نقلا عن المركزية –
وجّه البابا فرنسيس السبت انتقادات لاذعة لـ”القوميات العدائية” في أوروبا ضد المهاجرين، مذكّراً بأن هؤلاء “طالبو ضيافة وليسوا غزاة” لأوروبا. ودعا، في ختام مؤتمر الكنيسة حول قضايا البحر المتوسط في مرسيليا، إلى السماح “بعدد كبير من عمليات الدخول القانونية والنظامية”، للحيلولة دون أن يصبح البحر المتوسط “مقبرة الكرامة”. وترأس البابا قداسا ضخما أمام 50 ألف شخص بملعب فيلودروم، ليختتم بذلك زيارة استغرقت يومين، عنوانها الأبرز الدفاع عن المهاجرين.
وتعرّضت تصريحات البابا لهجوم من قبل اليمين المتطرف الفرنسي، وقال الرئيس ايمانويل ماكرون رداً عليه، أن فرنسا “لا يمكنها استيعاب كل البؤس في العالم”.
ويشكل النزوح أزمة للعديد من البلدان، وقد يصبح في المستقبل أحد أسباب الصراع بين الدول. ووفقاً لأرقام المفوضية الأوروبية، دخل 2.3 مليون مهاجر إلى الاتحاد الأوروبي من دول خارج الاتحاد عام 2021، بزيادة قدرها 18% تقريباً عن عام 2020. فهل يكون النزوح سبباً للصراع المستقبلي بين الشعوب حول العالم؟
مدير مركز المشرق للشؤون الاستراتيجية الدكتور سامي نادر يؤكد لـ”المركزية” أن “البابا يتحدث من منطلق الاخوة الانسانية، وخطابه كان مؤثراً حيث قال إن اللاجئ لا يحق له أن يختار المقبرة التي سيدفن فيها، وصرخ صرخة ألم مُدوّية من تحوِّل البحر الابيض المتوسط إلى بحر الأموات. وبالتالي هذا يتضارب مع الجو السياسي العام أكان من قبل اليمين المتطرف او حتى من أشخاص في الوسط أو حتى اليسار الذي لطالما تعاطف مع مسائل اللاجئين على قاعدة المساواة بين الشعوب وكرامة الانسان أياً تكن طائفته أو أتنيته أو جذوره. هذا الخطاب كان يلتقي عليه في اوروبا عموماً وفرنسا تحديدا كل مَن آمن بالجمهورية، كما ان الثورة الفرنسية قامت على مبادئ الأخوة والمساواة. وجاء البابا ليذكّر بهذه القيم المؤسِسة. وذكرني خطابه بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عندما استقبلت السوريين في بداية الأمر وقالت “لا يمكننا أن نتنكّر للقيم المؤسِسة التي قام عليها الاتحاد الاوروبي”. طبعا خطاب البابا ذهب أبعد باتجاه الأخوة والانسانية، لكن خطابه لا يُباع او يُصرَف في السياسة، خاصة وأن سباق رفض اللاجئين أصبح العنوان الاساسي للحملات الانتخابية اياً يكن البلد”.
ويرى نادر أن “البريكست أصبح يقوم على خلفية تضارب السياسات بشأن اللاجئين، وبالتالي هناك جو سياسي عالمي وموجة سياسية مرافِقة ترفض ما قد يُستوحَى من خطاب البابا. بالرغم من أن الأخير لا يطالب بإدخالهم بل يتكلم عن المآسي الانسانية والحوادث التي تصادف اولئك المهاجرين في المراكب عبر البحر، وهذه مأساة انسانية، تجرح كرامة الانسان”.
ويشير نادر إلى أن “المسألة صعبة لأننا لا نتكلم عن حادثة واحدة او عن عدد قليل من اللاجئين أو عن حوادث عابرة، بل عن موجات قادرة على تفكيك المجتمع المضيف، وبالتالي لا أعرف ما إذا كان هناك حلّ لموضوع من هذا النوع، خاصة وان النزوح بات المشكلة الاولى التي يواجهها العالم اليوم. فلنأخذ مثلاً ظاهرة الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب التي جاءت على خلفية رفض النزوح الآتي من أميركا الجنوبية ومن أماكن أخرى. كما حصل أيضاً نزوح اقتصادي بالاتجاه المعاكس، حيث نزحت المعامل الى الصين في فترة معينة، واليوم يصار إلى إعادة جلبها الى الداخل الأميركي. فلننظر الى البريكست والى كل اوروبا. والأهم أن هذا النزوح يُستعمل كأداة ضغط في السياسة، وأكبر مثال على ذلك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وورقة النزوح السوري الى الداخل الاوروبي”.
