نقلا عن المركزية-
لم يعد ثمّة مكان في الخارج يمكن للبنان أن يستورد منه مخرجاً أو حلّا أو دعماً له للنهوض من أزمته.
هذه الصورة، وعلى ما تخشى مستويات سياسية مسؤولة، مرشحة الى مزيد من السوداوية، وخصوصاً أنّ الخطوط الديبلوماسيّة العربيّة والدوليّة والأمميّة المفتوحة مع لبنان، تعكس انكفاءً كاملاً عن هذا البلد في هذه المرحلة، وانّ ما ينقله السفراء والديبلوماسيّون، بات يعبّر بصراحة ووضوح عن يأس من تقديم النصح لطبقة الحكام، وحضّهم على انتهاج خرائط الطرق التي حدّدها المجتمع الدولي والمؤسسات المالية الدولية، كممرّات إلزاميّة لا بدّ من سلوكها لوضع لبنان على سكة الخروج من أزمته الصعبة.
وفي هذا السياق، علمت “الجمهورية”، أنّ لقاء عُقد قبل أيام قليلة لدى احد كبار المصرفيين، حضره سفير دولة اوروبية معنية بالشأن اللبناني، وعدد محدود من الشخصيّات السياسية ورجال المال والاقتصاد.
وبحسب المعلومات، فإنّ التقييم العام للوضع في لبنان، أدرجه في خانة الميؤوس منه، وانّ علاجه يتطلب سنوات عديدة إن تشكّلت اليوم، حكومة توحي بالثقة وتطبّق برنامج اصلاحات جذرياً وجدّياً، ولكن مع تعذّر الوصول الى مثل هذه الحكومة، فسيبقى لبنان في الدوامة ذاتها.
على أن ما لفت الانتباه في هذا اللقاء، هو انّ سفير الدولة الاوروبية كان حاداً في مقاربته للوضع اللبناني، وانتقد بشدة الطاقم السياسي، والقى بمسؤولية تعطيل الحكومة على الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري، ولم يستثن “حزب الله”، الذي عبّر السفير عن خشيته من دور يلعبه في هذا التعطيل.
ولخّص مشاركون في اللقاء لـ”الجمهورية”، الملاحظات التي ابداها السفير الاوروبي كما يلي:
– انّ العالم امام خريطة جديدة، والمنطقة تتشكّل من جديد، واما انتم في لبنان لم تقدروا على تشكيل حكومة، بل تُغرقون انفسكم في السطحيات التي تضرّ ببلدكم. عليكم ان تدركوا أنّ الحكومة لن تُعطى لكم، الحكومة انتم تمنحونها لنفسكم، وقد رسمت المبادرة الفرنسية خريطة الطريق الى هذه الحكومة الإنقاذية.
– مشكلتكم في لبنان انكم وفّرتم كل مقوّمات السقوط لبلدكم، ورفضتم كل يد مُدّت اليكم، وعندما قيل لكم انّ بلدكم يغرق لم تعبأوا، بل واظبتم على تعطيل انفسكم، وفي الوقت نفسه واظبتم على طلب المساعدة من الدول الصديقة.
– المجتمع الدولي نظر الى لبنان قبل انفجار مرفأ بيروت كحالة ميؤوس منها في الاستجابة الى اصلاحات تخرجه من مأزقه، وبعد انفجار المرفأ فتح المجتمع الدولي عيونه تجاهكم، وقال لكم ساعدوا انفسكم لنساعدكم، لكنكم واظبتم على الانكار وعدم الاعتراف بالواقع المرير الذي بلغه لبنان، وما زلتم تُغرقون السفينة اللبنانية عمداً.
– لقد قدّم المجتمع الدولي اقصى ما لديه تجاه لبنان، وهو الآن ينتظر ما ستقدّمونه انتم تجاه بلدكم.
