من حزب الله إلى الولايات المتحدة الأميركية.. الشبكات المتنوّعة لعبّاس إبراهيم
نقلا عن المركزية –
نشرت مجلة “مراقب جاينز للارهاب وحركات التمرّد” Jane’s Terrorism and Insurgency Monitor في 18 كانون الاول 2020 تقريراً عن المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم اعده ميتش بورتيرو وكايت كوكس، تناول الدور الذي يضطلع به اللواء ابراهيم محليا واقليميا ودوليا، وشبكة ادواره في اكثر من ملف مرتبطة بالامن والديبلوماسية، اضف نظرة الغرب اليه وتقييم مهماته ومكانته في النظام اللبناني كعنصر امان، الى مسؤولياته المختلفة في مكافحة الارهاب واطلاق موقوفين وخبرته في التفاوض مع الدول.
هنا ما تضمنه التقرير مترجما:
النقاط الرئيسية:
* يتمتع عباس ابراهيم المدير العام للامن العام اللبناني بقدرة الوصول الى مروحة واسعة من الجهات الفاعلة، من ضمنهم اوروبيون ومسؤولون رسميون في السياسة الاميركية فضلا عن خصوم الولايات المتحدة الاميركية مثل ايران وسوريا و”حزب الله” في لبنان.
* يلعب ابراهيم دورا رئيسيا في الحفاظ على الاستقرار الوطني والديبلوماسية الدولية ما ادى الى احجام الحكومات الغربية عن فرض عقوبات عليه بسبب صلاته بـ”حزب الله”.
* التطورات السياسية القائمة – بما في ذلك التزام الولايات المتحدة الاميركية استئناف الاتفاق النووي الايراني في ظل ادارة بايدن – ستعزز قيمة ابراهيم في نظر المجتمع الدولي.
شبكات ابراهيم
يتربّع اللواء عباس ابراهيم المدير العام للامن العام في لبنان في دائرة هي عبارة عن حلقة وصل غير مألوفة، تجعله على تماس سياسي مع المسؤولين السياسيين الاوروبيين والاميركيين، بالاضافة الى خصوم الولايات المتحدة الإقليميين: ايران وسوريا و”حزب الله” في داخل لبنان. عززت استقلاليته السياسية وعقده الصفقات الاقليمية التي تحظى باحترام واسع مكانته كاحدى الشخصيات الرسمية الاكثر نفوذا في لبنان.
يشرف اللواء ابراهيم بصفته مديرا عاما للامن العام على ادارة حدود لبنان ووثائق الهوية للاجانب واللبنانيين. منذ توليه منصبه في العام 2011، وسّع ابراهيم النفوذ الديبلوماسي والاستخباراتي والامني لهذا المنصب، وهو يشارك روتينيا في الاستحقاقات الدولية الرفيعة المستوى. في تشرين الاول الماضي – على سبيل المثال – التقى بمستشار الامن القومي الاميركي روبرت اوبراين وسواه من مسؤولين اميركيين رفيعي المستوى في واشنطن.
يتقاطع تأثير ابراهيم مع نفوذ شخصيات قوية في لبنان، بمن فيهم قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون. في بلد يتسم بالتقلبات السياسية والانهيار الاقتصادي، يعمل ابراهيم ايضا كواحد من صلات الوصل الفعالة الوحيدة للحكومة اللبنانية مع الحكومات الوطنية الاخرى.
“يحافظ على وحدة الموقع. لذا ليس من احد مستعجل ضربه بالعقوبات بسبب بعض الاتصالات مع “حزب الله”. تجنب العقوبات ليس ذا مغزى فحسب، بل انه وبكل صراحة مفيد جدا للسياسة الخارجية الاميركية”، يقول مسؤول امني اميركي عمل في ادارة باراك اوباما، وطلب عدم ذكر اسمه نظرا الى دور عتيد سيلعبه في ادارة الرئيس المنتخب جو بايدن.
وكان المسؤول السابق يشير الى مشروع قانون في الكونغرس الاميركي لفرض عقوبات على مسؤولين لبنانيين يعملون في حكومة يشارك فيها “حزب الله”.
ابراهيم، وهو مسلم شيعي من جنوب لبنان، يعتبر مقربا من رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي ينظر اليه على انه قناة اتصال راسخة بين الغرب وقيادة “حزب الله”. “هو ساهم على نحو اساسي في تشكيل الحكومة الحالية مع برّي. كانا يتنقلان بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف حاليا سعد الحريري و”حزب الله” وبقية الافرقاء”، قال محلل سياسي لبناني طلب عدم ذكر اسمه.
