نقلا عن المركزية –
اذا كانت الحكومة قد ألزمت نفسها بتحقيق إنجازات ملموسة خلال عمرها القصير الذي يمتد على اشهر قليلة، فإنّ مصادر وزارية أكدت لـ”الجمهورية” :”انّ الحكومة تتفهّم استعجال اللبنانيين لرؤية انجازات سريعة تخفّف الضائقة المريرة التي تضغط عليهم، ولديها النيّة الصادقة في ان تعمل وتحقّق خطوات نوعيّة ضمن الفترة القصيرة لولايتها، خصوصاً أنّ ارادة العمل والانجاز هما المرتكز الاساسي لهذه الحكومة”.
وتخالف المصادر القائلين بعدم قدرتها على تحقيق اي اختراق، فقالت: طالما انّ ارادة العمل موجودة، يمكن ان تحقق الحكومة في فترة اسابيع قليلة ما عجزت عن تحقيقه حكومات سابقة خلال سنوات. إنّما الشرط الاساس هو الّا تجد نفسها مقيّدة بمزاجيّات سياسيّة ومداخلات تُفرمِل اندفاعتها، وتعطّلها وتجعلها غير قادرة على الاستمرار. وهذا معناه تعميق الأزمة وزيادة معاناة اللبنانيين، واكثر من ذلك نعدم ثقة المجتمع الدولي بلبنان، التي تضع الحكومة نصب عينيها استعادتها بإجراءات وخطوات إصلاحية سريعة”.
وما تذهب اليه المصادر الوزارية لناحية النأي بالحكومة عن المداخلات السياسية التعطيلية، أكدت عليه مصادر أممّية لـ”الجمهورية”، حيث أعربت عن ارتياحها للمناخ السائد حالياً في لبنان ومنح الحكومة الجديدة الثقة في مجلس النواب، الا انّها في الوقت نفسه لا ترى في ذلك نهاية المطاف، بل هو نقطة البداية للحكومة في الاستفادة من الفرصة المتاحة لها من مختلف المراجع والمستويات الدوليّة وترجمتها في خطوات اصلاحية وإنقاذية عاجلة تضع حداً لحال الشعب اللبناني المأسوية.
وإذ تؤكّد المصادر انّ وجود حكومة في لبنان هو حتماً أفضل بكثير من عدمه، وينهي حقبة طويلة من الفراغ الذي بَدا معه لبنان غير مُمسك بزمام أمور الدولة، تلفت الى ان لبنان يقف اليوم في نقطة الوسط بين ان يستعيد نفسه كدولة تلبّي طموحات شعبها وتستعيد ثقة المجتمع الدولي بها، وهذا بالتأكيد رهن بمقارباتها الإصلاحيّة المنتظرة منها، وبين ان يبقى مقيّداً في دائرة الأسباب ذاتها التي قادته الى أزمته الصعبة وفجّرت غضب اللبنانيين في ثورة تشرين الأول 2019.
ووصفت المصادر الأمميّة البيان الوزاري للحكومة بأنّه يتضمن نقاطاً تلبّي ما سبق للمجتمع الدولي ان حدّده كسبيل لإخراج لبنان من أزمته، وقالت: المطلوب هو التطبيق، وهذا يُلقي المسؤولية على القادة السياسيين في لبنان في ان يكونوا دافعاً لهذا التطبيق، لا أنّ يكونوا في موقع التعطيل والعرقلة، التي شهدناها في المراحل السابقة.
وفي السياق نفسه، قالت مصادر ديبلوماسية في العاصمة الفرنسية انّ باريس تنظر بارتياح الى التزام الحكومة اللبنانية المبادرة الفرنسية. إلّا أنها أكدت في الوقت انها تنتظر أن ترى ترجمة عملية عاجلة لهذا الالتزام. مشيرة الى انّ الحركة الديبلوماسية الفرنسية التي تكثفت في الآونة الاخيرة في اتجاه مختلف المرجعيات السياسية وغير السياسية في لبنان صَبّت في هذا الاتجاه، اضافة الى التأكيد على إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، خصوصاً انه الاستحقاق الذي ينظر اليه اللبنانيون كفرصة لإعادة بناء الحياة السياسية في لبنان على أسس سليمة.
