
نقلا عن المركزية –
وصل رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون والوفد المرافق، الى بيروت عند الساعة الرابعة بعد الظهر، في ختام زيارة رسمية الى العراق، التقى خلالها نظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، ورئيس الحكومة العراقي محمد شياع السوداني، كما زار بطريركية الكلدان واجتمع الى بطريرك الكلدان الكاثوليك في العراق والعالم مار لويس روفايل الأول ساكو، وكان تأكيد على استمرار الدعم العراقي للبنان، وترحيب بانتظام العمل بالدولة ومؤسساتها في لبنان بعد انتخاب رئيس الجمهورية.
وكان الرئيس عون قد اكد ان اللبنانيين لن ينسوا دعم العراق والعراقيين لهم في مختلف الظروف، وخصوصاً خلال الحرب الاخيرة التي عاشها لبنان. واشار الى وجود الكثير من المشاريع المشتركة بين البلدين والتي تعود بالنفع عليهما معاً، لافتاَ الى كثرة التحديات لا سيما موضوع الارهاب، والذي يلقى عناية كبيرة من الجانبين.
واعتبر الرئيس عون ان ما يجري في غزة امر غير مقبول، وعلى المجتمع الدولي التحرك فوراً للتصدي للحالات غير الانسانية التي تسود في غزة، وهي مسؤولية تقع على عاتق هذا المجتمع.
قمة لبنانية – عراقية: من جهته، شدد الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد على ارتياحه لما شهدته الاوضاع اللبنانية من تحسن في الفترة الاخيرة، مشيراً الى ان هذا الشعور يخالج العراقيين جميعا. واكد الاستعداد للتعاون في المجالات كافة، متمنياً النجاح للبنان في ظل قيادة الرئيس عون وفي ضوء التطورات الايجابية التي يشهدها البلد، مؤكداً وقوف العراق الى جانب لبنان.
مواقف الرئيسين عون ورشيد جاءت خلال القمة اللبنانية- العراقية التي عقدت في القصر الرئاسي العراقي (قصر بغداد) في العاصمة العراقية.
وكان الرئيس عون استهل زيارته الرسمية الى العراق، بلقاء نظيره العراقي عبد اللطيف رشيد في قصر الرئاسة العراقي (قصر بغداد)، حيث استقبله الرئيس رشيد في استقبال على مدخل القصر، واقيمت مراسم الاستقبال الرسمية وتم استعراض ثلة من حرس الشرف، وصافح الرئيس اللبناني اعضاء الوفد العراقي الذين كانوا في استقباله، فيما صافح الرئيس العراقي اعضاء الوفد اللبناني المرافق لرئيس الجمهورية.
ثم عقد الرئيسان اللبناني والعراقي لقاء قمة استغرق نحو 30 دقيقة، تم خلاله عرض الاوضاع العامة في المنطقة، والجهود التي يبذلها البلدان لتعزيز الاستقرار والامن في ربوعهما.
ثم عقد لقاء موسع، استهله الرئيس العراقي بالترحيب بضيفه اللبناني في “بلده الآخر” العراق. وابدى الرئيس رشيد ارتياحه لما شهدته الاوضاع اللبنانية من تحسن في الفترة الاخيرة، مشيراً الى ان هذا الشعور يخالج العراقيين جميعا. واكد الاستعداد للتعاون في المجالات كافة، متمنياً النجاح للبنان في ظل قيادة الرئيس عون وفي ضوء التطورات الايجابية التي يشهدها البلد، مؤكداً وقوف العراق الى جانب لبنان.
واستعرض الرئيس العراقي الاوضاع في العراق، مشدداً على اهمية التنسيق بين البلدين في كل المجالات، مشيراً الى توق العراقيين لعودة “ايام العز” الى الربوع اللبنانية، ليشاطروا اشقاءهم اللبنانيين الفرحة بعودة بلدهم الى المكانة التي تليق به، مع العلم ان العراقيين لم يغيبوا ابداً عن لبنان حتى في احلك الظروف واقساها.
