نقلا عن المركزية –
أسبوع “التخبيص” الدبلوماسي عبر تهشيم العلاقات اللبنانية – السعودية، واستباحةِ السيادة عبر عراضات مناصري النظام السوري الاستفزازية، وانتهاكِ الشرعية عبر استمرار اطلاق الصواريخ اللقيطة من منطقة الـ1701 جنوبا نحو الاراضي المحتلة، أقفل على انتكاسة “سياسية” هذه المرة، من “العيار الثقيل”، تمثّلت في تثبيت الخلاف الحكومي المستفحل بين بعبدا وبيت الوسط، في صورة غير مسبوقة، تنبئ بأن الشغور سيبقى سيّدا الى أجَل غير مسمّى، بعد تكريس الشرخ بين الجانبين المعنيين بالتأليف. فالهوّة التي تباعد بين العهد والرئيس المكلّف، والتي تحول منذ 8 اشهر، بالتمام والكمال، دون التشكيل حكومة، اتّسعت رقتها بقوة، في ضوء مضمون الكلمات التي ادلى بها الفريقان اليوم على خشبة الاونيسكو خلال جلسة مناقشة رسالة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى البرلمان حول التأخر الحاصل في التأليف.
هجوم مباشر: لم يساير الرئيس المكلف سعد الحريري او يسالم او يهادن، بل اعتمد هذه للمرة تكتيك “الهجوم المباشر”. ورغم نبرة رئيس تكتل لبنان القوي النائب جبران باسيل التي اتسمت بنوع من المهادنة، وقد تحاشى تسمية الحريري في كلمته، مطالبا الاخير بعدم خلق اعراف جديدة لانها ستعرقل التأليف، داحضا عن فريقه تهمة السعي وراء ثلث معطّل، ومطالبا الرئيس المكلّف بلائحة مفصلّة كاملة بالحقائب والاسماء والجهات التي اختارتها، لان من حق رئيس الجمهورية معرفتها كونه ليس باش كاتب في التأليف.. رغم المضمون هذا الذي لم يخرج عن إطار “المتوقُّع” من قِبل رئيس البرتقالي، رفع الحريري السقف عاليا، نازعا قفازاته ومتهما الرئيس عون من دون مواربة، بالتعطيل لاكثر من مرة في السنوات الماضية، وبالسعي للتخلص منه كرئيس مكلّف وبالعمل لتعديل الدستور، وإلا فتعطيله.
كلمة الحريري: الحريري قال “ظاهريا نحن أمام أمام رئيس للجمهورية يمارس حقّه القانوني بتوجيه رسالة إلى مجلس النواب ولكنّنها بالفعل أمام رئيس يقول للنواب “أنتم سمّيتهم رئيساً للحكومة أنا لا أريده ولا أسمح له بالتشكيل فتفضّلوا خلصوني منه. نحن أمام رئيس للجمهورية يريد منا تعديل الدستور وإذا لم نفعل يريد تغيير الدستور بالممارسة من دون تعديل وبانتظار أن يكون له ما يريد يُعطّل الدستور والحياة السياسية في البلد والأخطر من ذلك يُعطّل أي أمل أمام اللبنانيين بوقف الانهيار المريع. علينا أن نعترف أن فخامة الرئيس يمتلك تجربة كبير، لا بل باعا طويلا في التعطيل.. من تعطيل تشكيل حكومات متتالية لأشهر طويلة وأذكر منها على سبيل المثال 11 شهرا لتشكيل حكومة سلام وكلنا يذكر “كرمال عيون مين” وصولاً إلى تعطيل تشكيل حكومتي الاخيرة 7 أشهر”. واكد ان الفريق الرئاسي يسعى الى الحصول على الثلث المعطل ليتمكن من اسقاط الحكومة متى يشاء، قائلا “آخر حيلة خرقاء للوصول إلى الثلث المقنع، هي بالقول انه لا يحق لرئيس الحكومة المسلم، ان يسمي وزراء مسيحيين…لمن يقول هذا الكلام التافه، اجيب: ان هذا الرئيس للحكومة… اللبناني، اللبناني، اللبناني… لا يريد ان يسمي اي وزير مسيحي، ولا اي وزير مسلم”. وتابع “بمناسبة الحديث عن حقوق الطوائف والميثاقية، لم اجد فخامة الرئيس ميشال عون منزعجا من تكليف رئيس للحكومة الأخيرة، باصوات قلة فقط من الزملاء السنة، ثم بتشكيلها بثقتهم وحدهم، علما انه في المقابل لم يجد اي مانع في ان يسمي رئيسها وزراء من المسيحيين”. واردف “طوال 7 اشهر، نضع الرئيس المكلف امام معادلة مستحيلة: إما أن تشكل الحكومة كما يريدها فريق رئيس الجمهورية السياسي، منتحلا ارادة فخامته وزاعما ان لا مطلب له، وإما لا حكومة”، جازما: لن اشكل الحكومة كما يريدها فريق فخامة الرئيس، ولا كما يريدها اي فريق سياسي بعينه، لن اشكل الحكومة إلا كما يريدها وقف الانهيار ومنع الارتطام الكبير الذي يتهدد اللبنانيين في أكلهم وصحتهم وحياتهم ودولتهم. وختم ” الحريري: لن أستجيب للعنعنات الطائفية ولستُ مستعدّاً لأكون شريكاً في أي إخلال في التوازن الدستوري ولا في الاتزان الوطني ولن أسهم في تسهيل المشاريع العدمية.
