انها أطاحت بإرث والده الذي اختزل الطائف بشخصه. الإطاحة بالوريث على هذا النحو قد يطيح بالمارونية السياسية المستجدة. المطالبة باستقالة رئيس الجمهورية يمكن انتظار تباشيرها أو على الأقل يمكن استنتاجها نظرياً.
لسنا على عتبة تشكيل حكومة. نحن على شفير حرب. الشيعية السياسية يمكن ان تلعب دور الإطفائي. لم يعد مقنعاً رد سبب الإعتذار الى رفض السعودية للرئيس المكلّف. الرجل زار القصر الجمهوري ١٩ مرة وعرض ١٩ سيناريو تقريباً. المطلوب بات واضحاً وهو القضاء على الحريرية في لبنان. الثمن لن يكون بخساً. الباهظ من الأثمان سيُدفَع في المرحلة المقبلة.
لا يمكن تصور رئاسة حكومة خارج الغطاء السني. سنكون امام حسان دياب آخر لإدارة الحرب لا لإدارة الإصلاح. هذا السيناريو شديد الإحتمال سيطيح بكل الإستحقاقات الانتخابية البلدية والتشريعية والرئاسية. مشهد ١٩٨٩ مع ظروف دستورية اقسى. خروج الرئيس من القصر بعد الولاية سيتبعه خروج المسيحيين من المعادلة. للأسف الشديد هذه هي اللوحة القاتمة التي سترسم أقدارنا بعد أشهر.
من جديد جسر عبور لبنان نحو الإستقرار بيد القوة الشيعية الهادئة والحكيمة. إعادة الطائفة السنية الى موقعها الميثاقي بأسرع وقت. الخطة والمنهجية بمتناول الانتلجنسيا الشيعية المتنورة المؤتمر التأسيسي أحد تجلياتهما. جنوح بعض الموارنة أساء الى الميثاقية بشكل فظيع.
من الآن وحتى الوصول الى الدولة المدنية المنشودة وهي بعيدة المنال لا مفر من اعادة تعويم الطائفة السنية بشكل أو بآخر. نشوة ما يسمى انتصار حقوق المسيحيين سيكون لها تبعات كارثية. ليس سوريالياً ان تواجه نفس الإقصاء مع تبدل الظروف. العهد الحالي يؤسس لقدر دراماتيكي سيواجهه العهد المقبل .. إذا أقبَل.
البلاد قادمة على بروز اجنحة سنية متطرفة. داعش سياسية قد لا ترى في الشريك الشيعي سوى صراعها التاريخي معه. تدارك شيعي لهذا الانزلاق ضرورة استراتيجية لبقاء لبنان بنظامه وكيانه على حد سواء. هذا لا يلغي خطأين استراتيجيين ارتكبهما الحريري الأول باستقالته بُعَيد ١٧ تشرين ٢٠١٩ والثاني اعتذاره في تموز ٢٠٢١.
الرئيس عون آخر رئيس في لبنان الطائف. أي تسوية مرتقبة ستكون ميثاقية بامتياز إنما على حساب المسيحيين مرة جديدة. الميثاقية حبة ألماس في نظامنا لا يمكن لطرف ان يجرحها دون ان تجرحه. جراح ميثاقية على وشك ان تُفتَح في الآتي من الأيام.
ان المعلومات و الاراء و الافكار الواردة في هذا المقال تخص كاتبها وحده و تعبر عن وجهة نظره الخاصة دون غيره؛ ولا تعكس، باي شكل من الاشكال، موقف او توجهات او راي او وجهة نظر ناشر هذا الموقع او ادارة تحريره.
ان هذا الموقع و ادارة تحريره غير مسؤوليين عن الاخبار و المعلومات المنشورة عليه، و المنسوبة الى مصادرها بدقة من مواقع اخبارية او وكالات انباء.