ورد الرئيس عون، شاكراً للرئيس رشيد حفاوة الاستقبال. وقال” ان العراق هو بلدنا الثاني وان العلاقات بين البلدين عميقة ومتجذرة في التاريخ، واتيت الى بغداد اليوم لشكر العراق والعراقيين باسم الشعب اللبناني، على وقوفهم الى جانب لبنان واللبنانيين خلال الظروف الصعبة التي عصفت بهم”، لافتاً الى ان اللبنانيين لن ينسوا هذه المبادرات الكريمة ولا سيما ارساليات النفط التي ساعدت على توفير حلول عملية لازمة الكهرباء والطاقة بشكل عام. كما تحدث عن احتضان العراق للبنانيين خلال الحرب الاخيرة، والعمل على اعادتهم الى بلدهم الام بمبادرة كريمة منهم. واشار الرئيس عون الى وجود الكثير من المشاريع المشتركة بين البلدين والتي تعود بالنفع عليهما معاً، لافتاَ الى كثرة التحديات لا سيما موضوع الارهاب، والذي يلقى عناية كبيرة من الجانبين حيث يتم التنسيق بشكل دائم، وهو ما يقوم به المدير العام للامن العام اللواء حسن شقير وباقي المسؤولين الامنيين في لبنان، مع الجانب العراقي.
ثم عدّد الرئيس عون الاصلاحات التي تعمل الحكومة اللبنانية على تنفيذها في شتى المجالات، وخصوصاً منها الاقتصادية والمالية، اضافة الى العمل على تحسين باقي الملفات ومعالجتها.
وتوقف عند الاعتداءات الاسرائيلية المتكررة على لبنان، واستمرار الاسرائيليين في احتلال النقاط الخمس داخل الاراضي اللبنانية، وعدم الانسحاب منها، والامتناع عن تسليم الاسرى، وهي كلها امور تقوّض جهود السلام واستكمال انتشار الجيش اللبناني تنفيذاً للقرار الدولي 1701، الذي التزم به لبنان.
ثم تطرق الرئيسان الى الوضع في فلسطين، واتفقا على ضرورة انهاء الاجرام الذي تشهده غزة، وسياسة قتل الابرياء، وعلى ضرورة الاستمرار في دعم القضية الفلسطينية وعدم السماح بتقويضها. وشدد الرئيس عون في هذا المجال على ان ما يجري هو امر غير مقبول، وانه على المجتمع الدولي التحرك فوراً للتصدي للحالات غير الانسانية التي تسود في غزة، وهي مسؤولية تقع على عاتق المجتمع الدولي.
ثم تطرق الحديث الى العلاقات مع سوريا، حيث اكد الرئيس عون على ان التنسيق قائم بين الجانبين على الصعيد الامني، لضبط الحدود وتفادي نشوء اشكالات جديدة كالتي حصلت في الفترة الاخيرة، وتعزيز التعاون الامني في هذا المجال بين البلدين لما فيه مصلحتهما معاً.
وجدد الرئيس اللبناني شكر العراق والعراقيين على مساندتهم الدائمة للبنان والرغبة في مساعدته في كل المجالات، ووجه دعوة الى الرئيس رشيد لزيارة لبنان عندما تسمح له الظروف بذلك.
وحضر اللقاء عن الجانب العراقي كل من: رئيس هيئة المستشارين والخبراء د. علي الشكري، مدير مكتب رئيس الجمهورية العراقي الفريق كهدار محمد سعيد، والمستشارون: عبد الله الزيدي، عدنان الجرجري، اسراء فؤاد.
فيما حضر عن الجانب اللبناني: السفير اللبناني لدى العراق علي حبحاب، المدير العام للامن العام اللواء حسن شقير، والمستشارون: العميد اندريه رحال وجان عزيز ونجاة شرف الدين ،ومدير الاعلام في رئاسة الجمهورية رفيق شلالا.
