كتبت الإعلامية باميلا حنينة
في خضم الأزمات التي تعصف بلبنان، الواحدة تلوى الأخرى، وفي معركة شرسة مع جائحة كورونا التي أصبحت تشكل خطرا مجتمعيا حقيقيا في العالم وفي لبنان، كان ولا يزال للإعلام الدور الكبير في الإضاءة على المشاكل الحياتية اليومية كافة من الناحية الإقتصادية، المالية، المعيشية والصحية.
مع تطور وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب وظهور الإعلام الإلكتروني، لم يعد هناك من ضوابط أخلاقية لمهنة الصحافة أو للإعلام. وفي هذا الخصوص كنت قد شاركت في ندوة عبر تطبيق zoom عنوانها “التغطية الصحافية للمواضيع الحساسة” مع الحفاظ على أخلاقيات المهنة وحماية أنفسنا قدمتها الصحافية لونا صفوان. تندرج هذه الندوة ضمن سلسلة ندوات أطلقتها مؤسسة “مي شدياق” بالشراكة مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة وقامت بتمويلها كل من حكومتا اليابان وفنلندا ضمن المشروع الذي كان قد بدأ مطلع العام المنصرم حول العنف القائم على النوع الإجتماعي مع التركيز على إشكالية الإتجار الجنسي. مع غياب الضوابط الأخلاقية، لا بد من التذكير بأهم الأسس التي يجب على الصحافي/ة إتباعها عند تناوله مواضيع شائكة كقضايا العنف، اللاجئين، الزواج المبكر، المثلية الجنسية، عمالة الاطفال وغيرها. من أبرز هذه الضوابط هي مصلحة الناجي/ة، كتابة القصص والعمل على الشق النفسي للصحافي المتمرس.
جائحة كورونا وحالة الطوارئ الصحية شكلت تحديات كبيرة للطاقم الإعلامي والصراع للحفاظ على سلامتنا فجاء إنفجار الرابع من آب لكي يلقي بثقله على الصحافي/ة من الناحية النفسية والجسدية فضلاً عن حصول تغيّر في شكل التغطية المباشرة والتقارير الإخبارية التي كان من الضروري في اثنائها تجنب العناوين القاسية والغامضة واللغة المبتذلة حفاظا على مشاعر أهالي الضحايا والجرحى واللبنانيين عموما.
ان المبدأ الاساسي والاول في الصحافة عند التطرق لمواضيع حساسة هو الإبتعاد عن “السكوب” الإعلامي وحماية الأشخاص وعدم الكشف عن هويتهم لتجنب تحويل الخبر إلى فيلم سينمائي.
عند التغطية الإعلامية في المجتمعات ذات الخصوصية الحساسة كاللاجئين، المثليين والمعنفين، من الضروري التركيز على زوايا غير تقليدية للناجين/ات مثلا عند النساء: سوء التغذية، جهاز المناعة، الدورة الشهرية إضافة إلى دور وواجبات الوزارات المعنية. من ناحية اخرى يمتلك الإعلام سلاح التوعية الإيجابية تجاه مواضيع متعددة، من هنا يبرز التواصل الإنساني بين الصحافي/ة والناجي/ة مع الإبقاء على الحياد وكيفية التعامل مع القضايا. اما الحياد، فهو المبدأ الثاني الذي يرتكز عليه الاعلام السليم للسير في عملية تغيير المعتقدات الخاطئة والتقليدية التي تسبب حالات العنف الإجتماعي. تأتي لغة الجسد التي يكتسبها الصحافي من خلال عمله وخبرته على أرض الواقع كمفتاح رئيسي لتطوره في المهنة وعلى الصعيد الشخصي أيضا.
إلى جانب الصحافي/ة يوجد الإختصاصيين الذين يشكلون الحلقة الأبرز في التقارير وايصال المعلومات العلمية الخاصة في قضايا التزوير والفساد والتهريب والإتجار لأنهم سيضفون على الخبر الدقة والمصداقية، وبذلك تصبح التقارير دليلا علميا وعمليا للعاملين في القطاع أو للجهات المختصة. الأهم يبقى في ترابط عناصر التقارير عند التطرق لمواضيع حساسة كالعنوان الذي هو الكلمة المفتاح، المقاربة غير التقليدية للموضوع، شبكة العلاقات والتشبيك للوصول إلى المواد الضرورية بشكل علمي واللجوء الى الأرقام والإحصاءات الموثوقة تكريساً للشفافية للخروج بالاهداف المرجوة من هذه التقارير كالتوجيه والارشاد والوقاية…
أخيرا، وقبل ان تكون الصحافة مهنة كأي مهنة أخرى، فهي مسؤولية وتحدّ لكل من قرر خوض غمارها في ظل التضييق الذي يمارس على الصحافيين والإعلاميين من إنتهاك لحرية التعبير ودفع أثمان عند القيام بمهام صحافية. فمنهم من اختطف ومنهم من سجن ومنهم من قتل! بحسب منظمة “إعلاميون بلا حدود”، هناك تراجع لحرية الصحافة في العالم وخاصة في العالم العربي وبالتالي المجتمعات والمواضيع الحساسة إلى إزدياد في ظل الحروب والصراعات والفساد والفوضى المنتشرة جراء جائحة كورونا. يبقى الشغف بمهنة الصحافة البوصلة الأساسية التي نسير خلفها لإختيار المواضيع لكسر حاجز الخوف والمضي بالحفاظ على أخلاقيات المهنة شرط الحفاظ على سلامتنا وسلامة الناجين/ات. الخوف مباح، اما العلاج ففي الكتابة وسرد القصص وهو كناية عن التحرر الذاتي، لذلك تحية إلى جميع الصحافيين/ات العاملين في زمن كثر فيه الفساد والوباء.
ان المعلومات و الاراء و الافكار الواردة في هذا المقال تخص كاتبها وحده و تعبر عن وجهة نظره الخاصة دون غيره؛ ولا تعكس، باي شكل من الاشكال، موقف او توجهات او راي او وجهة نظر ناشر هذا الموقع او ادارة تحريره.
ان هذا الموقع و ادارة تحريره غير مسؤوليين عن الاخبار و المعلومات المنشورة عليه، و المنسوبة الى مصادرها بدقة من مواقع اخبارية او وكالات انباء.