ويشكل النزوح بحسب نادر “خطراً داهماً لأنه يوقظ من جديد ما يسمى بصراع الحضارات، ويؤدي الى صدام حضارة النازح وخصائصه الثقافية بحضارة المجتمع المُضيف المختلفة عن مبادئه وقيمه. أضف الى ذلك مسألة أخرى، خاصة في اوروبا، أنه يأتي على خلفية جُرح الاستعمار والدول المستعمِرة الذي لم يُدمَل بعد. وهذا ما شهدناه في المظاهرات التي عمّت فرنسا وأظهرت الى أي درجة جرح الاستعمار ما زال قائماً وهناك نوع من ردّة الفعل والنزعة الانتقامية لدى النازحين”.
ويعتبر نادر أن “الدول بدأت ترى ان هويتها مهددة، لكن أيضاً على الدول ان تنتبه من الهويات القاتلة، لأن الهويات والبلدان مرشحة دائما للتغيير، إنما تغيير لا يأتي بهذه الطريقة. أجدادنا كانوا مختلفين عنا، ونحن مختلفون عن أولادنا وأحفادنا. والتعاطي مع الامور يختلف حسب الأرقام والنسب وحجم الموجة، إذ أن لكل مجتمع طاقته الاستيعابية، وعندما يتخطى النزوح هذه الطاقة نكون أمام مشكلة. علماً ان النازحين اليوم باتوا ضرورة اقتصادية في بعض البلدان، خاصة في المجتمعات التي تشيخ ولا تُنجب أولاداً بأعداد كافية كي تلبي متطلبات اقتصادها، أكان من ناحية سوق العمل وطاقة العمل المطلوبة كي يبقى الاقتصاد تنافسياً وصامداً، خاصة الدول الغنية التي لديها فاتورة اقتصادية واجتماعية كبيرة بمعنى أنها ستدفع الضمان وتأمين البطالة والتقديمات الاجتماعية. هذه الامور يدفعها الاقتصاد، والذي بدوره يحتاج إلى عمال يعملون ويدفعون الضرائب. فإذا كان هذا البلد لا يستطيع ان يُنتِج لأن نسبة الخصوبة منخفضة عليه ان يستقدم العمال من الخارج. فرنسا استقدمت عمالاً من شمال افريقيا، وألمانيا من تركيا والولايات المتحدة الأميركية حدّث ولا حرج. هذه الدول بحاجة لهؤلاء العمال. هناك دولة تنجح في استقدام القوى العاملة أكثر من غيرها، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا حيث مشاكل الاندماج أقل. ففي بريطانيا رئيس الوزراء من أصول هندية ورئيس وزراء اسكوتلندا من اصول باكستانية. لذلك هناك بلدان قادرة ان تنجح اكثر من غيرها”.
ويختم نادر: “يجب ألا نخاف من اللجوء، لكن في الوقت عينه تحتاج الدول إلى تنظيم وسياسات لإبقاء النازحين في بلادهم. هناك مشكلة في توزيع الثروة من الأساس، حينما تم وضع نموذج اقتصادي في الفترة الاولى تحت عنوان المساعدات، أدّت الى تفريغ هذه البلدان من طاقاتها ولم تبن فيها اقتصادات. المشكلة متشعبة وتحتاج إلى سياسة بعيدة المدى”.
ان المعلومات و الاراء و الافكار الواردة في هذا المقال تخص كاتبها وحده و تعبر عن وجهة نظره الخاصة دون غيره؛ ولا تعكس، باي شكل من الاشكال، موقف او توجهات او راي او وجهة نظر ناشر هذا الموقع او ادارة تحريره.
ان هذا الموقع و ادارة تحريره غير مسؤوليين عن الاخبار و المعلومات المنشورة عليه، و المنسوبة الى مصادرها بدقة من مواقع اخبارية او وكالات انباء.