الى مقر رئاسة الحكومة العراقية:
وبعد انتهاء اللقاء، ودّع الرئيس العراقي نظيره اللبناني الذي توجه مباشرة الى مقر رئاسة الحكومة العراقية للقاء رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، حيث اكد عون أن “اللبنانيين يحفظون بامتنان المبادرات العراقية لمساعدتهم، في لائحة يطول تعدادها، خصوصاً في الازمة الاخيرة التي مر بها نتيجة الحرب الاسرائيلية عليه” . ولفت خلال لقائه السوداني ، الى “وجوب تعزيز التعاون بين مختلف الادارات العراقية واللبنانية، والى اهمية التعاون بين الجيشين العراقي واللبناني” .
من جهته، اقترح الرئيس السوداني تشكيل لجنة مشتركة للتبادل التجاري واخرى للتنسيق السياسي والامني بين البلدين لما يعود بالمنفعة عليهما، وهو ما ايّده الرئيس عون. وشدد الرئيس السوداني على عمق العلاقات بين البلدين وعلى استعداد العراق الدائم لمساعدة لبنان في المجالات كافة، والرغبة في تطوير وتعزيز هذه العلاقات.
وقائع الوصول
وكان الرئيس السوداني استقبل الرئيس عون على مدخل القصر الحكومي العراقي، حيث صافحه والتقطت الصورة التذكارية قبل ان يصافحا اعضاء الوفدين اللبناني والعراقي.
وعقد اجتماع موسع شارك فيه الى الرئيسين عون والسوداني، عن الجانب العراقي: مدير مكتب رئيس الوزراء احسان العوادي، رئيس جهاز الامن الوطني عبد الكريم البصري، وعدد من المستشارين. فيما حضر عن الجانب اللبناني: السفير اللبناني لدى العراق علي حبحاب، مدير عام الامن العام اللواء حسن شقير، المستشارون: العميد اندريه رحال، جان عزيز، نجاة شرف الدين، مدير الاعلام في القصر الجمهوري رفيق شلالا.
بداية، رحب الرئيس السوداني بالرئيس عون واكد عمق العلاقات مع لبنان وتجذرها، كما ابدى ارتياحه لانتظام عمل المؤسسات الدستورية فيه بعد انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة. ثم تحدث عن “الاستعداد الدائم” لتقديم المساعدات للبنان انطلاقا مما يجمع بين البلدين الشقيقين من اواصر المحبة والتعاون.
واشار الى وجود الكثير من القواسم المشركة بين البلدين، لافتاً الى ان العراق يدعم مواقف الدولة اللبنانية واهمية الاستقرار في لبنان والمنطقة، واقترح تشكيل لجنة مشتركة للتبادل التجاري، واخرى للتنسيق السياسي والامني، وهو امر ايّده الرئيس عون، معتبراً ان التنسيق على الصعيد الامني خصوصاً بين البلدين يصب في مصلحتهما.
كما تطرق الرئيس السوداني الى قمة بغداد، وما نتج منها من قرارات لا سيما صندوق التعافي الذي اقترحه وتقديمه مساهمة بقيمة 20 مليون دولار للبنان، ومبلغ مماثل للفلسطينيين، معرباً عن الجهوزية لوضع آلية لدعم هذا الصندوق.
وشكر الرئيس عون للرئيس السوداني حفاوة الاستقبال، ومبادرته في القمة العربية، مركزاً على اهمية العلاقات بين لبنان والعراق وضرورة تفعيلها في كل المجالات، واكد ان اللبنانيين يحفظون بامتنان المبادرات العراقية لمساعدتهم، في لائحة يطول تعدادها، خصوصاً في الازمة الاخيرة التي مر بها نتيجة الحرب الاسرائيلية عليه.
كما تحدث عن التعاون بين مختلف الادارات العراقية واللبنانية، لافتاً الى اهمية التعاون بين الجيشين العراقي واللبناني.
وتناول الرئيس عون الوضع في غزة والمجازر التي ترتكب بحق المدنيين هناك، مشدداً على وجوب التعاون لدعم لقضية الفلسطينية في المحافل الاقليمية والدولية وحل الدولتين، وفقاً للمبادرة العربية التي اقرتها قمة بيروت 2002، وضرورة التوصل الى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية.
