نقلا عن المركزية –
أسئلة كثيرة ترافق حركة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ومواقفه في الآونة الاخيرة، ولا سيما بعدما كُشف النقاب عن وثيقة يجري تحضيرها في بكركي، ويشارك في إعدادها ممثلون عن الاحزاب والتيارات والكتل المسيحية والمستقلين. عدم الكشف عن مضمون الوثيقة واعتصام المشاركين في إعدادها بالصمت رفع وتيرة الاسئلة حول ما يمكن ان تحمله من مقترحات أو توجهات تعتزم بكركي تبنّيها وقيادة المجتمع المسيحي نحو تطبيقها. ومردّ الاسئلة انها تأتي في وقت ترتفع الأصوات المنادية باعادة النظر بالنظام السياسي في البلاد، فيما خرج صوت رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل اخيراً داعياً البطريرك إلى حوار للقيادات المسيحية، يقابل الدعوة الدائمة لرئيس مجلس النواب نبيه بري الى الحوار مدخلاً للتوافق على الرئيس المقبل للجمهورية.
لا يبدو الصرح البطريركي قريباً أو منسجماً مع ايّ من هذه الطروحات الحوارية في الشكل الذي تُقدم به او الشروط المرافقة لها. وبحسب زوار الصرح، ثمة اقتناع بأن سيده يذهب في تفكيره إلى ما هو أبعد من كل النقاش الجاري اليوم، منطلقاً من قناعته بأن الهواجس التي يعبّر عنها الشارع المسيحي، وإنْ بلغات مختلفة، باتت هواجس الشارع السنّي والدرزي ايضاً، ما يجعل الحاجة ملحّة إلى تفكير من خارج البُعد الطائفي إلى البُعد الوطني الذي يعيد إلى الشراكة الوطنية موقعها في الحياة السياسية.
من هنا، يصبح الكلام المطروح عن دعوة إلى وحدة مسيحية كما يقترح باسيل، مرفوضاً. ويظهر البطريرك أقرب إلى الورقة التي تسلّمها من “القوات اللبنانية” التي ترفض اعتبار الأزمة الرئاسية ازمة مسيحية – مسيحية، وان الخطوة الانقاذية الاولى تبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية. وهو الاستحقاق الذي يشكل العنوان الاول والترجمة العملية لجوهر الوثيقة.
من هذا المنطلق، تقول مصادر كنسية ان طبيعة المسيحيين ودورهم القيادي التاريخي لا يسمحان لهم بمقاربة الأزمة من بُعد طائفي، وهم بالتالي لن ينزلقوا إلى هذه المعادلة القاتلة التي تخدم اصحاب مشروع تعديل الدستور. وهذا هو رأي بكركي في آلية إنقاذ البلد، وهي تدرك ان السنّة والدروز سيسيرون حكماً بالمعادلة الوطنية.
يسعى البطريرك إلى تحصين صرحه وطائفته بورقة ثوابت مستندة إلى الدستور والى القرارات الدولية، وإنْ كان، في مكان ما، يدرك انه قد يتم الانقلاب عليها بالأداء السياسي، وهذا ما يجعل ضمانات نجاحها ضعيفة جداً. لكنه في المقابل، يدرك ان وثيقة كهذه، ذات بُعد وطني يقوم جوهرها على استعادة التوازن الطائفي والشراكة بين المكونات الوطنية واحترام الدستور، وتحظى بمباركة الطوائف الأخرى، ستحرج الفريق الذي لا يزال يمارس التعطيل عبر طروحات تعجيزية لا تنتج رئيساً. من هنا، يمكن فهم الرسالة الواضحة وإن غير المباشرة التي وجهها البطريرك في مواقفه الأخيرة الى رئيس المجلس ومن ورائه إلى “حزب الله”، والتي اسقط فيها الدعوة إلى مبادرات حوارية، إذا ما صدرت وثيقة عن كل القوى المسيحية. حتى المرشح سليمان فرنجية الذي يغيب ممثلوه عن اجتماعات بكركي لن يكون قادراً على التغريد خارج سرب الصرح.
أما باسيل، فالرسالة البطريركية له جاءت مباشرة اكثر برفض الدعوة إلى حوار من دون ضمانات بمشاركة وحضور جميع القوى، سيما وان تلك الدعوة تحمل في طياتها محاولة استباقية لطرح مبادرة يسعى “التيار” إلى الاستثمار فيها سلباً أو ايجاباً، اذ يضع النجاح في رصيده على قاعدة انه صاحب المبادرة في الحوار، ويحمّل مسؤولية الفشل للآخرين في حال لم تحصل. ولأن الأوضاع اليوم لا تحتمل هذه المزايدات الشعبوية، فقد ارتأى الراعي ان يبقى خارجها، خصوصاً إذا ما ادت ايّ طاولة حوار مسيحية إلى تفجر الخلافات المسيحية من دون الخروج بمعالجات، لا تزال مستعصية حتى الساعة.
في ايّ حال، المشاورات مستمرة، معززة بغطاء غربي وعربي، ولا يُستبعد ان تشهد الأسابيع القليلة المقبلة بلورة للوثيقة تمهيداً للإعلان عنها.
المصدر – النهار
ان المعلومات و الاراء و الافكار الواردة في هذا المقال تخص كاتبها وحده و تعبر عن وجهة نظره الخاصة دون غيره؛ ولا تعكس، باي شكل من الاشكال، موقف او توجهات او راي او وجهة نظر ناشر هذا الموقع او ادارة تحريره.
ان هذا الموقع و ادارة تحريره غير مسؤوليين عن الاخبار و المعلومات المنشورة عليه، و المنسوبة الى مصادرها بدقة من مواقع اخبارية او وكالات انباء.