نقلا عن المركزية –
كانت لافتة للانتباه اليوم الخطوة الاستباقية الوقائية التي أقدم عليها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون باتصاله بكل من وزير الداخلية محمد فهمي والمدير العام للدفاع المدني العميد ريمون خطار، طالبا منهما جهوزية كاملة لمواجهة اي حرائق يمكن ان تندلع بسبب موجة الحر التي تضرب البلاد. فهذا الاجراء “الرؤيوي” المرحّب به، يأتي فيما لبنان بأسره يحترق وشعبُه وقطاعاته كلّها تنهار وتئنّ وتعاني، وتتقلب في “الجهنم” التي كان الرئيس عون بنفسه، تحدث عنها منذ اشهر. فهل النظرة البعيدة المدى “بيئيا” لربّان السفينة المشلّعة، يُمكن ان تنسحب على الوضعين السياسي والمالي ايضا، لاخماد حرائق السجالات والمناكفات الشخصية والحزبية والفئوية، التي أكلت الاخضر واليابس وتكاد تحوّل لبنان رمادا وارضا محروقة؟ تطوراتُ الايام الماضية “حكوميا”، دلّت الى استحالة إطفائها، وتوحي مع الاسف، بأننا دخلنا نفقا مظلما طويلا لن نخرج منه قريبا، مع المأزق الذي يبدو الفريق الرئاسي وحليفه حزب الله، أدخلا نفسيهما ولبنان فيه، اثر اعلان الرئيس سعد الحريري اعتذاره عن عدم التشكيل.
مهمة مستحيلة؟: في الظاهر، يسيطر جمود ثقيل على الساحة السياسية الحكومية، حيث يحاول العهد وحلفاؤه هضم قرار الحريري للبدء في مسار البحث عن بديل منه. هذه المهمّة تبدو حتى الساعة شبه مستحيلة، في ظل رفض “سنّي” شبه تام للعب دور “الانتحاري” عبر ترؤّس حكومة، عارية سنيا، لن يدعمها لا بيت الوسط ولا دار الفتوى… وفيما الاتصالات انطلقت في الكواليس بين بعبدا وميرنا الشالوحي والضاحية وعين التينة العاتبة واكثر على الحريري، لمحاولة الاتفاق على اسم يتم تكليفه، تقول مصادر سياسية مطلعة ان ايا من رؤساء الحكومات السابقين ليس في وارد التعاون مع العهد او القبول بشروطه، فيما الذهاب نحو شخصية من 8 آذار كفيصل كرامي، خيار لا يريده الثنائي الشيعي لعدم استفزاز الشارع السني. وبينما سيحاول بري في قابل الايام انتزاع اسم من الحريري، تشير المصادر الى ان هذا المسعى سيفشل. وبالتالي وامام هذه المعطيات، من غير المستبعد الا يوجّه عون الدعوة الى الاستشارات النيابية قريبا، لا بعد عيد الاضحى ولا قبله، فالاتفاق على اسم ضروري في حسابات القصر. اما ما تردد عن احتمال طرح اسم نواف سلام، فغير دقيق، كون حزب الله لا يريده ويعتبره “اميركيّ” الهوى.
مؤتمر لخليل؟: ليس بعيدا، أفيد ان رئيس المجلس طلب من معاونه النائب علي حسن خليل عقد مؤتمر صحفي ظهر يوم غد الاحد لم يكشف النقاب عن الهدف منه، وما ينوي طرحه، ولكن وفقاً لما هو قائم، فهو سيتحدث عن مفاوضات تأليف الحكومة، والعوامل التي أدت إلى افشال مبادرة بري من قبل فريق بعبدا، فضلاً عن موقف حركة امل من كيفية السعي لتأليف حكومة جديدة. ولم يعرف ما اذا كان خليل سيتطرق إلى مسألة التحقيقات في انفجار المرفأ، بوصفه مدعى عليه، عندما كان وزيراً للمالية من قبل المحقق العدلي.
روسيا والتكليف: في الغضون، أعرب نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف خلال اتصال هاتفي مع الرئيس الحريري، عن أمله في إجراء مشاورات مبكرة بشأن تشكيل حكومة جديدة في لبنان. وأمل، في بيان نُشر على موقع وزارة الخارجية الروسية “في قيام رئيس البلاد ميشال عون بإجراء المشاورات التي ينص عليها الدستور مع ممثلي الكتل البرلمانية في المستقبل القريب لاتخاذ قرار بشأن رئيس وزراء جديد، وتشكيل حكومة مؤهلة تحظى بدعم جميع القوى السياسية والطائفية القيادية في الجمهورية اللبنانية”. كما أعربت الخارجية الروسية عن أسفها لعدم تمكن الحريري من الاتفاق مع رئيس لبنان على تشكيل الحكومة. وأشار الجانب الروسي بأسف إلى أنه في غضون 9 أشهر منذ تولي الحريري منصب رئيس مجلس الوزراء، لم يكن من الممكن التوصل إلى اتفاق مع رئيس الجمهورية بشأن تشكيل الحكومة التكنوقراطية الجديدة في البلاد. في الوقت نفسه، أكدت الخارجية الروسية استعدادها لمواصلة الاتصالات مع جميع ممثلي الدوائر الاجتماعية والسياسية المؤثرة في لبنان من أجل تعزيز العلاقات الودية والتعاون ذات المنفعة المتبادلة.
