طَلَبات امتِطاء حَمير
بِقَلَم روني ألفا
جريدة النهار الإثنين ٢١- ٦- ٢٠٢١
وُجومٌ على وُجوه سِمَةُ هذه الأيام. نتجوَّلُ سيراً على الأقدام أو نركَبُ مقصوراتِ سياراتنا على غيرِ هُدًى. قد نمتَطي الحميرَ غداً حسبَ تَلميحٍ غير مقصودٍ لأحدِهِم. كلُّ الحَميرِ التي رُشِّحنا لركوبها قد تتجمّعُ عن غيرِ قصدٍ هي أيضاً أمام وزارة الطاقة لاستقبال ” طلبات امتطاء “.
بالطبعِ أعصابُ النَّاس ” على آخِر “. يكفيها صوت زمّورٌ حتى تتلفظَ فورًا بأطولِ شتيمةٍ على الحَوضِ الشرقي للمتوسط. شتيمةٌ ربما يصعبُ على مجمّع اللغة العربية فكّ طلاسِمِها. التلفظُ بها يَكُونُ همساً بالكاد تسمعُه طبلةُ الأذنِ الداخلية.
السُّبابُ في خُفوتٍ يجنّبُ اللبنانيَّ خَطَرَ المواجهة مع غضَنفَرٍ من هنا وشمشونٍ من هناك. ثلاثُ علاماتٍ اذا اجتمعت معاً تصنَعُ القبضايات عندَنا. زجاجٌ داكن. عادمُ سيارةٍ مثقوب وتاتو أضخمُ من رسم الصبّوحة على حائط مقهى ” الهورس شو “سابقاً.ف
حاسَّةُ الشمِّ السياسيةِ لدَينا تكادُ تناهزُ حاسَّةَ هنري كيسنجر في اشتِمامِ الأحداث. الفرقُ بينَنا وكيسنجر أننا نَقرَأُ من طابورِ السيارات على محطاتِ الوقود التحولاتَ الإستراتيجية. ليس لكيسنجر خبرةٌ في خراطيمِها. إفلاسُ الدولةِ نشمُّهُ مع الأوكتان. يعرِفُ اللبنانيُّ الآثارَ الجانبيةَ للقاحِ أسترازينيكا أو بفايزر من تجربةِ جارته الشَّمطاء في الطابق السابع.
غالباً ما يصيبُ هذا المواطن في توقعاته. آرنولد توينبي المنقِّبُ في غياهبِ الحضارات ليس أكثر موهبةً من اللبنانيِّ الذي عرفَ كيف يسلّكُ حياته بين حضاراتٍ متعددةٍ حاولت إغراءَه وإغراقَه. من عروبته الى فينيقيَّتِه إلى كنعانيَّتِهِ ومشرقيَّتِهِ وفرنكوفونيته وأنكلوسكسونيته اختارَ اللبنانيُّ حضارةَ النرجيلةِ والسيجارِ الكوستاريكي.
بشرفكم. تأملوا في أساريرِ وجهِ أي مواطنٍ لبناني. كلُّها تتحدثُ عن الأمرِ نفسه. اعتذارُ الحريري مع انه مكلَّف . ضعفُ العهد مع انه قوي. حكومَةٌ لا تصرّفُ مع انها حكومةُ تصريف. دولارٌ يجنُّ جنونُهُ مع انه على منصة. فقراءٌ بمئاتِ الآلاف إنما ببطاقةٍ تمويلية.
أصغرُ لبنانيٍّ يفهمُ بالسياسةِ مثل أفلاطون. اللبنانيُّ مهندسٌ ومحامٍ وطبيبٌ ومدرّسٌ جامعيٌّ ومؤرخٌ وعالمُ إجتماع. يستقي معارفَهُ ويغرفُ منها بفضل سلام الراسي وزين الأتات لاعِناً كمال الصليبي وحسن كامل الصبّاح.
مرَّ على اللبناني كلُّ صنوفِ المآسي. التهجيرُ والموتُ والمرضُ والذلُّ والبؤسُ والحرمانُ والقصفُ والتفجيرُ والتدميرُ والإغتيالُ والإحتلالُ والتجويع. كلها انتصَر عليها بغالوناتِ الزيت الإنتخابي وكراتين الإعاشة وبانتخاب جلاديه. يتفاءلُ اللبنانيُّ بالخير علّه يجدُه. إذا عصِيَ عليه أن يتفاءلَ ” يتشاءل “.
حدِّقوا في عينَي اللبناني تجدوهُ ” ميِّتْ رَعبَة “. لم يصل بلدُه يوماً الى هذه المواصيل. حدسٌ يراوده أن لبنان الذي كان يعرفه رحلَ الى جهةٍ مجهولة. خطفه البعبعُ ولن يعيدَهُ قريباً.
لبنان عرباتُ التيك توك والحميرِ والبغالِ وسياراتِ جمهوريةِ الصين الشعبية وبوابيرِ الكاز وفوانيسِ الزيت هو لبنانُه. لبنان آخر على وشك أن يخرجَ من بوزِ قنينةِ العهد. رائحتُه أسوأُ من رائحةِ بَولِ البَعير وثيابُه ” خَرْج ” رقصة ” ستريبتيز ” في سوبر نايت كلوب رخيص.
وسطَ كل هذا يؤنِسُ اللبنانيَّ أن يرى على قارعةِ الطريق جندياً لبنانياً صار راتبُهُ ثمانينَ دولاراً. يشعرُ اللبنانيُ بالأمان. يشعرُ الجنديُّ بالجوع. جوعُ الجنودِ يُطعِمُ اللبنانيَّ وجبةَ أمانٍ يومية.
حسِبَ اللبنانيون ان الطبقةَ السياسيةَ ستستحي من المشاركينَ في مؤتمرِ دعمِ الجيشِ اللبناني الذي دعت اليه فرنسا فتهبُّ بمبادرةٍ منها الى تأسيسِ صندوقٍ سياديٍ تضخُّ فيه من أموالها لنصرةِ راتبِ الجندي . أموالُها أو أموالُنا لا فرق فَنحن واحد.
إتَّضَحَ ان السياسيين منشغلونَ بالجهةِ المخوَّلَةِ تسمية الوزيرينِ المسيحيينِ في الحكومة المرتَقَبة. مؤتمرٌ شاركت فيه عشرونَ دولةٍ عربيَّةٍ وأوروبيةٍ ومنظمات دوليةٍ بالكاد حَصَدَ ثلاثَ تغريداتٍ من أَهْلِ السياسة في لبنان.
كلمةُ حقٍ تُقال. اللبنانيُّ يستحقُّ تمثالاً من شمعٍ في متحف مدام توسّو. لا يقلُّ شأناً عن نابوليون والإسكندر والفاتحينَ الكبار مع فارقٍ هو أنَّ اللبنانيَّ فاتحُ نفسِهِ ومنافسٌ لأشدِّ الفاتحين هيبةً وجلالاً في التاريخ.
ان المعلومات و الاراء و الافكار الواردة في هذا المقال تخص كاتبها وحده و تعبر عن وجهة نظره الخاصة دون غيره؛ ولا تعكس، باي شكل من الاشكال، موقف او توجهات او راي او وجهة نظر ناشر هذا الموقع او ادارة تحريره.
ان هذا الموقع و ادارة تحريره غير مسؤوليين عن الاخبار و المعلومات المنشورة عليه، و المنسوبة الى مصادرها بدقة من مواقع اخبارية او وكالات انباء.