نقلا عن المركزية –
تعبّر أوساط إعلامية قريبة من دمشق عن ارتياحها لمواقف رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، حتّى لو بدت هذه المواقف مثيرة للجدل داخليا. وتجاهر هذه الأوساط بمديحها للنائب باسيل على الرغم من وجود لغط كبير حول مواقفه الأخيرة. فهي تستند ولو بالشكل على “تفاهم” أنجزه باسيل مع رئيس النظام السوري بشار الأسد بعد “تفاهم” مماثل مع الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله.
في معلومات لـ”أساس”، مستقاة من هذه المصادر، أنّ النائب باسيل أجرى اتصالاً هاتفياً مع الرئيس الأسد استغرق قرابة ثلاثة أرباع الساعة. وفي المكالمة التي سعى إليها باسيل عبّر عن مواقف قديمة جديدة بشأن العلاقات بين “التيار” ودمشق، كان أرساها مؤسس التيار العماد ميشال عون قبل أن يصبح رئيساً للجمهورية. أرساها خلال الزيارة الشهيرة التي قام بها إلى سوريا بعد عودته من منفاه الباريسي إلى لبنان عام 2005.
تقول الأوساط نفسها إنّ باسيل تقاطع في موقفه “الجديد” مع معطيات تفيد بأنّ النظام السوري يواكب تحرّكاً روسياً نشطاً يهدف إلى فتح قناة اتصال بين النظام وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تمهّد، في حال وصلت إلى خواتيمها المنشودة، إلى ركوب نظام الأسد في قطار التطبيع مع إسرائيل. قطار انطلق العام الماضي وشمل أقطاراً عربية في المشرق والمغرب على السواء.
الجديد في المواقف التي أسمعها باسيل للأسد لم ينتهِ مع انقضاء المكالمة، بل استقرّ في شريط مسجّل، جرياً على عادة أجهزة النظام السوري منذ قيامه على يد الرئيس الراحل حافظ الأسد والتي تقوم بتسجيل الكلام على أنواعه، كي يكون “مُستنداً” في الوقت اللازم
الجواب الذي قد لا يحتاج إلى معلومات، هو ما صرّح به رئيس “التيار” في مؤتمره الصحافي الأخير. فهو بعدما أشار إلى أنّ السنة الحالية هي “سنة متغيرات كبيرة”، قال: “هي سنة انتخابات في إيران وسوريا وإسرائيل، يعني هناك وقت وفرصة لإعادة التفكير وترتيب الأوراق. إذا سنة متغيرات كبيرة، ماذا يجب أن نعمل نحن فيها؟”.
ثم يجيب باسيل على السؤال الذي طرحه بالهجوم على رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري ووصفه بأنّه “غير مؤتمن” على الإتيان بحكومة في “سنة المتغيّرات الكبيرة” وهي حكومة “بدها تاخد قرارات مصيرية بالتطبيع أو لا”.
ما قاله باسيل للأسد ومن وحي كلامه في المؤتمر الصحافي أنّ عهد الرئيس عون سيكون إلى جانب النظام السوري في هذه “السنة المصيرية”، قلباً وقالباً، ما يستدعي ألا يكون الحريري على مسرح الأحداث رئيساً مكلّفاً، بل سيكون هناك من يستطيع أن يمنح الأسد كلّ الأوراق اللازمة، بما فيها ورقة السير في التطبيع إذا ما كان هذا مفيداً للنظام السوري.
تمضي هذه المعطيات إلى توقّع حدوث تطوّر في موضوع التطبيع هذا في السنة الحالية مع العلم أنّ هناك جهوداً عربية ودولية داعمة لروسي تضغط لتحقيق هذا الهدف قبل الانتخابات الرئاسية السورية التي ستجري بعد أشهر قليلة، ما سيؤدي إلى تثبيت الأسد في موقعه الرئاسي
ربما يكون مفهوماً، استناداً إلى ما سبق، هذه الحملة التي شنّها رئيس الجمهورية بنفسه استكمالا لحملة صهره على الحريري. وليس الشريط المصوّر الذي وزّعته قناة “الجديد” التلفزيونية بالأمس وتضمّن حديثا للرئيس عون مع رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب خلال لقاء معه على هامش انعقاد مجلس الدفاع الأعلى، سوى تأكيد على سياق اتصال باسيل بالأسد. فعندما سأل دياب عون: “كيف أصبح وضع التأليف؟”، أجاب عون: “ما في تأليف.. عم يقول إنّو عطاني ورقة.. عم يكذب.. عامل تصاريح كذب، قديش غاب، ليك حظهن اللبنانيين.. وهلق راح ع تركيا”.
إذا كان الشريط هذا قد كشف المستور عند الرئيس عون، ماذا سيكون حال الصهر إذا ما جرى الكشف عن “مستور” اتصالاته مع دمشق؟
من يراجع ما نُشر حول الاتصال الافتراضي بين باسيل ونصرالله، يتبيّن له أنّ “حزب الله” يضع حليفه “التيار الوطني الحر” تحت المراقبة الدائمة. وإذا كانت خطوة رئيس “التيار” الاخيرة باتجاه رئيس النظام السوري تنطلق من “شطارة” ذاتية، فهذا ينم عن تبسيط يصل إلى حدّ السذاجة، لأنّ ما بين “حزب الله” وهذا النظام أكبر بكثير من أوهام الفريق العوني.
ربما كان لهذه الأوهام بعض المبرّرات قبل صدور العقوبات الأميركية بحقّ النائب باسيل. لكنّ بعدما صار “ورقة محروقة” غربياً، وفق تعبير أوساط نيابية، صار باسيل مجرّد لاعب صغير يلهو أمام اللاعب الكبير داخلياً، أي “حزب الله”. حزب سيقوم في الوقت المناسب بإعادة هذا اللاعب إلى الحلبة الصغيرة التي تناسب مقاسه. وهنا لا ضير في إعادة ما قاله في شباط عام 2019 مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا لموقع “العهد” الإخباري التابع للحزب عن تفاهم مار مخايل، فهو أوضح أنّ باسيل “شقفة” من الرئيس ميشال عون “لجهة المشاعر الجياشة التي يُكنها للسيد نصرالله”. فكما هو معروف أنّ الرئيس عون لا يستطيع إخفاء بريق عينيه في أيّ لقاء يجمعه بالسيد. تماماً فإنّ باسيل ينظر الى السيد نصرالله على أنّه من “القديسين”، وعندما يلتقي باسيل بالسيد فـ”إنّ أكبر مشكلة تنتهي بكلمتين”.
في الظاهر، انطوى كلام مسؤول “حزب الله” قبل عامين تقريباً، على مديح بحقّ الفريق العوني، لكنّه في مضمونه حمل تأكيداً على أنّ هذا الفريق في “بيت الطاعة”. ولن يطول الوقت قبل أن يسمع باسيل كلاماً يعيده من اللهو على المسرح السوري إلى ملعبه الصغير في لبنان.
ان المعلومات و الاراء و الافكار الواردة في هذا المقال تخص كاتبها وحده و تعبر عن وجهة نظره الخاصة دون غيره؛ ولا تعكس، باي شكل من الاشكال، موقف او توجهات او راي او وجهة نظر ناشر هذا الموقع او ادارة تحريره.
ان هذا الموقع و ادارة تحريره غير مسؤوليين عن الاخبار و المعلومات المنشورة عليه، و المنسوبة الى مصادرها بدقة من مواقع اخبارية او وكالات انباء.