مَطلوب ” بالادور ” لُبناني مِن فَضلِكُم – بقلم روني ألفا
بعدَ خَمسٍ وعِشرينَ سَنَةً تحرَّكَ القَضاءُ الفَرَنسيُّ ضِدَّ رئيس حكومَة فَرنسا الأسبَق إدوار بالادور ووزيرِ دِفاعِه في منتَصَفِ التسعينات فرنسوا لِيوتار. القضيَّة اشبَه بإيران غايت. باكِستان غايت وصفقَة أسلِحَة مَع كَراتشي يُظَنُّ أنَّ الرّجُلَين حَقّقا فيها عُمولاتٍ تَصِل إلى حَوالَي خمسمِئَة مليون فَرنك فَرَنسي آنَذاك. أموالٌ طائِلَةٌ لَدى القَضاء الفَرنسي شُبُهاتٌ مُبَرَّرَةٌ بالوقائِع والأرقام أنه تمَّ تَحويلُها مِن كَراتشي إلى سويسرا ثمَّ تَنظيفُها في باريس لتدخل حَرَم أسيادِها الذينَ يُعتَقَد انهم أَثروا على حِسابِ الدولَةِ الفرنسيَّة وحسابِ المكلَّفين مِن دافِعي الضرائِب الفَرنسيين. بالادور ولِيوتار شوهِدا عَلى بابِ المَحكَمَة. طأطأَةُ رأسَين أمامَ قوسِ المحكَمَة. إبنُ الثَمانين عاماً ونَيِّف يَنالُ قسطَهُ مِن عِقابٍ وَلَو تأخَّر حانَ ولَو تعثَّرَ وَصَل.
بعدَ الحسوماتِ والإقتِطاعِ تمَّ الكَشفُ عَن عشرَة ملايين فرنك فَرنسي عَدّاً ونَقداً دَخَلَت إلى حِساب بالادور لِتَمويِل حملَتِه الرّئاسية في إنتِخابات 1995، أموالٌ يصرُّ مُوَكِّلُ بالادور أنّها خُصِّصَت لِشراء قمصان وقبّعات للحمَلَة. إختصاراً. الشيّخ ” الجَليل ” يُحاكَم اليَوم أمام ” محكمَة العَدل للجمهوريَّة “. محكَمَة وقَّعَ تأسيسَها الرّاحِل فرنسوا ميتران ووجّهَت حتى العام 2020 تُهَماً لعشرَة وزراء تَعاقَبوا على السّلطَة وأدانَت خمسَة مِنهُم بأدلَّةٍ دامِغَة.
كانَت خطوَة ميتران ثوريَّة في 27 تمّوز من العام 1993 بالرّغم من الإنتقادات التي وُجِّهَت في فرنسا وما تَزالُ تُوَجَّهُ لِلَجنَةٍ مؤلّفَة مِن خمسَةَ عشَر قاضٍ. ثلاثَةٌ مِنهم تعيّنُهُم محكَمَة التّمييز الفرنسيَّة واثنَتَي عشَر آخَرين يُعَيَّنون بالتساوي بينَ مجلِسَي النوّاب والشّيوخ الفرنسيين.
لبنان سبقَ فَرنسا شَكلاً وتأخَّرَ عنها مَضموناً. أدرَجنا المجلس الأعلَى لمحاكَمَة الرؤساء والوزراء في دستورِنا الجَديد ثلاث سَنوات قبلَ خطوَة ميتران. لَم نُدرِج على لائِحَة الإتهام أحد. مجلِس أعلَى يشكِّل عِبئاً ماليّاً على خَزينَة الدّولَة منذُ ثلاثينَ عاماً لَم يشتَبِه بأحَد اللهم إلا بوزير واحد دخل السجن إحدى عشر شهراً وخرج منه بريئاً من تهمة بيع الرواسب النفطية. يَعنَي باللغَة اللبنانيَّة طبخَة بَحص يخضَعُ فيها الرئيس ودولَة الرئيس والوزيرُ والنائِب المشتَبَه فيهِم إلى لجنَةٍ مؤلَفَةٍ من الزملاء والرِّفاق والخِلّان والأصدقاء والأقارِب. نزهَةٌ قَضائيَّة كانَ وما زالَ يخرجُ منها المتّهَمُ بَريئاً لِيَدَّعي عَلى مَن ادّعَى عليه بتهمَة تَحقير سمعَتِه أمامَ الرّاي العام. بِعبارَة أوضَح. ألَم يَحِن الوَقت ليشتَبِه المجلس الأعلى بنفسِه؟
يتألف المجلس الأعلى لمحاكَمَة الوزراء والنواب في لبنان وطِبقاً للمادَّة 80 من الدستور من سبعة نواب ينتخبهم مجلس النواب وثمانية من أعلى القضاة اللبنانيين رتبة حسب درجات التسلسل القضائي أو باعتبار الأقدمية إذا تساوت درجاتهم ويجتمعون تحت رئاسة أرفع هؤلاء القضاة رتبة وتصدر قرارات التجريم من المجلس الأعلى بغالبية عشرة أصوات وتحدد أصول المحاكمات لديه بموجب قانون خاص.
