نقلا عن المكزية –
بِقَلَم روني ألفا
جريدة النهار الإثنين ١٥-٣- ٢٠٢١
لو أوكِلَ إلى شركةٍ أو شخصٍ مهمةَ إحصاءِ ما كُتِبَ في الإعلام مِن مقالاتٍ وتقارير حول كلمةِ قائد الجيش في الثامن المنصرم من آذار الحالي لتبيَّنَ للمتقصّي أمران تشوبُهما شُبُهات مستقبَحة. أولهما ربطُ مواقفِ قائد الجيش بتموضعه كمرشحٍ محتملٍ لرئاسة الجمهورية وثانيهما إدراجُ علاقته برئيس الجمهورية في خانةِ ” ميني ” تمرُّد و ” طَرَف ” عصيان.
في الأمر الأول بعدٌ إفتراضيٌ غير بريء ولا يتماهى أصلاً مع سيرة قائد جيشٍ مضى على تعيينه على رأس المؤسسة العسكرية أربعةٌ قاحِلاتٌ عَجَفَ خلالها الجندي نفسه حتى عن الوجباتِ الناشفة . كانت إستراتيجيةُ القائد وما زالت من خلال سلوكياته تحصين العَسكَر من مهالِكَ ثلاث: خنقُه بإحكام بحبلِ الموازناتِ المجحفة، تدجينُه بتعييناتٍ تفوح منها محاصصةٌ فاقعةٌ ومحاصرةُ سلطاتِ قائده ومجلسِه العسكري. عندما ينتفضُ قائدُ الجيش على هذه المَهالك تُسلَّطُ عليه شهوةُ الرئاسة تهمةً ركيكةً شكلاً ومضموناً.
من يستذكرُ خطابَ قائد الجيش في الأول من حزيران ٢٠١٩ من متحف فؤاد شهاب في جونية يدرك تماماً أن سقف الكلام موازٍ لما قيل في ٨ آذار ٢٠٢١ في اليرزة. ما لم يفطن له المحللون المغرضون هو فتحُ معركةِ رئاسةِ الجمهورية قبل أوانها بكثير على خلفيةِ الحملات الحزبيةِ المُعارضةِ لإسقاطِ رئيس الجمهورية.
خطابُ قائد الجيش لم يتغير. ما تغيّرَ هو إقحامُ إسمه عنوةً في البازار الرئاسي. من هذا المنظار الموضوعي لا يمكن إعتبار كلامه الأخير بيانَ ترشيح استباقي لرئاسة الجمهورية. إنه جرس إنذار قابله الصمّانُ من أهل البلوَةِ باللامبالاة.
أما مسألةُ تهمَتَي العصيان والتمرد فمسألة أخرى. دكُّ الأسافين باعتماد الوشاية والنميمةِ في السياسة اللبنانية تكاد تكون ثقافة لا يضاهي أربابها أحد. تمرّسَ السياسيون في لبنان بالإغتيال المعنوي وباستثمار القلاقل في لعبة السطو على المناصب والكراسي. في هذه اللعبة تموت الأخلاقيات وتُنحَرُ المبادئ.
ضربُ علاقة قائد الجيش برئيس الجمهورية لم يكن يوماً أسهل على المخرِّب مما هو عليه هذه الأيام. الذُّعرُ من تغزُّلِ الحراك الشعبي بالجيش. التوجسُ من احتضان الناس له. الخشيَةُ المفرطةُ من تهافتِ المنظومة فيما تتعاظمُ سمعةُ المؤسسة العسكرية لدى المجتمع الدولي. حوافز كافية لدى أي عقل تخريبي لحرق ورقة قائد الجيش كمرشح طبيعي لرئاسة الجمهورية.
المعادلةُ بالنسبة لهؤلاء المُصطادين بمياهٍ آسِنة واضحة. ضربُ أواصرِ الثقة بين رئيس الجمهورية وقائد الجيش سيجرّدُ هذا الأخير وفقَ الخطة التخريبيةِ من بيئةٍ حاضنةٍ وطنيّةٍ عموماً ومسيحيةٍ على وجه الخصوص وسيفقده فرصةَ تجييرهما واستقطابهما. كلما نجحت الخطة في تظهيرِ صورة التمرد كلما تهاوت فرصُ الرئاسةِ لمرشحٍ تمَّ ترشيحُه غصباً عنه لحرقِه.
بعضُ الذبابِ الإلكتروني يعملُ على تثبيتِ هذه الصورة- المسخ وبعضُ الإعلام يشكّلُ رافعةً بالإتجاه نفسه. شيءٌ من السوريالية الممزوجة بحِسّ الخرافة في هذه المعادلةِ غير المسبوقةِ إلا في لبنان: إخلقْ مرشحاً لم يترشّحْ ثمّ اقصفهُ بالسلاح الثقيل. بعبارةٍ أخرى: ” شَحتِر ” صورة فيها لمعان لتلمِّع أخرى فيها شحتار.
في علمِ السياسة تُبنَى خِطَطُ الإغتيالِ المعنوي على تدميرِ الهدفِ نفسياً وإفقادِه ثقتَه بنفسه وعلى إضعافِ الصورةِ التي يكوّنُها الرأي العام عنه كما على القضاءِ على كل إمكانية لتشكُّلِ نواةٍ متعاطفةٍ معه وبالأخص عندَ الشريحةِ المترددةِ من الشعب.
الأطرافُ المأزومةُ تدرسُ أولاً مدى مأزوميتِها ثمَّ سلسلةَ إخفاقاتِها وتحددُ بعدها مستوى الضرر المطلوب إحداثُه لدى الخصم وتتصرّف.
مع الجيش لا يبدو أن الإغتيالَ المعنوي سهلٌ خصوصاً عندما تقترفُ أنتَ ازدواجيةَ الموقف. لا يمكنُ أن تمدحَ مؤسسةً تصرُّ في مواقفِكَ المعلنةِ انها حاميةٌ للسلمِ الأهلي والوحدةِ الوطنية ثم تُعِدُّ الأسلحةَ اللازمةَ لاغتيالها. تَكُونُ عندذاك على ما جاء على لسان ونستون تشرشل يوماً كمن يركب على ظهر نمرٍ يقودُه بالضرب، لا تستطيعُ أن تترجَّلَ عنه أبداً لئلا يفترسك.
ان المعلومات و الاراء و الافكار الواردة في هذا المقال تخص كاتبها وحده و تعبر عن وجهة نظره الخاصة دون غيره؛ ولا تعكس، باي شكل من الاشكال، موقف او توجهات او راي او وجهة نظر ناشر هذا الموقع او ادارة تحريره.
ان هذا الموقع و ادارة تحريره غير مسؤوليين عن الاخبار و المعلومات المنشورة عليه، و المنسوبة الى مصادرها بدقة من مواقع اخبارية او وكالات انباء.