نقلا عن المركزية –
يقال في الامثال الشعبية: «للمحامي تلت القتلة». هل هذا يصح على الرئيس نبيه برّي، الذي أخذ على عاتقه، برعاية دولية السير بمبادرة، تقضي في ما تقضي، باستمرار المشاورات من أجل تأليف حكومة جديدة، قادرة على وقف الانهيار، وبالتالي التعامل مع المجتمع الدولي، الصديق والشقيق، الذي أبدى استعداداً للمساعدة في تجاوز الوضع، واستعادة العافية للدولة ومؤسساتها والليرة، ودورها في التنمية الاقتصادية والمعيشية.
من المتفق عليه، في الأوساط السياسية ان البيان الذي صدر عن مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية يطال مهمة الرئيس نبيه برّي ووساطته، في اشارته إلى «المرجعيات والجهات التي تتطوع مشكورة للمساعدة في تأليف الحكومة، مدعوة إلى الاستناد إلى الدستور والتقيد بأحكامه وعدم التوسع في تفسيره لتكريس اعراف جديدة ووضع قواعد لا تأتلف معه، بل تتناغم مع رغبات هذه المرجعيات أو مع أهداف يسعى إلى تحقيقها بعض من يعمل على العرقلة، وعدم التسهيل، وفي ممارسات لم يعد من مجال لانكارها..
والانكى في هجوم قصر بعبدا وصف ما يجري من تقدّم بـ«الزخم المصطنع» الذي يفتعله البعض في مقاربة ملف تشكيل الحكومة، لا أفق له إذا لم يسلك الممر الوحيد المنصوص عنه في المادة 53..
وبعيداً عن التجاهل أو التفسير الخاطئ وصف مبادرة برّي بالتدخل في عملية التأليف، فجاء في نص البيان: تطالعنا من حين إلى آخر تصريحات ومواقف من مرجعيات مختلفة تتدخل في عملية التأليف، متجاهلة قصدا او عفوا ما نص عليه الدستور من آلية من الواجب اتباعها لتشكيل الحكومة، والتي تختصر بضرورة الاتفاق بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف المعنيين حصريا بعملية التأليف وإصدار المراسيم.
وفي وقت لاحق، قالت مصادر مطلعة على موقف رئيس الجمهورية لـ«اللواء» أن البيان الذي صدر عن مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية لا يهدف إلى التصعيد أو التعطيل إنما تذكير من يجب بصلاحيات رئيس الجمهورية ودوره ومسؤولياته وإن ما من أمر يحصل بمعزل عنه لأنه في الفترة الاخيرة، صدرت مواقف ومبادرات عن أن هذه الجهة أو تلك أو هذا التجمع وذاك يشكلون الحكومة كما يبدو ويفرضون واقعا قائما، فأتى البيان ليذكر بالاصول الدستورية وبان الحكومة تلد بأتفاق بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف.
واذ أوضحت المصادر نفسها أن المساعي مشكورة لفتت إلى أنه يجب أن تكون ضمن الاصول الدستورية المتبعة وقالت: ليس صحيحا أن البيان هو ضرب لمبادرة رئيس المجلس النيابي.
واعتبرت ان البيان يترجم التوجهات التي كانت سائدة سابقا لدى الرئيس عون ولم تتبدل موضحة ان من يسعى إلى وساطة أو مبادرة لا بد من أن يدرك من أن القرار يعود إلى رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف كما أن عليه أن يدرك أنه لا بد من أن يكون محايدا وليس طرفا لأنه إذا كان ذلك فليس في إمكانه أن يقوم بمسعى أو مبادرة وعليه بالتالي اتخاذ موقع الوسط والدستور واضح في عملية تأليف الحكومة.
وأفادت أن هذا البيان يلمح بشكل أو بآخر إلى أنه إذا كانت جميع المرجعيات تتحدث وتدلي بمواقفها ولم تتمكن من إقناع الحريري أو جعله يؤلف الحكومة فما معنى لكل ما يحصل وبالتالي ستبقى المشكلة قائمة. وكررت القول أن البيان لا يهدف إلى نسف أو اسقاط مبادرة الرئيس بري إنما وضع النقاط على الحروف.
عين التينة: لا مصادر لدينا
ولم تتأخر مصادر مقربة من «عين التينة» في الرد على بيان رئاسة الجمهورية، وقالت لموقع «لبنان الكبير»: «إن هذا البيان يُراد منه القول لكل من يريد سعد الحريري «لا تتدخل». واذا كانت الرئاسة الثانية هي المقصودة فلا نريد أن نسمع ومن يريد الحريري كثر». وأضافت المصادر: «هذا البيان يشكّل اساءة جديدة لموقع رئاسة الجمهورية، ورد الاعتبار لا يكون بهكذا بيانات، وإذا كانت سياسة لن نسكت بعد اليوم هي السياسة المتّبعة والمعممة حالياً من قبل «التيار الوطني الحر» فنحن نرد: لا نوم بعد اليوم».
