نقلا عن المركزية –
بعد ان عارض المطالبَ الحكومية الفئويّة والمذهبية الطابَع، معتبرا في رسالة الفصح منذ ايام قليلة ان “حقوق الطوائف تتبخر أمام حقوق المواطنين في الأمن والغذاء والعمل”، ومطالبا بـ”حكومة إختصاصيين غير حزبيين لا يملك فيها اي فريق ثلثاً معطلاً تلبي طموحات اللبنانيين”، في موقف بدا من خلاله يرفع الغطاء عن شروط الفريق الرئاسي “الوزارية”، سُجّلت نقطة تباعد جديدة بين البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي وبعبدا، لا يمكن المرور عليها مرور الكرام… فبعد ان بدّى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عمليةَ التدقيق الجنائي على اي استحقاقات، مشيرا في كلمته الى اللبنانيين الاسبوع الماضي، الى ان “من دون هذا التدقيق لن تكون لا حكومة ولا حاجة للمبادرة الفرنسية”، واضعا اياها في اعلى سلّم الاولويات الرئاسية للمرحلة المقبلة، لم تُوافقه بكركي الرأي.
فقد قال الراعي في عظته امس “الفعل الإيجابي أن ألفوا حكومة للشعب من دون لف ودوران .ألفوا حكومة واخجلوا من المجتمعين العربي والدولي ومن الزوار العرب والأجانب. ألفوا حكومة وأريحوا ضمائركم. إن جدية طرح التدقيق الجنائي هي بشموليته المتوازية لا بانتقائيته المقصودة. وأصلا، لا تدقيق جنائيا قبل تأليف حكومة. حري بجميع المعنيين بموضوع الحكومة أن يكفوا عن هذا التعطيل من خلال اختلاق أعراف ميثاقية واجتهادات دستورية وصلاحيات مجازية وشروط عبثية، وكل ذلك لتغطية العقدة الأم وهي أن البعض قدم لبنان رهينة في الصراع الإقليمي-الدولي”.
في الموازاة، دعا مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان امس “المعرقلين ليقلعوا عن التعنت والتزوير وخرق الدستور”، مندداً بـ”الأيادي الخبيثة” التي تمتهن “الابتزاز السياسي والكيديات والحقد الدفين وبث السموم”.
الراعي ودريان اذا، كما معظم الاطراف السياسية المحلية، يَعتبرون ان “حصان” الحكومة يجب ان يوضع امام “عربة” التدقيق، لا العكس، فالاثنان مهمّان لكن من دون الاولى، ومن الناحية العمليّة العلميّة، لا يمكن ان يتحقّق الثاني.
على اي حال، تلفت مصادر سياسية معارضة عبر “المركزية” الى ان ليست القوى الداخلية فقط مَن تقول بهذه النظرية، بل المجتمع الدولي وهيئاتُه المعنيّة، ايضا. فأمس، لفت صندوق النقد الدولي على لسان، مدير قسم الشرق الأوسط وآسيا الوسطى جهاد أزعور لفرانس برس، الى ان “في غياب حكومة، من الصعب جدا علينا تقديم أي شيء للبنان غير المساعدة الفنية”. هو لم يقل “قوموا بالتدقيق الجنائي كي نساعدكم، بل أّلفوا حكومة”، ما يعني اذا ان التأليف يجب ان يحصل في المرتبة الاولى، ويأتي قبل التدقيق الجنائي على أهميّته…
امام هذه المعطيات، واذا أردنا تجاوز الاخذ والرد الحاصلين في الداخل حول “التدقيق”، لأن هذه “الضجة” قد تكون سياسيّة الابعاد والخلفيات، تعتبر المصادر، ان وفي ضوء ما يقوله بموضوعية وتقنيّة، أهلُ الاختصاص على الساحة الدولية، يبدو رفعُ لواء “التدقيق أولا”، غير بريء او غير مقنع.
وبحسب المصادر، العهد اذا استمرّ على اصراره هذا، فإنه سيُثبت ان الشعار الذي اعتمده اليوم، هدفه تغطية عرقلته المستمرة لعملية تأليف الحكومة، وتغليفها بغطاء جميل برّاق شعبوي، بينما يستخدمه في الواقع للضغط على الرئيس المكلّف سعد الحريري، و”إزعاجه”، علّه ييأس ويعيد التكليف الى اصحابه. وتزداد المصادر اقتناعا بهذه الفكرة، حين ترى ان الفريق الرئاسي يشدّد على التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان، ولا يأتي على ذكر الوزارات والادارات العامة والرسمية الاخرى التي كبّدت الخزينة اللبنانية خسائر بمئات ملايين الدولارات على مر العقود الماضية، وعلى رأسها وزارة الطاقة وملف الكهرباء وفضائحه.
فهل سيعيد القصر النظر في خارطة الطريق التي وضع، ويُعيد ترتيبَ اولوياته بعد الاجماع المحلي والمواقف الدولية التي يطلقها الدبلوماسيون وأصحابُ الاختصاص الاقتصادي والمالي، والتي تنادي “الحكومة قبل اي شيء آخر”؟ الحملة التي خيضت على الراعي امس واليوم، على وسائل التواصل الاجتماعي وفي الاعلام الممانع، والتغريدة التي كتبها الرئيس عون، لا توحي بذلك، وقد اعلن فيها “الفاسدون يخشون التدقيق الجنائي، أما الأبرياء فيفرحون به”.
ان المعلومات و الاراء و الافكار الواردة في هذا المقال تخص كاتبها وحده و تعبر عن وجهة نظره الخاصة دون غيره؛ ولا تعكس، باي شكل من الاشكال، موقف او توجهات او راي او وجهة نظر ناشر هذا الموقع او ادارة تحريره.
ان هذا الموقع و ادارة تحريره غير مسؤوليين عن الاخبار و المعلومات المنشورة عليه، و المنسوبة الى مصادرها بدقة من مواقع اخبارية او وكالات انباء.