واكدت المصادر انّه على رغم انشغال المستويات الفرنسية الرسمية بأزمة الغواصات الفرنسية لأوستراليا التي اشتعلت بين واشنطن وباريس، فإنّ لبنان ما زال يحتل أولوية المتابعة الفرنسية، سواء من الايليزيه او وزارة الخارجية الفرنسية. وبالتالي، فإنّ هناك تعويلاً فرنسياً كبيراً على نجاح الحكومة في تنفيذ برنامج المهمّة المحدّد لها.
على انّ هذا الامر مرتبط نجاحه، كما تقول المصادر الديبلوماسية في باريس، بانتهاج سلوك جديد في الحكم، يقوم أولاً على منح الحكومة فرصة للعمل بحرية وفق ما تقتضيه اولويات معالجة الازمة، من دون إعاقتها بمداخلات سياسيّة تفرّغ الهدف الإصلاحي المنشود من معناه الحقيقي. ويقوم ثانياً على ان تثبت الحكومة نفسها كفريق عمل متجانس، كما اعلن رئيسها نجيب ميقاتي، وليس فريق عمل تُديره المرجعيات السياسيّة وفق أهوائها وحساباتها السياسية والحزبيّة”.
والبارز في هذا السياق، ما كشفه مرجع مسؤول لـ”الجمهوريّة” من أنّ تأكيدات قطعت له بأنّ اللبنانيين سيلمسون خطوات حكومية في القريب العاجل، وقد بُنيت هذه التأكيدات على أساس ان رئيس الحكومة في هذا التوجّه.
الا أنّ المرجع، على رغم ممّا يَصفه الاندفاعة الحكومية لتحقيق خطوات علاجية ملموسة، فإنّه يقول “لا يرتاح بالي إلّا اذا رأيتُ تلك الخطوات قد نفّذت وصارت أمراً واقعاً على الارض”. وقال: “صحيح ان المناخ العام يتسِم بإيجابية ملحوظة، لكنّني أفضّل أن أبقي الحذر قائماً اذ لا يكفي حسن النيّة العلنية، خصوصاً اننا اكتوينا في السابق بإعلانات متتالية لحسن النية لم يَتأتَّ منها سوى التعطيل. فأنا، وحتى يثبت العكس، ما زلت أخشى من أن توقِظ الشياطين خلاياها النائمة بتفاصيل الملفات، لجعل الحكومة حلبة صراع سياسي وابتزاز مُحاصصاتي وتسجيل نقاط شعبوية ربطاً بالاستحقاقات المقبلة، وفي مقدمها الانتخابات النيابية.
وكشف المرجع المسؤول انّ المراسلات الغربية والاوروبية، وكذلك ما تؤكد عليه السفارات في لبنان تتقاطَع عن التحذير من تعطيل المسار الحكومي، ومحاصرة الحكومة بمداخلات سياسية على غرار ما كان يحصل في السابق، ومطالبات تعجيزية تناقض وتُحبط المنحى الانقاذي الذي على الحكومة ان تتّبِعه في هذه المرحلة، فتكرار هذه السياسة يشكّل مقتلاً للحكومة وإحباطاً للشعب اللبناني، وإعداماً للفرصة المتاحة، والتي قد تكون الأخيرة، لتجاوز لبنان محنته.
ان المعلومات و الاراء و الافكار الواردة في هذا المقال تخص كاتبها وحده و تعبر عن وجهة نظره الخاصة دون غيره؛ ولا تعكس، باي شكل من الاشكال، موقف او توجهات او راي او وجهة نظر ناشر هذا الموقع او ادارة تحريره.
ان هذا الموقع و ادارة تحريره غير مسؤوليين عن الاخبار و المعلومات المنشورة عليه، و المنسوبة الى مصادرها بدقة من مواقع اخبارية او وكالات انباء.