مداخلات وموقف: وكانت كتلة الوفاء للمقاومة دعت في كلمتها في الجلسة، الى التواصل بين المعنيين والتنازل لتشكيل حكومة. اما اللقاء الديموقراطي فدعا الى الذهاب نحو تسوية. الجمهورية القوية من جهتها، أسفت لان ذهنية المحاصصة لا تزال قائمة عبر مثلا تقسيم الحصص الى “3 ثمانيات”، معتبرة ان “مَن جرّب المجرب كان عقله مخرّب”. اما “المردة” فدعت بدورها الى الترفّع عن الانانيات لتسهيل ولادة الحكومة… وفي نهاية الجلسة، صدر عن المجلس النيابي الموقف التالي (قال بري انه صدر بالاجماع في حين تردد ان نواب القوات والتيار تحفظوا عليه) وجاء فيه “بعد الاستماع إلى رسالة رئيس الجمهورية حول مسار تأليف الحكومة الجديدة وبعد النقاش حولها اتّخذ المجلس النيابي الموقف وهو ضرورة المضي قدماً وفق الأصول الدستورية من قبل رئيس الحكومة المكلّف للوصول سريعاً لتشكيل حكومة جديدة بالاتفاق مع رئيس الجمهورية“.
في انتظار بعبدا: وبينما لن يعلو صوت على صوت السقوط المدوي لهيكل “التشكيل الحكومي” في قابل الايام، وفي انتظار موقف بعبدا من كلمة الحريري ومما انتهت اليه جلسة تلاوة الرسالة “نيابيا”، يبقى لبنان غارقا في ازماته الاقتصادية والمعيشية والدبلوماسية، والتي سيزيدها التعثر السياسي تعقيدا.
جعجع والانتخابات: في ظل هذه الاجواء القاتمة، رهان القوات كبير على الانتخابات النيابية. تأكيدا على ذلك، غرد رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع عبر حسابه على “تويتر” كاتبا: بعد كل شيء عاناه الشعب اللبناني، إذا كان البعض يريد أن يصوّت بنفس الطريقة التي صوّت بها سنة 2016 فلا حول ولا قوة إلا بالله. على الناس أن تتحمل مسؤوليتها لكن في تقديري الشخصي أن الناس لا يمكنها أن تتعرض لعذابات أكثر من التي تعرضت لها في هاتين السنتين.
تنويه رئاسي: على صعيد آخر، وفي اطار مساعي لبنان الرسمي الامنية والسياسية لحصر تداعيات “شحنة الرمان” الى السعودية ومعالجتها، بعد ان نجح، نوعا ما، في احتواء عاصفة مواقف الوزير شربل وهبي في حق المملكة، نوه الرئيس عون بـ “إحباط أكبر عملية تهريب حشيشة الكيف بوزن أربعة أطنان كان سيتم تهريبها عبر مرفأ صيدا القديم الى الإسكندرية”، مهنئا بـ “الإنجاز الذي حققته الجمارك اللبنانية بالتعاون مع مكتب مكافحة المخدرات في الشرطة القضائية ومخابرات الجيش والامن العام“. وكان الرئيس عون تابع مسار ضبط عملية التهريب من خلال التقارير التي وردت اليه، مشددا على ان “التعاون والتنسيق بين مختلف الأجهزة الأمنية الذي طالما دعا الى قيامهما، يحققان مثل هذه النتائج التي تظهر حرص لبنان على مكافحة التهريب على أنواعه وإحباط كل المحاولات التي تسيء الى سمعة لبنان والى علاقاته مع الدول الشقيقة والصديقة“.