“قدّم عباس ابراهيم وعودا امنية لكل فريق” بحسب المحلل المذكور على غرار ان حزب الله لن يستهدف رجال الحريري، والحكومة لن تقوم بإزاحة اشخاص لا يثق بهم حزب الله في المراكز الامنية. كان عليهم فعل ذلك في ظل كل حكومة”.
قال ستة خبراء ومسؤولون سابقون استشارتهم “جاينز” في هذا التحليل بأن فرض اي عقوبات على ابراهيم سيكون امرا غير حكيم. امتداد شبكاته وتأثيره على الاستقرار يعنيان بأن الحكومات الغربية قد استفادت من مقاربة اكثر تعاونا معه.
“هل لديك مواطن مفقود في سوريا وتريد ان تسأل النظام عنه؟ تكلّم معه” قال مسؤول استخباري اوروبي ربطته علاقات وثيقة بابراهيم لعقد من الزمن.
“هل تحتاج الى نقل كيس من النقود الى سوريا لدفعها لأحد قام بخطف مواطنك؟ (وهذا يتوقف على مكان وجوده في سوريا)، عليك الاتصال به؟ هل لدى حزب الله مجموعة من عناصره مفقودون في خارج حلب ويريد من الاتراك العثور عليهم؟ انهم يتصلون بعبّاس”. اضاف المسؤول الرسمي: “الاشخاص الوحيدون الذين لا يتصلون به هم الاسرائيليون وربما ينبغي عليهم القيام بذلك”.
الخلفيّة العسكرية
قبل توليه منصب مدير الامن العام في العام 2011، تدرّج ابراهيم قدما في رتب الجيش اللبناني حيث خدم في عمليات مكافحة الارهاب والاستخبارات ووسّع تأثيره الدولي مع مرور الوقت.
“كان احد رجال بري، لكنه ترعرع في الحرب الاهلية في صفوف الجيش وفي مكافحة الارهاب وبقي دوما وفيا للجيش”. يقول جنرال متقاعد وصديق مقرّب من ابراهيم. انخرط في صفوف الجيش اللبناني في العام 1980، وبحلول اواسط الثمانينات تولى سلسلة من عمليات مكافحة الارهاب.
بعد ان تولى قيادة الاشراف على التفاصيل الامنية التي كانت تحمي مندوبي جامعة الدول العربية خلال زيارة قاموا بها الى بيروت في العام 1987، قاد ابراهيم التفاصيل الامنية لعدد من المسؤولين اللبنانيين النافذين من ضمنهم الرئيس الياس هراوي ورئيس الوزراء رفيق الحريري. بعد انتهاء الحرب الاهلية، تابع تدريبات في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
“في نهاية الحرب الاهلية كان ابراهيم ضابطا شابا ونجما” قال الجنرال اللبناني المتقاعد.
“كان شيعيا وبقي مواليا للدولة والجيش ومنفتحا على الديبلوماسيين والسياسيين. تعلم الانجليزية بشكل ممتاز، وخلال تلك الحقبة اراد الجميع مساعدة لبنان، وكان للضباط ذوي العلاقات النافذة فرصا جيدة للدراسة في الولايات المتحدة الاميركية واوروبا”.
في ظل الاحتلال السوري (1976-2005)، تمّت ترقية ابراهيم في صفوف وحدات مكافحة الإرهاب والاستخبارات التابعة للجيش اللبناني، والتي غالبا ما كانت تنفّذ عمليات صغيرة لم تحظ باهتمام خارج لبنان.
طرابلس والبقاع وصيدا… طالما كانت هناك عمليات دائمة ضد محازبين اسلاميين وعدد من الميليشيات التي لم تنزع سلاحها بعد الحرب الاهلية. اصيب ابراهيم مرتين في هذه العمليات. “هو رجل قوي الشكيمة وذو بأس” كما يقول الجنرال المتقاعد.
“هو ساعد ايضا في اجلاء معسكر حزب العمال الكردستاني (بارتييا كركرين كردستان) من البقاع ما منحه خبرة في التفاوض بين السوريين والاتراك.