– انّ ربط تأليف الحكومة في لبنان بالانتقال ما بين ادارتين اميركيتين (في 20 كانون الثاني الجاري)، هو خطوة تنمّ عن قراءة غير واقعية للمشهد اللبناني وكذلك المشهد الاميركي، فلا نعتقد انّ ثمة رابطاً بين الأمرين، ولا نتوقع اية متغيّرات قد يشهدها لبنان بعد 20 كانون الثاني. يُضاف الى ذلك انّ احداث 6 كانون الثاني قد فرضت اولويات جديدة امام الادارة الاميركية الجديدة، عنوانها اعادة توحيد الشعب الاميركي بعد الانقسام الذي اظهرته الانتخابات الرئاسية، وهذا قد يتطلب سنوات، وربما يستغرق طيلة ولاية جو بايدن.
لا حماسة خليجية: في السياق نفسه، نقل عائدون من دولة خليجية كبرى اجواء غير مشجعة تجاه مستقبل الوضع في لبنان، حيث عكس هؤلاء استياء بالغاً من اصرار بعض الاطراف في لبنان على المنحى العدائي ضدّ كل الدول الصديقة والشقيقة للبنان، وفي مقدمها دول الخليج، التي لطالما كانت الى جانب لبنان وقدّمت اليه الدعم في الاوقات الصعبة.
واكّد هؤلاء، أنّ هذا المنحى لا يخدم لبنان على الاطلاق، بل يجعله رهينة لغايات من يريد أن يغيّر هويّة لبنان، ويُخرجه من موقعه الطبيعي بين اشقائه العرب، ويُدخله في الفلك الايراني، وتبعاً لذلك، فإنّه مع استمرار هذا المنحى من غير الطبيعي أن يعوّل على دور خليجي مساعد للبنان في ظل هذا الوضع، وخلاصة الامر أنّ احداً من العرب، ودول الخليج بالتحديد، لن يفتح خزائنه لمساعدة لبنان.
واللافت في ما نقله العائدون من الدولة الخليجية الكبرى، تأكيدهم على انّ وضع لبنان لن ينحو في اتجاه الإنفراج، طالما أنّه رهينة في يد “حزب الله” وسياساته التي تخدم ايران. ومن هنا، فإنّهم يقاربون ملف تأليف الحكومة بحذر بالغ، من زاوية سيطرة “حزب الله” عليها، وكذلك من زاوية عدم السماح لها في تنفيذ برنامج الإصلاحات التي يطلبها المجتمع الدولي، وفي خلاصة الامر، لن نبادر الى مساعدة حكومة “حزب الله”.
اي ثمن؟: وسط هذا الانسداد، يحضر السؤال التالي: ما هو الثمن الذي يجب ان يدفعه لبنان لكي تتشكّل الحكومة، ومن سيدفع الثمن؟
ما تجمع عليه القراءات السياسية، وكذلك آراء الخبراء في الإقتصاد والمال، فإنّ لبنان اصبح في وضع يعجز فيه عن دفع أي ثمن، الى حدّ أنّ رصيده قد نفد بالكامل، بالتالي فإنّ إنكفاء العالم عنه، هو النتيجة الطبيعيّة لانكفاء طبقة الحكام عن واجب تسييل النصائح الدوليّة على النحو الذي ينقل الأزمة الداخليّة إلى مدار الحلول. ما يعني أنّ لبنان في ظلّ هذا الإنكفاء قد أصبح وحده في ازمته، وانّ عليه وحده ان يحدّد طريق خلاصه، وهو أمر يبدو مستحيلاً في ظلّ العقلية الحاكمة التي تعيش الإنكار الكلّي للأزمة، وحدّدت أولويّتها بالصراع على حلبة الشعبويّة، سعياً الى تحقيق ما تفترضها مكاسب وأرباحاً، تعزيزاً لمصالحها على حساب لبنان واللبنانيّين. ولبنان في ظل هذا الوضع المعقّد مقبل على ايام حرجة وقاسية في شتى المجالات.
ان المعلومات و الاراء و الافكار الواردة في هذا المقال تخص كاتبها وحده و تعبر عن وجهة نظره الخاصة دون غيره؛ ولا تعكس، باي شكل من الاشكال، موقف او توجهات او راي او وجهة نظر ناشر هذا الموقع او ادارة تحريره.
ان هذا الموقع و ادارة تحريره غير مسؤوليين عن الاخبار و المعلومات المنشورة عليه، و المنسوبة الى مصادرها بدقة من مواقع اخبارية او وكالات انباء.