نقلا عن موقع النهار
أكتب اليوم رسالة اعتذار مسبقة، لابنتي التي لم تولد، ولابني الذي لن يولد أيضاً.
أعتذر منكِ ومنكَ، أعتذر حتماً من أمومتي، فأنا مذنبة في كلّ الحالات.
مذنبة اذا إستسلمتْ جوارحي لها، ومذنبة إذا قاومت مشاعرها، ولكن جلد الذات أنبل من تضحية بروح بريئة لا ناقة لها ولا جمل، في العيش على أرض محكومة بالموت لحظة ولادتها.
أعتذر منكِ ومن أخيكِ الذي لن يعرفكِ ولن تعرفيه، لأنّني خوفاً عليكِ وعليه، لن أستسلمَ لأمومتي.
فالعيش في وطننا يا صغيرتي، لا يليق بكِ ولا بأبناء جيلكِ وجيلنا.
ولكن جيلنا نحن، كان ضحية قصص حب، أو إجراءات عائلية، أو ضغوط اجتماعية، ورفَدَنا ذنبها من اللامكان واللازمان الى أرض اللاوطن واللإنسان في بقعة اسمها لبنان.
ُ
وقفزنا في مسالك حيواتنا بين موتٍ وموت، بين حروب الثمانينات بين زعماء اليوم، والحروب الإسرائيلية في نيسان وتموز، والحروب الاقتصادية مع كل دين، والحروب الثقافية بين الأعراق والأديان، والحروب الوبائية مسبوقة بالغذاء الملوّث.
واليوم نعيش حرباً أخطر من كل سابقاتها، إنّها حرب الأخلاق!
الأخلاق يا صغيرتي، هي أساس كل نظام ومجتمع ودولة، في المنزل، في المدرسة أو الجامعة، وفي تمثيل الشعب في القرارات السياسية المتعلّقة بمؤسسات الدولة كافّة. وكلما تطوّر النظام الأخلاقي بشكل تصاعديّ مع تطوّر المجتمع والمجتمعات، كلّما كان التطوّر حقيقياً ومستداماً.
لو أنجبتكِ يا طفلتي، لكنت قرأتُ لكِ أفلاطون، وضحكنا معاً على أنفسنا أمام هذا الفيلسوف الذي عاش بحدٍّ أدنى من التكنولوجيا مقارنةً بنا، وحكمته سبقتنا بقرون وسنين ضوئية. ولكني يا حبيتي قررتُ ألا احمِّلكِ ذنب أمومتي وأعاقبها هي بقمعِها خوفاً عليكِ وعلى أخيكِ الذي لن يولد أيضاً.
تذكري يا حلوتي ثلاثية تطوّر المجتمع: الصحة والأخلاق والحكم الرشيد، أي أن يكون المجتمع قادراً على تأمين الرعاية الصحية السليمة والعادلة، وأن يكون قائماً على الأخلاق التي سبقت الأديان، وليس فتاوي الأخيرة، لأنّ الإعلان العالميّ لحقوق الانسان ينصّ على حق الفرد في اعتناق أي دين أو عدمه، فالأخلاق تتطوّر، فيما الأديان تتأخّر عن ذلك لتعوق الطريق أمام تطوير القوانين وسنّ تشريعات جديدة.
لن أدخل في الحديث عن الأديان وأفرعتها المؤسساتية واقتصادها المرتبط بسياسات وولاءات إقليمية وعالمية. ربما أحدثك عن ذلك حين تكبرين، ولكني لن أنجبكِ لتدركين.
وأخيراً، الحكم الرشيد وهو العجلة الرئيسية في هذا الموكب، ولكنّه اليوم بات العلّة عندنا مع تقهقر الصحة والاخلاق والقوانين خلفه، هو حتما حكمٌ، لكنّه ليس رشيداً بالتأكيد.
لن أفتح عيونكِ في وطنٍ مسلوبٍ ، ولذا لن أجعل عيونك ترى جهنّم التي وعدنا بها “الحكم الرشيد وحكم الإصلاح والتغيير”. فأنت أميرةٌ في مخيّلتي، تجوبين العالم من دون جواز سفر، تنتقين جامعتك في قارات بعيدة وتديرين مؤسستك من على كنبة مريحة وبيت دافىء، لا ينقطع عنه النور والدفء والأكل والماء، وتختارين من شئت للمصاحبة والمساكنة أو الزواج، وأيضاً سيكون لك الحق وكلّ الحق في الطلاق والهجران والحضانة، وتختارين ما شئت من قيم وافكار وآراء، كما الأزياء من دون أن يحكم عليك بالفجور أو الشذوذ.
ستكونين يا طفلتي التي لم ألدْ ولن ألدَ، في بلدٍ لا يعاملك مثل لاجىءٍ من أرضٍ منكوبةٍ نهبها حكامها، ونبذوا شعبهم إلى أن نبذتهم شعوب العالم.
ستكونين في بلدٍ جديد يكون لكِ الوطن. وسيكون أخوك في وطنٍ يحضنه. فقط في مخيلتي.
ان المعلومات و الاراء و الافكار الواردة في هذا المقال تخص كاتبها وحده و تعبر عن وجهة نظره الخاصة دون غيره؛ ولا تعكس، باي شكل من الاشكال، موقف او توجهات او راي او وجهة نظر ناشر هذا الموقع او ادارة تحريره.
ان هذا الموقع و ادارة تحريره غير مسؤوليين عن الاخبار و المعلومات المنشورة عليه، و المنسوبة الى مصادرها بدقة من مواقع اخبارية او وكالات انباء.