ووجه الرئيس عون دعوة الى الرئيس السوداني لزيارة لبنان، مركزاً على تعويل اللبنانيين على رؤية اشقائهم العراقيين في الربوع اللبنانية للترحيب بهم.
خلوة ثنائية
بعد ذلك، عقدت خلوة بين الرئيسين استمرت ثلث ساعة، توجها بعدها الى قاعة كبيرة في القصر الحكومي حيث عقدا مؤتمراً صحافياً مشتركاً.
الرئيس السوداني: بداية، تحدث رئيس الوزراء العراقي فقال: “كل الترحيب بفخامة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد جوزاف عون والوفد المرافق، بغداد تحتفي بكم وبكل زوارها الكرام. ان تاريخ العلاقات العراقية- اللبنانية يؤكد اننا امام علاقة متميزة بين بلدين شقيقين على المستوى الشعبي وعلى المستوى الحكومي، وهو ما نطمح الى تعزيزه وتطويره، وهذه الزيارة هي فرصة مهمة لتحقيق هدف التكامل وتعزيز العلاقة على المستويات السياسية والاقتصادية والامنية لمواجهة التحديات التي تعصف بالمنطقة” .
أضاف: “يدعم العراق تماسك لبنان واستقراره ووحدته، ومؤسسات الدولة اللبنانية، والسيادة على كل ارضه، ويرفض كل ما يتجاوز هذا الامر، وهو ما سيعمل عليه خلال ترؤسه القمة العربية. لقد وقف العراق، بمرجعياته الدينية وقواه السياسية وفعالياته الشعبية، مع لبنان خلال العدوان، ونستذكر هنا بيان سماحة المرجع الاعلى السيد السيستاني الذي دعم فيه جهود وقف العدوان الهمجي وحماية الشعب اللبناني” .
وتابع: “اننا، انطلاقاً من روح التضامن التي نؤكد عليها، سوف نستمر بتقديم كل اشكال الدعم للشعب اللبناني الشقيق، ونجاح القوى السياسية الوطنية اللبنانية في انتخابكم، وتشكيل الحكومة برئاسة دولة الاخ نواف سلام، هي خطوات واثقة كنا ننتظرها مثلما انتظرها الشعب اللبناني الشقيق، ونحن ندعم التوافق السياسي الداخلي للبنان، في اطار التزامنا بمنهجنا الاساس في عدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين.
لقد اجرينا اليوم حواراَ مهماً حول الفرص المشتركة في مجالات الطاقة والاتصالات والتبادل التجاري، ونسعى الى التكامل والشراكة الاقتصادية الكبيرة والمتشعبة مع لبنان، وكذلك ندعم تعاون القطاع الخاص في البلدين.
في الوقت الذي نجدد فيه ادانتنا للاعتداءات الاسرائيلية المتكررة للسيادة اللبنانية، ونعتبرها خرقاً فاضحاً للقانون الدولي، نكرر تأكيدنا على ضرورة تطبيق القرار الاممي 1701 بالكامل، والمجتمع الدولي مطالب وملزم بأداء التزاماته في التطبيق الكامل غير الانتقائي للقرار الدولي من اجل دعم الاستقرار ووقف العدوان. وخلال اللقاء اكدنا على موقفنا في دعم سيادة واستقلال سوريا، وحفظ كامل ترابها ورفض الاعتداء عليها، والسياسات التي تؤدي الى اشعال الفتنة الطائفية والعرقية، وتهدد تماسك نسيج المجتمع السوري.
وفي ما خص القضية الفلسطينية، نسعى الى وقف هذا العدوان الهمجي، والابادة الجماعية وسياسة التجويع ضد المواطنين الابرياء في غزة، ويجب اغاثة اهلنا الغزاويين وانقاذهم من المجاعة والهلاك والموت والدمار الذي يحيط بهم، وسط صمت دولي مريب وغير مسؤول. ومن دون حل شامل وعادل وانساني للقضية الفلسطينية، لا نرى جدوى من طرح الحلول الترقيعية، مع استمرار القتل الممنهج”.