بعد اغتيال الحريري في العام 2005، تولى ابراهيم اقوى دور قد يمنح الى مسلم شيعي في الجيش اللبناني الذي يهيمن عليه المسيحيون: رئيس المخابرات العسكرية لجنوب لبنان. كان المكتب المختص يقع في قاعدة عسكرية على بعد بضع مئات من الامتار من عين الحلوة. وهو مخيم للاجئين الفلسطينيين في لبنان معروف بمستويات العنف المرتفعة، وكان مسؤولا عن توفير الحماية لمخيمات اللاجئين والسيطرة على الحدود مع اسرائيل والاضطلاع بالاتصال العسكري وبالتنسيق مع قوات الامم المتحدة الموقتة العاملة في جنوب لبنان (اليونيفيل) ومع “حزب الله”.
“يتحكم هذا المكتب في الوصول الى جنوب لبنان والى المخيمات الفلسطينية، ويترتب عليه التنسيق بين “اليونيفيل” و”حزب الله”. يقول الجنرال: “عيّن ابراهيم في هذا المركز لأنه كان ذا موهبة ويحظى باحترام كبير، نعم، ولكن ايضا لأن حزب الله قرر انه يمكنه الوثوق به”.
ادى تعزيز دور قوات “اليونيفيل” بعد حرب العام 2006 مع اسرائيل الى المزيد من ارتقاء ابراهيم، وفق مسؤول المخابرات الاوروبية، وهذا ما دفع به ايضا التحقيق الدولي في اغتيال الحريري.
“التقيت به اولاً وهو يتصدى لعمليات انتشار “اليونيفيل”، وكان حادا للغاية وجديرا للغاية ودقيقا”، يقول المسؤول الاوروبي: “بدأ ضباط حلف شمال الاطلسي وسفاراته يلاحظونه كشخص جاد يمكنهم التعامل معه، واستمر ذلك مع تقدّم التحقيق في قضية الحريري”.
“انا احبه كثيرا” يقول محقق في المحكمة الخاصة بلبنان: “انه رجل عنيد لكنه حاد الذكاء، ولقد كان يتعامل معنا دوما بصدق. ومن الواضح بأن المسؤول الامني في “حزب الله” وفيق صفا كان يمنحه الثقة للعب دور مستقيم في قضية الحريري”.
الآفاق المستقبلية
تستمر قيمة ابراهيم باكتساب اهمية بالنسبة الى المجتمع الدولي في ضوء التطورات الجيوسياسية المتواصلة. التزمت ادارة بايدن القادمة الديبلوماسية المتعددة الطرف واستئناف الاتفاق النووي الايراني. يواجه كل من لبنان وسوريا انهيارا اقتصاديا وشيكا، بينما تواصل إسرائيل مهاجمة “حزب الله” والمواقع والمسؤولين الايرانيين في انحاء المنطقة كلها. كل ذلك يجعل من ابراهيم شخصية لا يمكن الاستغناء عنها بالنسبة الى المجتمع الدولي.
في الوقت نفسه، هناك احتمال قوي بأن يتسامح ابراهيم مع حملات القمع العنيفة ضد المتظاهرين المناهضين للحكومة في لبنان. يمتلك خطا سلطويا، وقد اظهر استعدادا لترحيل المعارضين السوريين، ويعرف بأن سلطته تعتمد جزئيا على قبول “حزب الله”.
“انه يرى نفسه حاميا للدولة او ما تبقى منها” وفق مسؤول المخابرات الاوروبي.
“لا اعتقد انه سيعمد الى القيام بأي نوع من الانقلاب. فهو لا يستطيع ادارة البلد رسميا باعتباره شيعيا على اي حال. لكن لديّ سبب مباشر للاعتقاد بأنه يعتقد بأن تدمير النظام الطائفي في هذا الوقت سينهي لبنان. سوف يدعم النظام القائم بالطبع”.
على الرغم من بعض الميول المتسلطة، يتمتع ابراهيم بما يكفي من المهارة كمؤثر فاعل لإبعاد نفسه عن العنف السياسي وللحفاظ على علاقاته الديبلوماسية مع الغرب.
ان المعلومات و الاراء و الافكار الواردة في هذا المقال تخص كاتبها وحده و تعبر عن وجهة نظره الخاصة دون غيره؛ ولا تعكس، باي شكل من الاشكال، موقف او توجهات او راي او وجهة نظر ناشر هذا الموقع او ادارة تحريره.
ان هذا الموقع و ادارة تحريره غير مسؤوليين عن الاخبار و المعلومات المنشورة عليه، و المنسوبة الى مصادرها بدقة من مواقع اخبارية او وكالات انباء.