التيار: في المواقف، اسفت الهيئة السياسية في التيار الوطني الحُرّ اثر إجتماعها الدوري إلكترونياً برئاسة النائب جبران باسيل “لأن يكون الرئيس المكلّف التشكيل اختار الإعتذار بعد تسعة أشهر من تكليفه بدل الإقدام على تشكيل حكومة تواجه التحديات الضاغطة اقتصاديّاً وماليّاً على اللبنانيّين” داعية “جميع القوى والكتل البرلمانية الى التعاطي مع المرحلة بأعلى درجات المسؤوليّة لأنَّ الأخطار المتزايدة تهدّد وجود الدولة ومؤسّساتها وتنذر بفوضى كبيرة إذا لم تتشكّل بأسرع وقت حكومة قادرة على تنفيذ الإصلاحات الماليّة والنقديّة والاقتصاديّة وعلى بدء المفاوضات مع صندوق النَقد الدولي على أساس خطّة تحقّق تدريجيّاً التعافي المالي والنَقدي”. واضافت “في انتظار الحكومة الجديدة التي نأمل أن تتشكل سريعاً جداً، تقع على حكومة تصريف الأعمال مسؤوليّة إتخاذ كل الإجراءات المطلوبة لضَبط الأمن والحدود لمنع التهريب ومعالجة كافة الملفات المعيشية، حيث من واجبها أن تخرج من حال شبه الإستنكاف ومعالجة مشاكل الناس، وتقع على الحكومة أيضاً مسؤولية ترشيد الدَعم وبدء العمل بالبطاقة التمويليّة تنفيذاً للقانون الذي أقرّه مجلس النواب”. كما حمّلت الهيئة “مصرف لبنان في هذه المرحلة بالذات مسؤوليّة مضاعفة لضبط التفلّت الحاصل في سعر صرف الدولار الأميركي وهو قادر على ذلك من خلال تشغيل منصته الرسميّة بصورة جدّية لتتِمّ من خلالها حصراً كُلّ عمليات البيع والشراء وضمن دوام عمل رسمي، وإذا لم يفعل، تاركاً السوق تحت رحمة المُضاربات والألاعيب، فإنه يُعتبر شريكا في عملية إفقار اللبنانيين وتدهور العملة بعدما حصل من تهريب الأموال الى الخارج، من دون معالجة حتى الآن، ومن فقدان قيمة الودائع بنسبة غير مسبوقة وبقيت دفتريّاً في المصارف”.
عود على بدء؟: انهيار هيكل التشكيل تماما، يأتي فيما الازمات المعيشية على حالها وتتفاقم، حتى ان تلك التي تم “ترقيعها” في الايام الماضية، على صعيد ازمة الدواء والمحروقات، لم تصمد طويلا. فالخطة التي اعلن عنها وزير الصحة امس لم ترض مستوردي الدواء (سيتكبدون 50% خسائر) اي ان الصيدليات ستبقى عاجزة عن تأمينه للمواطنين وستبقي ابوابها موصدة. اما المازوت فشبه مفقود في السوق على السعر الرسمي ما اضطر كهرباء زحلة الى اعلان خطة تقنين، فيما يرفع اصحاب المولدات والافران، الصوت. البنزين بدوره سينفد خلال ايام قليلة مع عدم فتح مصرف لبنان اعتمادات جديدة للبواخر (لان المادة يتم تهريبها الى سوريا) وقد عادت الطوابير اليوم لتطول امام المحطات فيما عدد لا بأس به منها، لم يستقبل السيارات ورفع خراطيمه.
الاسد والاموال: وسط هذه الاجواء، استوقف موقفٌ للرئيس السوري المراقبين. ففيما التهريب شغّال من لبنان الى سوريا، وكسر ظهر البلد الصغير اقتصاديا وماليا، أعلن الرئيس السوري بشار الأسد أنّ العائق الأكبر أمام الاستثمار في البلاد يتمثل في الأموال السورية المجمدة في البنوك اللبنانية المتعثرة. وأضاف أن بعض التقديرات تشير إلى أن ما بين 40 مليار دولار و60 مليار من الأموال السورية مجمدة في لبنان. وأوضح في كلمة ألقاها بعد أداء اليمين الدستورية لفترة رئاسة رابعة أن سوريا ستواصل العمل من أجل التغلب على الصعوبات الناجمة عن العقوبات الغربية المفروضة عليها منذ اندلاع الصراع في البلاد.