واردف: “اكدنا في قمة بغداد نهج العراق الساعي الى تأييد كل ما من شأنه وقف العداون، وحماية الشعبين اللبناني والفلسطيني. وقد طرح العراق مبادرة الصندوق العربي لدعم جهود التعافي واعادة الاعمار ما بعد الازمات والصراع، وهي مبادرة حظيت بتأييد عربي ونعوّل عليها لانجاز الكثير، خصوصا هلال فترة رئاستنا للقمة العربية.
تقدم العراق بدعم اوليّ بقيمة 20 مليون دولار لاعمار لبنان، ومستعدون للعمل وفق الآليات المناسبة لتفعيل واستكمال هذا المسار لصالح لبنان، وسنواصل مساعينا انطلاقا من مسوؤلياتنا خصوصا هذا العام الذي يتولى فيه العراق رئاسة مجلس جامعة الدول العربية.
نكرر ترحيبنا بفخامة الرئيس السيد جوزاف عون والوفد المرافقق له، فأهلاً وسهلاً بكم مرة اخرى.”
الرئيس عون: ثم القى الرئيس عون الكلمة التالية:
سيادةَ رئيسِ مجلسِ وزراءِ جمهوريةِ العراق، الأخِ العزيز محمد شياع السوداني، الحضورُ الكريم،
منذ آلافِ السنين، شاءَ التاريخُ أن يجمعَ في مصادفاتِه المُعبِّرة، بين بلادِ ما بين النهرين وبلادِ الأرز… فليسَ تفصيلاً أن يكونَ أولُ تنظيمٍ للحياةِ البشريةِ العامة في مجتمعٍ، قد وضعَه حمورابي هنا…
وأولُ مدرسةٍ في التاريخِ للحقوق، كانت في بيروت… هذا لأننا كنا، وما زلنا معاً، مهجوسين بحقوقِ ناسِنا وانتظامِ حياتِهم، بما يحققُ خيرَهم الأسمى … وأصرَّ التاريخُ، منذ تلك الألفيات البعيدة، على أن نترافقَ معاً…
منذ بداياتِ دولِنا في عشريناتِ القرنِ الماضي… وصولاً حتى يومِنا هذا… ظلت بيروتُ عاشقةً للسيّاب والجواهري ونازك الملائكة، وكلِ عمالقةِ الأدبِ العراقي الحديث … وظلت بغدادُ تُنشدُ “موطني موطني”، من نغماتِ المُبدعِ اللبناني محمد فليفل . ..وظلّ يرافقُنا في تلك المراحلِ كلِها، تحدّيان اثنان:
أولاً، كيف نكرّسُ مفهومَ “الهوية الوطنية”، داخلَ كلِ بلدٍ من بلدانِنا… بما يحققُ التوافقَ والتوازنَ الداخليين… ووحدةَ الدولة معاً … فتكونُ خصوصيةُ كلِ جماعةٍ من جماعاتِنا الوطنية التاريخية، محترمةً بالكامل…
ولا يكونُ أيُ انعزالٍ أو تطرّفٍ أو أفكارٍ هدّامةٍ … نصونُ الحرية ضمنَ التنوّعِ والتعدّد… ونحفظَ سلمَنا الأهلي … من دون الانتقاصِ من فاعليةِ الدولة…
ثانياً، كيف نؤكدُ مبدأَ دولتِنا الوطنية السيدة، في محيطِنا وفي عالمِ اليوم… بلا استعداءٍ لأحد… ولا استتباعٍ لأحد… فتكونَ كلُ دولةٍ من دولِنا، سيدةً حرةً مستقلةً فعلاً … وتكونَ في الوقت نفسِه، جزءاً من إطارٍ إقليميٍ واسعٍ، للتعاونِ والتكاملِ والتبادلِ، حتى أقصى الحدود”.
