النائب ميشال الضاهر سبَقَ الدولة. أمس قدمتْ لنا مؤسسته الجرعةَ الأولى من اللقاحِ الروسي سبوتنيك فايڤ. أيُّ شخصٍ يتحلّى بالمسؤوليةِ في لبنان باستطاعته، ولو بجهودٍ ومواردَ محدودةٍ أن يسبقَ الدولة. لبنان بمؤسساته يشبِهُ بقرةً هنديةً مقدسة. ضرعٌ لا يُحلَب ولحمٌ لا يُؤكَل. بقرةٌ تتحركُ ببطء وتُعبَد. ستموتُ ” موتة ” ربّها من دون أن يعرفَ أحدٌ كيفَ ومتى.
عودةٌ الى اللقاح. إبرَةُ أطفالٍ بالكاد تشعرُ بوخزها في الكتفِ الأيسرِ يتبعُها إستراحةُ ثلثِ ساعةٍ بالتمام تشرفُ على احتسابِها راهبةٌ ورعةٌ للتأكدِ من عدمِ ظهورِ عوارض جانبية. بعدها يمكنكَ تشميعُ الخيطِ والعودةُ مِن حيث أتَيت راضياً مرضيّاً.
هناكَ محلولٌ روسيٌ في جسمي. أوَّلُ شَيْءٍ مصنوعٍ في روسيا يدخلُ الى هذا العمق في مسامي عدا الڤودكا. تشعرُ فجأةً وكأن سان بطرسبرغ يوم كانت ستالنغراد تدافعُ عنك ضدَّ الوجهِ النازيِّ لِكورونا. الكرملين والكرسي البطريركي للرومِ الأرثوذكس يحميانكَ من الجائحة، ومن له حليفٌ مثل الدبِّ الروسي يشعرُ بفائضِ القوة. أولُّ تجربةٍ لي في الإستدارةِ شرقاً. كنا قد سمعنا دعواتٍ من هذا القبيل اعتبرنا أنها سورياليةً فَها نحنُ نعرّي طائعين مُختارين الكتفَ الأيسرَ بالرِّضا والتسليم ونستديرُ شرقاً مثلَ الشطار.
لدى تنقيبي عن معنى كلمة ” سبوتنيك ” بالروسية تبيَّنَ أنها تعني ” رفيق السفر ” وقد أُطلقَتْ على أقمارٍ صناعيةٍ ثلاثة أرسلها الإتحادُ السوفياتي الى مدارِ الأرض بين عامَي ١٩٥٧ و ١٩٦١ أي عندما كنا في لبنان ملهيين بثورةِ عبد الناصر وحلف بغداد. كانَ السوڤيات يراقبونَ الأرضَ من القمر فيما كانَ المكتبُ الثاني عندنا يراقبُ مغامرات السياسيين الغرامية من الشبابيك. لا أتعجبُ أننا لم نخرّجْ علماءَ ذرةٍ كلَّ هذه الفترة اللهمَ باستثناء إديسون الشرق عالمِ الكهرباء والإلكترونيات حسن كامل الصباح الذي اخترعَ الكهرباء على الطاقةِ الشمسية وتوفي جراءَ حادثِ مرورٍ .. أو هكذا قيل.
مستشفى زحلة الحكومي حيث تلقحتُ عبارة عن مدينةٍ في مدينة. فريقٌ متكاملٌ من مؤسسةِ الضاهر ينتظركَ على الباب. البعضُ ممن لا يزالونَ يمارسونَ العادةَ المنقرضةَ أي القراءةِ يسألكَ عن الوضع. تشعرُ فوراً أنك مزيجٌ من طه حسين ومحمد حسنين هيكل فيما أنتَ في الحقيقة حشرةٌ مثقفةٌ بالمقارنةِ معهما.
اللبنانيُّ من أطرفِ وأظرفِ مُواطِني العالم. ” شو الوضع ؟ ” سؤالٌ يشبِهُ زميلَه باللغةِ العاميةِ ” شو في ما في ؟ ” وهو سؤالٌ يتندرُ البعضُ أنه طُرِح يوماً على غوغل فأَعيَتهُ الإجابةُ عليه بالرغمِ من سِعَةِ معرفته.
ماذا يمكنكَ أن تقولَ على بابِ مركزِ تلقيحٍ عندما تسمعُ سؤالاً يُطرَحُ عليكَ بجديةٍ متناهية؟ ” الوضعُ كارثيٌ وليحمِ الله لبنان وعساهُ خير ” . عمومياتٌ تنقذكَ من الإجابةِ قبل أن تدخلَ الى إبرَتِك المرتجاة.
المهم. تشعرُ بعد الجرعةِ الأولى من سبوتنيك فايڤ أن أحدَهم أعطاكَ رشاش كلاشنيكوڤ إنما من دون ممشط. الجرعةُ الأولى كلاشنيكوڤ بلا رصاص لإخافةِ العدو. في الجرعةِ الثانيةِ تتزودُ بالممشطِ ويصيرُ بأمكانكَ قتلُ الڤيروس. حيثُ يُمنَعُ السلاحُ الروسيُّ للدولةِ يُسمَحُ لنا به نحنُ المطّعَمين بلقاحٍ تفوحُ منه روائحُ لينين وستالين ومالينكوف وخروتشوف وبريجنيڤ وأندروبوف وتشيرنينكو وغورباتشوف. تكادُ تغضُّ الطرفَ عن معاناةِ المعارض الكسي نافاليني في السجون الروسية. تكادُ تسامحُ بوتين على إخلاله بسلوكياتِ حقوق الإنسان وتبررُّ لنفسكَ هذا عندما تستذكرُ مشهدَ جورج فلويد يقولُ من حلاوةِ الروح تحتَ ركبةِ شرطيٍ أميركي : لا أستطيعُ التنفس. خواطر على هامش سبوتنيك لا أعلمُ اذا انتابت أحداً تلقَّحَ ب” بفايزر ” مع الشكر المكرر للنائب الذي ترك تكتل ” لبنان القوي ” ليلتحق بكتلة اللبناني الضعيف.
ان المعلومات و الاراء و الافكار الواردة في هذا المقال تخص كاتبها وحده و تعبر عن وجهة نظره الخاصة دون غيره؛ ولا تعكس، باي شكل من الاشكال، موقف او توجهات او راي او وجهة نظر ناشر هذا الموقع او ادارة تحريره.
ان هذا الموقع و ادارة تحريره غير مسؤوليين عن الاخبار و المعلومات المنشورة عليه، و المنسوبة الى مصادرها بدقة من مواقع اخبارية او وكالات انباء.