” نَصر إلهي ” على خِرقَة قِماش
بِقَلَم روني ألفا
جريدة النهار صباح الإثنين ٩-٨-٢٠٢١
قليلٌ من التنَمُّرِ يُحيي قلبَ الكُتَّاب. عشتُ التجربةَ في زمنِ اليَفاع على خلفيةِ بدانتي وثقلِ همَّتي خصوصاً عندما كانت تحينُ حصَّةُ التسلُّقِ على حَبلٍ طويلةٍ غليظة. لم تفلَحْ يداي تلكَ الأيام في حملِ وزني الزائد بالرغمِ من وجودِ عِقَدٍ سميكةٍ على الحَبل كانت تتيحُ لي الوقوفَ عليها برؤوسِ الأصابِع قبل استِجماعِ حلاوةِ الرّوحِ والإرتقاءِ صعوداً نحوَ قمةِ الحَبل. أخوضُ التجربةَ ذاتَها كَهلاً كلما كتبتُ عن مناعةِ لبنان ضدَّ كيانِ العدو.
بالطبع لم يعد التنَمُّرُ يثيرُ فيَّ المشاعرَ نفسها التي كنت أكبتُها نهاراً وأفجّرُها مساءً في حضنِ أبي الذي كان يزوِّدُني بشحنةِ معنوياتٍ أستعملُها في اليوم التالي. الآن وقد ذَهَبَ أبي الى الحضنِ السماوي ووافتهُ والدتي، لم يعد لديَّ حضنٌ ألتجئ إليه سوى ذلك الجدار الذي شيّدتُه حولَ معنوياتي وسِوى ثِقتي بثوابتي مجبولةً بترسانةٍ من البراهينِ والأدلة التي تجعل قطاري يسيرُ برغم النُّباح.
أتَت الهجمَةُ على خلفيةِ منشورٍ مختصرٍ نشرتُه على صفحتي كتبتُ فيه أن اختراقَ نهرِ الوزاني من جانبِ العدو سيقابلُه إختراقُ إصبَعِ الجليل مضيفاً أنَّ من يوجعُ لبنان سيتوجَّع. طبعاً المنشورُ يبعثُ تحيةً الى المقاومين الذين قاوموا المخرزَ بالعين يوماً قبل أن يصيروا مخرزاً. قامت الأرضُ ولم تقعُد. ليسَ مناسباً إيرادُ التعليقات. بعضُها تهكُّمي والبعضُ الآخَرُ حَقود.
الزعيمُ اللبنانيُّ العربيُّ منير أبو فاضل كَتَبَ في ١٧ حزيران ١٩٥٠ في الغرّاء التي تقرأون فيها هذه المقالة عن نجدةِ فلسطين وتداعي المخلصين من العرب إلى دكِّ مواقعِ الإحتلال واصفاً المقاومين في رام الله وبيت لحم بال ” مجاهدين “. توصيفٌ سبقَ بحوالي خمسين سنة إطلاقُ توصيفٍ توأم على المقاومة في لبنان وفلسطين وفِي أكثر من بلد مقاوم. وفقاً لهذا المعيار يكون منير أبو فاضل أحد المؤسسين الفكريين للمقاومة. أن يُتَنَمّر عليّ بعد هذه القامة يجعلُ مِن كل التعليقات تنمّراً موازياً لطنينِ جنحِ ذبابة.
عام ١٩٣٨ صرَّح بن غوريون أحد مؤسسي الكيان الصهيوني أن المستوطنين ومعهم جيشُ الإحتلال لا يُواجِهونَ إرهابيين في فلسطين بل مقاوِمين. الإرهابيُّ من يُقاتلُ ليحتلَّ أرضَ غيره. المقاومُ يقاتلُ ليستردَّ أرضه. سبعونَ سنة بروباغاندا ومليارات الدولارات لم تقوَ على إلصاق تهمة الإرهاب بالفلسطينيين. ملياراتٌ أخرى لم تحقق التوطين. مئات المليارات لم تقضِ على صبية الحجارة. عندما نؤمن بزوال الإحتلال نكون إلى الجانب الصحيح من التاريخ. عبد الوهاب المسيري الكاتب والمفكر المصري توقّع زوال الكيان بعد خمسينَ سنة. نؤمن بشدّة أنه سيزول.
هذا لا يمنعُنا أعزائي المتنمِّرين عن عشق بيروت وعن الصراخ من أجل لبنان. لا نكون أقل لبنانيّة إذا آمنّا بإنسانية القدس وعالمية القضية الفلسطينية كجزء لا يتجزّأ من الضمير العالمي. علينا فقط أعزائي أن نخفِّفَ من غلواء اليمين الذي فرَّغَهُ البعض من قيمِهِ واختَزَلَهُ بالطلبِ من أحد المراهقين المضرَّج بدمائهِ دوسَ الكوفية الفلسطينية وتصويره ونشر الڤيديو كعلامةِ نصرٍ إلهيٍّ على خِرقَةِ قِماش.
كلُّ ما نعاني منهُ في لبنان سببُهُ هذا الكيان الهَجين. كل حروبِ المنطقة كَرمى عينيه. مشاريعُ التقسيم. الإغتيالات – المنعطفات. الحرب الأهلية. التوطين. داعش. الشرق الأوسط الجديد. أبلَسَةُ المقاومة. التطبيع. أسرَلَة إقتصاد الشرق الأوسط. ألا يبرّرُ كل هذا فشّة خلق تتمنى اختراق إصبَع الجليل يوماً؟ مع عبد الوهاب المسيري ومنير أبو فاضل بالتأكيد ضدّ إلهائنا بِمَن رمى المولوتوف أولاً على مركز حزبي ومَن كانَ البادي. هذه الترّهات تصلح كلقطات سينمائية لفرنكو زفزيللي وألفرد هيتشكوك وستيڤن سبيلبيرغ. الأفلام مسلّية إنما أبطالها لا يبنون الأوطان.
ان المعلومات و الاراء و الافكار الواردة في هذا المقال تخص كاتبها وحده و تعبر عن وجهة نظره الخاصة دون غيره؛ ولا تعكس، باي شكل من الاشكال، موقف او توجهات او راي او وجهة نظر ناشر هذا الموقع او ادارة تحريره.
ان هذا الموقع و ادارة تحريره غير مسؤوليين عن الاخبار و المعلومات المنشورة عليه، و المنسوبة الى مصادرها بدقة من مواقع اخبارية او وكالات انباء.