خبثُ المُشَرِّع! يعطي نصف زائِد واحِد للقضاة لكنّه يرهنُ تَعيينَهم بالأصل بيدِ أهل الحَل والرّبط في السلطَة السياسيَّة. في المحصَّلَة خمسَةَ عشر قاضٍ ونائِبٍ في مجلِس أعلَى للمحاكمَة لا تسمَح لَه تَركيبَته الطائفيَّة والهيمَنَة السياسيَّة عليه محاكَمة سارِق واحِد. مِن سَرقَة ماعون وَرَق إلى سرِقَة مليار دولار كلُّهُ يمرّ سالِماً مُعافى أمامَ المجلِس الأعلَى.
فرنسا أدّعَت عَلى كريستين لاغارد وبرنار تابي ولوران فابيوس وجورجينا دوفوا وإدمون هيرفي و سيغولان رويال وشارل باسكوا وإدوار بالادور وفرنسوا ليوتار وغيرِهِم بِغضّ النّظَر عَن تبرِئَتِهِم أو إدانَتِهِم والمجلِس الأعلَى لمِحاكَمَة الرؤساء والوزراء في لبنان أعجَز مِن أن يُحاكِم رَئيس جمهوريَّة أو رئيس حكومَة أو وزيراً أو نائِباً.
حبُّ فَرَنسا واحترامُ دستورِها وخدمَةُ شَعبِها أعطَى محكَمَة العدل للجمهوريَّة في فرنسا دوراً بالرّغمِ من الملاحَظات عليها. عندَما تُنتَخَبُ عضواً في مجلس النواب أو الشّيوخ لَا تَكون إلا في خدمَة فَرنسا. عندَمَا تُتنَخَبُ عضواً في مجلِس النواب اللبناني تصبِح صَديقاً أو مُعاوِن بوسطة لسائِقِ حافِلَتكَ الإنتخابيَة. أنتَ تسكنُ في لبنان فحَسب لكنَّكَ لستَ مواطِناً لبنانيّاً. أنتَ والحالَة هذه لبنانيٌّ ضِدّ لبنان. مستَعِدٌّ نظرياً ولكن بسبب تلاشي الشعور الوَطَني وغَلَبَة الشّعور الطائِفي والمَذهَبي مستعدٌ فعلياً لأن تبرّئَ المجرِمَ وتُجَرِّمَ البريء.
مجلِس أعلَى هيهات لَو يُحاكِم نفسَه ويصدِر قَراراً بحلِّهِ ذاتيّاً. نحنُ مِن جديد بِحاجَة إلى رؤيَة أبوابُ السّجون تُفتَح للسارِقين الكِبار ليدخلوا عبرَها. ليس الإكِتظاظُ مشكِلَةً إذا أخرَجنا مِنها السارِقينَ الصِّغار. حتّى ذلك الحين نبحَثُ بالسِّراجِ والفَتيلَة عَمن يحبّ لبنان.
ان المعلومات و الاراء و الافكار الواردة في هذا المقال تخص كاتبها وحده و تعبر عن وجهة نظره الخاصة دون غيره؛ ولا تعكس، باي شكل من الاشكال، موقف او توجهات او راي او وجهة نظر ناشر هذا الموقع او ادارة تحريره.
ان هذا الموقع و ادارة تحريره غير مسؤوليين عن الاخبار و المعلومات المنشورة عليه، و المنسوبة الى مصادرها بدقة من مواقع اخبارية او وكالات انباء.