ولاحقاً، اصدر المكتب الاعلامي للرئيس بري بياناً جاء فيه: تداول احد المواقع الاخبارية مواقف منسوبة لمصادر عين التينة يؤكد المكتب الاعلامي للرئيس نبيه بري ان كل ما ورد في هذا الاطار غير صحيح وان لاشيء في عين التينة اسمه «مصادر».
وفي سياق متابعة مبادرته بالتنسيق مع فريق المهمة المكلف في الاليزيه، عقد لقاء في عين التينة بين الرئيس برّي والسفيرة الفرنسية في بيروت آن غريو، التي زارت بيت الوسط أيضاً والتقت الرئيس المكلف سعد الحريري.
وإزاء هذا التطور، حدثت اتصالات شارك فيها حزب الله، لوقف تداعيات بيان بعبدا، مما اضطر الرئيس برّي إلى الايعاز باصدار بيان عن مكتبه الإعلامي ينفي كلام «المصادر» لموقع لبنان الكبير..
في هذا الوقت، تحدثت مصادر عن انزعاج إقليمي من دور برّي في ما وصفوه بـ«تعويم» دور الرئيس الحريري، خلافاً لرغبات دول «نافذة في المحور».
ومضت المصادر ان نائباً له ارتباطات معروفة، يلعب دوراً في احراج رئيس المجلس، في إطار تحضيرات بدأت لفتح معركة رئاسة المجلس النيابي، قبل نهاية عهد الرئيس عون، تمهيداً لمرحلة سياسية جديدة..
وقال مصدر قيادي لـ«اللواء» ان معركة الحكومة الآن تخفي حقيقة «الصراع الكبير» الجاري بين منظومتين، احداهما مدعومة من عاصمة قريبة، ترغب في ابعاد ما تصفه الطبقة السياسية التي خذلتها في مرحلة سابقة.
وكشفت مصادر متابعة انه بعد تفاعل الخلاف بين بعبدا وعين التينة على خلفية المبادرة التي طرحها الرئيس بري لحل الازمة الوزارية وتسريع الخطى لتشكيل الحكومة الجديدة عن بعض دوافع الخلاف الناشب أساسا منذ تواتر الاحاديث عن مبادرة يعد لها بري منذ مدة، ولم تلق ارتياحا لدى رئيس التيار الوطني الحر منذ وضعها بالتداول جديا وقد بادر إلى التصويب عليها بشكل غير مباشر عبر مصادر قريبة منه، لقناعته بانها تواكب توجهات رئيس الحكومة المكلف وتدعم حركته لتشكيل الحكومة الجديدة بمواجهة الفريق الرئاسي.
وزادت في حدة الخلاف موقف رئيس المجلس النيابي وتعاطيه المتعارض مع رسالة رئيس الجمهورية ميشال عون الى المجلس النيابي واصداره توصية اعتبرت بمثابة صفعة محكمة لرئيس الجمهورية وتاكيدا لدعمه المتجدد لتكليف الحريري في مواجهة بعبدا.
ولعل ما زاد الطين بلة حسب المصادر المذكورة، انفتاح الرئيس المكلف وتعاطيه الإيجابي مع مبادرة بري وإبداءالاستعداد الكامل لترجمة تنفيذها عمليا، ما ادى الى حشر رئيس التيار الوطني الحر بالزاوية، لاسيما بعد التغطية القوية من الامين العام لحزب الله حسن نصرالله لهذه المبادرة.
ولم يطل الوقت لانكشاف موقف باسيل السلبي من تحرك بري، وكانت المشادة الحادة التي نشبت بينه وبين المعاون السياسي لبري النائب علي حسن خليل في اللقاء الشهير ألذي جمعهما مع ممثلي حزب الله، حسن خليل ووفيق صفا، من مظاهر الخلاف الحادة حول المبادرة المذكورة.
واشارت المصادر الى ان تغطية الحزب لبري على هذا النحو وتكبير حجم اتصالاته، زادت في اغضاب فريق بعبدا تجاهه وتوسيع هوة الخلافات بينهما وتحولها الى التراشق بالبيانات على اعلى المستويات.