شنكر: وسط هذه الاجواء، الدعم الاميركي للجيش اللبناني ثابتة لا تتغير، تماما كما فقدان واشنطن الثقة بالسلطة السياسية اللبنانية واستهدافُها حزب الله. فقد أكد مساعد وزير الخارجية الاميركي السابق لشؤون الشرق الاوسط دايفيد شنكر، ردا على سؤال حول الرسالة التي قدمها 25 نائباً اميركياً جمهورياً وديمقراطياً الى وزير الخارجية الاميركي انتوني بلينكن، لمساعدة لبنان، “ان الولايات المتحدة الاميركية تقدم الدعم للجيش اللبناني، علماً ان الجيش الاميركي لا يدفع معاشات الجيوش في الدول الاخرى، لكنه قدم المساعدات للجيش اللبناني على اكثر من مستوى وأضاف في مقابلة بثتها قناة الحرة “قدمنا ايضا مساعدات اجتماعية عبر البنك الدولي بقيمة 270 مليون دولار، لا اعتقد ان الولايات المتحدة يمكنها ان تفعل المزيد فعلنا الكثير من اجل لبنان وعملنا ايضا مع صندوق النقد الدولي على خطة اصلاحية. الامر يعود الان الى لبنان الموافقة على الخطة الاصلاحية والحصول على اموال من صندوق النقد الدولي لكن هذا يقرره لبنان، الولايات المتحدة لا يمكنها ان تفعل المزيد“. وقال “في واشنطن اعتقد الشعور هو ان حزب الله يسيطر على لبنان ليس هناك من سوء تفاهم في هذا المجال، نعرف ان ايران تلعب دورا سلبيا في دعم حزب الله في لبنان ومساعدته على السيطرة على البلاد، لكن الواقع هو ايضا ان الشيعة الذين يمثلون 30 في المئة من المواطنين اللبنانيين يدعمون حزب الله وكذلك الحزب المسيحي الاول في لبنان يدعم سيطرة حزب الله على لبنان، حزب الاصلاح والتغيير. .. وقال شينكر ردا على سؤال “الولايات المتحدة تقدم المساعدات فقط الى الجيش اللبناني، لكن لا احد يعتبر ان الحكومة اللبنانية يمكن ان نثق بها لتوزيع المساعدات الدولية بطريقة نزيهة وغير فاسدة وشفافة، وهذا هو الواقع الذي ينسحب على كل المساعدات الخارجية. ولكن بالعودة الى الخطة التي تكلمنا عنها والمخاوف المتعلقة باستقرار لبنان وتأثير عدم استقرار لبنان على المنطقة اعتقد ان هذا الواقع تم تخطيه. لبنان اصبح دولة غير مستقرة. على الشعب اللبناني ان يقرر، الامر لا يتعلق فقط بايران وبحزب الله هناك ايضا التيار الوطني الحر والرئيس ميشال عون والنائب جبران باسيل صهر الرئيس وهما لا يريدان حكومة من التكنوقراط تبدأ بالاصلاحات لأن ذلك سيقوض موقع حزب الله وكذلك بعض الاطماع السياسية للسياسيين اللبنانيين“.
المقاومة والتحرير: ليس بعيدا من الحزب، تتجه الانظار الى الكلمة المرتقبة للامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في عيد المقاومة والتحرير الثلثاء المقبل، والتي سيتطرق فيها الى الشأن المحلي السياسي والمعيشي والى تطورات الاراضي المحتلة عارضا موقف حزب الله مما آلت اليه الامور في فلسطين عموما وفي قطاع غزة خصوصا.
ان المعلومات و الاراء و الافكار الواردة في هذا المقال تخص كاتبها وحده و تعبر عن وجهة نظره الخاصة دون غيره؛ ولا تعكس، باي شكل من الاشكال، موقف او توجهات او راي او وجهة نظر ناشر هذا الموقع او ادارة تحريره.
ان هذا الموقع و ادارة تحريره غير مسؤوليين عن الاخبار و المعلومات المنشورة عليه، و المنسوبة الى مصادرها بدقة من مواقع اخبارية او وكالات انباء.