أضاف: “السيد الرئيس، إسمحوا لي أن أقولَ بأنْ آنَ الأوانُ لتحقيقِ الأمرين … في الأمرِ الأول، الحلُ لإشكاليةِ هويتِنا الوطنية داخلَ دولتِنا الناجزة … أستلهمُه حرفياً، من موقفٍ أصيلٍ عميقٍ، لسماحةِ المرجعِ الديني الأعلى، السيد علي الحسيني السيستاني، في تشرينَ الثاني (نوفمبر) الماضي … حين وضعَ خارطةَ طريقٍ بديهيةً للحل … إذ دعا “النخبَ الواعية، إلى أن يأخذوا العِبرَ من التجاربِ التي مرّوا بها … ويعملوا بجدٍّ في سبيلِ تحقيقِ مستقبلٍ أفضلَ لبلدِهم … ينعمُ فيه الجميعُ بالأمنِ والاستقرارِ والرُقيِ والازدهار… وذلك عبرَ إعدادِ خططٍ عِلمية وعملية لإدارةِ البلد… اعتماداً على: مبدأِ الكفاءةِ والنزاهة في تَسَنُّمِ مواقعِ المسؤولية… ومنعِ التدخلاتِ الخارجية بمختلفِ وجوهِها… وتحكيمِ سلطةِ القانون… وحصرِ السلاحِ بيدِ الدولة… ومكافحةِ الفسادِ على جميع المستويات”… انتهى كلامُ سماحتِه … ولا نزيدُ عليه حرفاً … أما كيف نكونُ دولاً وطنية سيدة، في إطارِ تعاونٍ عربيٍ عصريٍ حديثٍ … فهذا ما أعلنتُه سابقاً … واسمحوا لي بأن أكررَه…
نحن بحاجةٍ ماسةٍ إلى قيامِ نظامِ المصلحة العربية المشتركة… نظامٌ قائمٌ على تبادلِ المصالحِ المشتركة بين بلدانِنا وشعوبِنا… وتنميتِها ومضاعفتِها … نظامٌ عربيٌ مُمأسسٌ ومُقَوْننٌ في إطارِ اتفاقياتٍ ثنائيةٍ ومشتركة… بما يتبلورُ تدريجياً وبثبات، سوقاً عربيةً مشتركة … تنظّمُ التعاونَ بين اقتصاداتِنا الوطنية كافة… في انتقالِ الأشخاصِ والسلعِ والخدماتِ على أنواعها… وكما قلتُ في القاهرة أكررُ من بغداد … قد نبدأُ من مجالٍ واحدٍ، أو بين بلدين اثنين فقط … ثم نتوسّع … هكذا قامت اتحاداتُ المصالحِ الاقتصادية في عالمِنا المعاصر … وقد آنَ الأوانُ لنا، لنحيا أحراراً كِراماً، في هذا العالم “.
وتابع: “السيد الرئيس، بهذه الرؤية، نحققُ خيرَ شعوبِنا وبلدانِنا … وبهذه الرؤية، نرى فلسطينَ دولةً مستقلة…ضمن سلامٍ عادلٍ شاملٍ لمنطقتِنا … وهو ما نتطلّعُ إلى خطواتِه العملية … عبر المؤتمرِ الذي دعت إليه كلٌ من الشقيقة، المملكلة العربية السعودية، والصديقة فرنسا، هذا الشهر في نيويورك … والذي نؤكدُ اهتمامَنا به، ومتابعتَنا لتحضيراتِه ومجرياتِه ونتائجِه المرجوة . وبهذه الرؤية، نستعيدُ حقوقَ كلِ بلدٍ من بلادِنا … فلا نكتفي بإدانةِ واجبةٍ، لاعتداءاتِ اسرائيلَ على لبنان، وعلى سوريا … وتأكيدِ رفضِنا ما يُرتكبُ بحقِ المدنيين في غزة “.