وحددت المصادر احد الاسباب المباشرة لانكشاف الخلاف الحاصل ومرده تقدم بري بطرح مقبول كمخرج لازمة تشكيل الحكومة، يعتبره مرضيا لبعبدا وبيت الوسط، وحاز على تأييد حزب الله. وبعدما تسلمته الرئاسة الاولى نهاية الاسبوع الماضي لم ترفضه بالمطلوب. وكان منتظرا ان تعطي جوابها النهائي عليه مطلع الاسبوع الحالي. وعلى ضوء هذا الجواب الذي لم يرفض في البداية، كان يتم التحضير للقاء بين الرئيس المكلف ورئيس المجلس النيابي، لترجمة مفاعيله والمباشرة بإخراج عملية تشكيل الحكومة من دوامة التعطيل المتعمد.
الا انه وخلافا لما كان متوقعا، انقلب رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل رأسا على عقب ومتجاوزا التأييد المبدئي للرئيس عون ومعلنا رفضه القاطع له، ومبررا موقفه هذا بانه لايحق لرئيس المجلس النيابي بصفته رئيسا للسلطة التشريعية ممارسة هذا الدور الواسع على هذا النحو وكان له اليد الطولى بتشكيل الحكومة وحسب ما نقل عنه: «الحكومة ما بتتشكل عند بري» ونحنا ممنوع علينا نحكي بالحكومة بالبياضة. الحكومة بتشكيل بالقصر الجمهوري ببعبدا. وبعد هذا الموقف السلبي لباسيل واجهاض طرح بري، لم يعقد اللقاء الذي كان منتظرا بين بري والحريري لانتفاء سبب انعقاده، بينما نشطت المساعي على خط حزب الله وبعبدا لاستيعاب تداعيات الخلاف الحاصل والسعي لاعادة التواصل لحل ازمة تشكيل الحكومة التي باتت شبه مستعصية حتى اليوم.
وهكذا، وفي الوقت الذي تشاع فيه أجواء انفراجية على مستوى التأليف أكّد مصدر وزاري سابق لـ«اللواء» ان الأمور ما تزال مقفلة، وان ما يطرح من أسماء للتوزير لا يوحي بالثقة كون ان غالبية هذه الأسماء هي بمثابة ظل للسياسيين الحاليين.
ولفت إلى ان مشكلة التأليف أبعد من داخلية وهي تتعلق بشكل مباشر بما يجري في الخارج اما على مستوى الملف النووي، أو المحادثات غير المعلنة بين الرياض وطهران، وفي غياب التوافق الداخلي لا بدّ من انتظار وفاق خارجي يتأتى من هذه المسارات، مستبعدة ان يكون الرئيس عون في وارد ان يعطي الفضل للرئيس برّي في عملية حل أزمة تأليف الحكومة.
فقد اضاف بيان رئاسة الجمهورية حول المعايير الدستورية لتشكيل الحكومة تأزماً جديداً في علاقات الاطراف السياسية وتعقيداً إضافياً على تشكيل الحكومة، حيث طال اكثرمن طرف وإن كان البعض قد فسّره على انه يستهدف الرئيس نبيه بري ومبادرته، لا سيما بعد اعلانه مؤخراً دعمه للرئيس سعد الحريري وتأكيد الاخير على هذا الدعم بقوله ان بري هو الوحيد الذي يقف معه ويدعمه.
وبعد كلام نائب رئيس المجلس ايلي فرزلي من بيت الوسط عن تمسك الرئيس المكلف بالدستور لتشكيل الحكومة.فيما يستمر التأزم المعيشي والحياتي على ابواب محطات البنزين والصيدليات، بينما يتحضر الاتحاد العمال العام للإضراب غدا الخميس بحيث يشمل كل المناطق.
وليلاً، اجتمع الرئيس الحريري في بيت الوسط مع كتلته ونقل عنه قوله لنوابه: «انا عاطي فرصة هلق لمبادرة الرئيس بري ولهيك بعد ما اعتذرت وبس يقول بري أنا كعيت بعتذر وانا ما ح اقبل كون شاهد زور على انهيار البلد» وتابع: «واضح ان عون وباسيل لا يريدان تشكيل حكومة برئاستي».
واضاف: «بدن حكومة على قياسهم وانا ما رح شكل حكومة على قياس حدا لو شو ما صار».
ان المعلومات و الاراء و الافكار الواردة في هذا المقال تخص كاتبها وحده و تعبر عن وجهة نظره الخاصة دون غيره؛ ولا تعكس، باي شكل من الاشكال، موقف او توجهات او راي او وجهة نظر ناشر هذا الموقع او ادارة تحريره.
ان هذا الموقع و ادارة تحريره غير مسؤوليين عن الاخبار و المعلومات المنشورة عليه، و المنسوبة الى مصادرها بدقة من مواقع اخبارية او وكالات انباء.