الخارج قلق: بالعودة الى الداخل، فإن الواقع القاتم معيشيا الذي يفاقمه تحليق سعر صرف الدولار بلا سقف، اعاد الناس الى الشارع، في حركة احتجاجية لم تخل من العنف كما حصل في منطقة جبل محسن امس، والتي استعادت هدوءها اليوم. وبحسب مصادر مطّلعة فإن الخشية كبيرة دوليا من اهتزاز الامن في بيروت جراء الازمة السياسية – الاقتصادية الضاغطة. ومن هنا، فإن عواصم القرار، ستواصل جهودها واتصالاتها للاسراع في التكليف والتأليف، خوفا من السقوط في المحظور. وفي خانة مساعيها لتخفيف المعاناة وتفادي الانفجار الاجتماعي، يصب عقد باريس في 4 آب مؤتمرا لدعم الشعب اللبناني.
المرفأ قضيتنا: وعلى مسافة اسابيع من الانفجار الزلزال، رفعُ الحصانات لا يزال على ما يبدو بعيد المنال، فيما الطبقة السياسية تحاول الهروب من التحقيق امام القضاء العدلي، عبر الذهاب نحو تحقيق امام “مجلس محاكمة الرؤساء والوزراء”… وفيما تمييع الحقيقة سيفجّر غضبا كبيرا في الشارع، أكّد رئيس حزب “القوّات اللبنانيّة” سمير جعجع أن “قضية انفجار المرفأ قضيتنا بامتياز منذ عام تقريباً “. واشار خلال لقائه، في معراب وفداً من أهالي شهداء فوج إطفاء بيروت الذي استشهدوا في انفجار مرفأ بيروت، الى ان “التحقيق في هذه القضيّة متوقّف حالياً عند مسألة رفع الحصانات في مجلس النواب التي طلبها المحقق العدلي”، مستغرباً التأخير الحاصل في هذه المسألة، وسأل “لماذا حتى هذه اللحظة لم يتم تعيين جلسة للهيئة العامة لمجلس النواب من أجل البت في هذه الحصانات؟ لماذا هذا التأخير؟“. وشدّد على أن “قضيّة انفجار المرفأ لا تحتمل أبداً أي “خزعبلات” قانونيّة كالكلام عن الصلاحيّة وعدم وجود الصلاحيّة وهذه المادة وتلك، باعتبار أن جزء من سبب وصولنا إلى ما وصلنا إليه في انفجار المرفأ هو كل ما كان يحصل في السابق على شاكلة الذي نشهده اليوم حاصلاً في مجلس النواب من قبيل من لديه الصلاحيّة وليس لديه الصلاحيّة، حيث رمى قاض المسألة على قاض آخر والأخير رماها على هيئة القضايا إلى آخره من إدارة إلى أخرى حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه، وهنا طبعاً أنا أتناول فقط جانب من المشكلة المسبّبة فانا لست على علم بمجريات التحقيقات وما هي الجوانب الأخرى التي يتضمنها هذا الملف التي من المؤكد أنها موجودة“.
موجة جديدة: صحيا، الوضع لا يطمئن وارقام كورونا تدعو للقلق. فقد غرّد مدير عام مستشفى رفيق الحريري الجامعي فراس الأبيض عبر “تويتر”: لنكن صريحين، نحن دخلنا في موجة كورونا جديدة. إلى أي مدى ستسوء الامور يعتمد على معدل الاستشفاء، علمًا أنّ معدل نشر اللقاح المنخفض لدينا لا يبشر بالخير. علاوة على ذلك، المستشفيات الآن أقل استعدادًا من ذي قبل بسبب الازمات المتلاحقة، والناس في حالة منهكة ماديًا وجسديًا ونفسيًا. وسأل “كيف ستستجيب السلطات؟”، موضحاً أنّ “لا توجد استراتيجية واضحة. وتابع: حتى وقف التدفق اليومي لعشرات حالات الكورونا الإيجابية الداخلة عبر المطار لا يزال صعب المنال. بدون استراتيجية منسقة، سيتعين على المستشفيات والمرضى محاربة الوباء بمفردهم. وسأل: هل نحن قريبون من مناعة القطيع؟. وقال: ينتشر متحور دلتا حتى في مجتمعات أخرى ملقحة بشكل أفضل، كما أن حالات الاستشفاء هناك آخذة في الارتفاع، وقريباً ستتزايد الوفيات. إن السعي وراء مناعة القطيع من خلال العدوى الطبيعية يعني أن العديد من المرضى سيكونون أضحية من أجل الآخرين. ولفت إلى أنّ بعض الكوارث طبيعية، فيما البعض الآخر هي من صنع الإنسان. مع اقتراب الذكرى الأولى لانفجار مرفأ بيروت، واضح أن استجابتنا للوباء ليست أقل إهمالًا. بعد الآلاف من وفيات الكورونا، ها نحن ندخل موجة جديدة غير مستعدين. عيد بأي حال عدت يا عيد”.
ان المعلومات و الاراء و الافكار الواردة في هذا المقال تخص كاتبها وحده و تعبر عن وجهة نظره الخاصة دون غيره؛ ولا تعكس، باي شكل من الاشكال، موقف او توجهات او راي او وجهة نظر ناشر هذا الموقع او ادارة تحريره.
ان هذا الموقع و ادارة تحريره غير مسؤوليين عن الاخبار و المعلومات المنشورة عليه، و المنسوبة الى مصادرها بدقة من مواقع اخبارية او وكالات انباء.