وقال رئيس الجمهورية: “إن طموحَنا لهذا الغدِ الذي نأملُه قريباً جداً، لا يُعفينا من واجبِ تقديمِ أصدقِ الشكر، على كلِ ما قدمتموه دوماً للبنان … واسمحوا لي ألا أدخلَ في التعدادِ … من هباتٍ وتقدماتٍ ومساعداتٍ في شتى المجالات … حتى لا أستوقفُكم طويلاً جداً… ولا أفي العراقَ حقَه، ولا أُنجزُ التعداد … يكفي عرفاناً منا لكم، أنّ كلَ لبنانيٍ باتَ يؤمنُ فعلاً عند كلِ أزمة، بأنّ “الترياقَ من العراق”، ليس قولاً مأثوراً، بل فعلٌ محقق …
السيدُ الرئيس، الأخُ الصديق،
وأنا الآنَ في بغداد، أتذكّرُ بوجدانٍ عراقيٍ صافٍ، أبياتَ الجواهري الرائعة:
لبنـانُ يا خمري وطيبي / لا لامستكَ يدُ الخطوب ِ
لبنـانُ يا غُرفَ الجَنــان ِ / الناضحــات ِ بكـلِ طيب ِ
لبنـانُ يا وطني إذا / حُـلِـئتُ عن وطني الحـــبيــبِ
ولحظةَ أعودُ إلى بيروت، سأتذكرُ بوفاءٍ لبنانيٍ خالصٍ، جواهرَ الأخطل الصغير:
بغدادُ يا شغفَ الجمالِ / وملعبَ الغـزلِ الـطَـروبِ
بغدادُ يا وطنَ الجهـادِ / ومَرضَعَ الأدبِ الخصيبِ
قولي لشمسِك لا تغيبي / وتـكبَّدي فَـلـكَ الـقـلـوب
عاش العراق ، عاش لبنان”.
مأدبة غداء:
ثم اقام الرئيس السوداني مأدبة غداء على شرف الرئيس عون والوفد اللبناني المرافق، استكمل خلاله بحث المواضيع والملفات التي كانت مدار بحث خلال اللقاء بينهما في مقر القصر الحكومي.
في البطريركيّة الكلدانيّة:
واختتم رئيس الجمهورية زيارته الرسمية الى العراق، بلقاء بطريرك الكلدان الكاثوليك في العراق والعالم مار لويس روفائيل الأول ساكو، في مقر البطريركية في بغداد.
وكان البطريرك ساكو في استقبال الرئيس عون على مدخل البطريركية، مع عدد من الكهنة والراهبات وموظفي البطريركية، وقدمت فتاة باقة ورد الى رئيس الجمهورية، قبل ان يدخل الجميع الى غرفة عقد فيها لقاء في حضور اعضاء الوفد اللبناني المرافق، تناول أوضاع الطائفة الكلدانية في كل من العراق ولبنان، والدور الذي تضطلع به في الحفاظ على التنوع الروحي والثقافي في المنطقة، إضافة إلى شؤون الجاليات اللبنانية والعراقية في البلدين.
وابدى البطريرك ساكو تفاؤله بعودة لبنان الى طبيعته بعد الازمات التي عاشها، مبدياً تأييده الاهداف التي وضعها الرئيس عون للنهوض بالبلد، منذ انتخابه رئيساً للجمهورية، وخصوصاً في مسألة حصر السلاح في يد الدولة ومكافحة الفساد والوقوف في وجه الارهاب، وقال: “نأمل ان تعيدوا لبنان الى سابق عهده، لان لبنان نموذج يحتذى به، ولنا كل الامل في الدولة والحكومة الجديدة” .
وتطرق البطريرك ساكو الى مخاطر التعصب الطائفي والخطابات المتطرفة التي دخلت حتى الى الجامعات، والذي تغذيه لظروف التي نشهدها، ومنها مثلاً المأساة في فلسطين وغيرها، مشدداً على ان “لا علاقة للارهابيين والمتعصبين بالدين أكان مسيحياً ام مسلماً، فالايمان بالله يخالف كل هذه الممارسات” .
واستذكر احدى زياراته للمرجع السيد السيستاني الذي شدد على ان الارهاب والفساد هو من المحرمات.
ودعا الى “ترسيخ الوجود المسيحي في الشرق الاوسط، وتأمين بيئة حاضنة تساعد على هذا الهدف من خلال الدعم المعنوي والسياسي، وان هذا ما لمسه من البابا الجديد لاوون الرابع عشر”.
وشكر الرئيس عون البطريرك ساكو، مشدداً على اهمية هذا الصرح البطريركي. واشار الى ان “الدولة هي التي تحمي الطوائف وليس العكس، والى اهمية التعدد وصون الحريات انما تحت سقف الدولة، فالاختلاف مسموح ولكن ليس الخلاف” . وشدد على “اهمية التنوع الديني في لبنان وغناه، وما يمكن ان يقدمه من اهمية للتفاعل والتعايش بين الاديان والشعوب” .
ثم تحدث عن تجربة لبنان مع الارهاب، والانتصار الذي حققه على تنظيم “داعش”، داعياً الى “وجوب الابقاء على اليقظة والحذر من هذا التنظيم وكل التنظيمات الارهابية والاجرامية لمنع عودتها وتوسعها” .
وشدد الرئيس عون على ان “مسيرة الدولة في مكافحة الفساد بدأت، وان لا مستحيل طالما توافرت الارادة” . كما تطرق الى المخاطر التي تصيب المجتمعات ومنها المخدرات التي تضرب العائلات، وباتت منتشرة وفي متناول كل الفئات الاجتماعية الفقيرة منها والغنية، وهو ما يفتك بالعائلات ويفكك المجتمعات. ولفت الى الخطوات التي قامت وتقوم بها الاجهزة الامنية للحد من هذه الآفة، والتي لم تقض عليها انما خففت الكثير من تأثيرها، واصفاً هذه المواجهة بأنها “حرب طويلة” انما لا يجب التوقف عن خوضها.
اتصال بنجل السيستاني
وبعد انتهاء اللقاء، اجرى الرئيس عون وهو في طريقه الى المطار، اتصالا بنجل المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني السيد محمد رضا السيستاني، مطمئناً الى صحة والده، ومتمنياً له الشفاء العاجل ، على امل ان يتسنى للرئيس عون زيارته في فرصة لاحقة.
وشكر السيد محمد رضا السيستاني مبادرة الرئيس عون، متمنياً له دوام التوفيق في مسؤولياته الوطنية .
برقية شكر
وقبيل مغادرته مطار بغداد الدولي عائداً الى بيروت، وجه الرئيس عون برقية شكر الى الرئيس رشيد، جاء فيها:
” فخامة الاخ الرئيس عبد الطيف رشيد المحترم
رئيس جمهورية العراق
يطيب لي وانا اغادر اجواء العاصمة العراقية أن أعبر لفخامتكم باسمي الشخصي، وباسم الوفد المرافق، عن عميق تقديري وامتناني لحفاوة الاستقبال الذي لقيناه، والتي عكست مدى محبتكم للبنان وشعبه، سواء منه المقيم في بلده او الموجود في الربوع العراقية، آملاً في أن ترسخ هذه الزيارة عمق العلاقات الأخوية التي تربط بلدينا وشعبينا الشقيقين وتضاعف من روابط التعاون الثنائي القائمة بين لبنان والعراق في مختلف المجالات، لما فيه خير ومصلحة لبنان والعراق.
لقد كانت محادثاتنا اليوم بناءة ومثمرة وايجابية والمواقف التي أعلمتموني بها والخطوات العملية التي تنوون اتخاذها تركت عميق الأثر في نفسي وسيكون لها عند تنفيذها، انعكاساتها الايجابية لما فيه مصلحة بلدينا.
واذ اجدد شكري لفخامتكم، اتمنى لكم دوام الصحة والعافية للاستمرار في قيادة مسيرة بلادكم إلى مزيد من التقدم والنجاح. وفقكم الله وبارك خطاكم” .
ان المعلومات و الاراء و الافكار الواردة في هذا المقال تخص كاتبها وحده و تعبر عن وجهة نظره الخاصة دون غيره؛ ولا تعكس، باي شكل من الاشكال، موقف او توجهات او راي او وجهة نظر ناشر هذا الموقع او ادارة تحريره.
ان هذا الموقع و ادارة تحريره غير مسؤوليين عن الاخبار و المعلومات المنشورة عليه، و المنسوبة الى مصادرها بدقة من مواقع اخبارية او وكالات انباء.