إلى شَعرَةٍ في لِحيَة نيقولاوس….بقلم روني ألفا
إلى شَعرَةٍ في لِحيَة نيقولاوس
بقلم روني ألفا
إلتَحَيتَ يا شَفيعَ البَحّارَةِ منذُ ألفِ وستمئَة سنة. وزّعتَ مالاً وأيقوناتٍ ومعجزاتٍ على آهاتِ المُحتاجين. تخفّيتَ لِتعطي في جنح الظلام. أنزلناكَ بعدَ آلافِ السّنين من مِدخَنَة. من قدسيَّتِكَ المناضِلَة شَوّهناكَ برداءِ ” سانتا كلوس “. حوّلناك جوارِبَ مخمليَّةً حمراء ورَجُلَ ثلج يرسمُ خوفاً جميلاً على شِفاهِ أطفالِنا. فَقَدنا مخافةَ الله ولم نُبقِ منها سوى مخافةَ الحرمان من الهدايا الثمينة. استبدلنا ساعةَ الصَّلاة بساعات ” الكارتييه ” . أخرَجْنا الخاتِمةَ الحسنة وأَدخَلْنا خاتمَ الذَهَب. فضَّلنا مغارة علي بابا على مغارة يسوع. كلُّ ما يبعدُنا عن لحيتِكَ الجَليلةِ اقترفناه. نتَفَها السياسيون شَعرَةً شَعرة. استعَاضوا عنها بِتَبويسِ اللِّحى واللهو بِحطامِ العالَم.
كنتَ هديَّةً ثَمينَةً لأبَوَينِ عَقَرا طويلاً وفَحَشا ثَراءً. كلُّ مالِ الدنيا مقابِلَ الطفلِ الذي كنتهُ علَمَّهُما أنَّ مكاغاتِكَ اللطيفَةَ أثمنُ من الدّنانير وبسمَتَك البريئَة أبهى من كل ما يُقتَنَى. ماتت طفلَةٌ كَم تُشبِهُكَ في الرابِع من آب إثرَ انفجار المرفأ. لن تظهرَ لألكسَندرا نجّار هذه السنة من المدفأة. ستفرَحُ بِآثارِ خطواتِكَ الثلجيّة من صَقيعِ مقبَرَتِها. لو قُيِّضَ لها أن تصبِحَ أماً ولَن، لاستنجدَتْ بكَ تهدي أولادَها دميَةَ العيد وجوارِبَ الدّهشَة. ألكسندرا دميَتُنا في عيد ميلادٍ حزين يرطّبهُ شيءٌ من رجاء يسدِلُ على وجوهِنا تأوهاً أبكَم.
وهبَكَ الرّوح القدس موهبة إخراجِ الشياطين. أخرِجْ شياطينَ السياسَةِ من بَلَدِنا. لم تنجح أساطيلُ العالَم في إخراجِهِم. أجملُ الهَدايا في نهاية هذه السنة ارتحالُ أولئِكَ القَتَلَة عن حياتِنا اليوميّة. طرودٌ مفخّخَةٌ يا نيقولاوس إبعَث لَنا ولتَنفجِر بينَ أيدي السّفَلَة. تلطّخت أيديهِم في دمائِنا. لطّخها بوجعِ البَتر واستِجداءِ النّدامَة وقَيظِ الدّينونَة. بارِكَ خبزَنا كما كنتَ تفعَل في مدينَةِ ” ميرا ” التركيّة. عينُ المدينةِ كانت شاخِصَةً على البَحر. عيوننا مرتَحِلة إلى إهراءاتِ قمحِنا المتفرّسَة بالموج. نرافقها وهي تَرنو إلى خبزٍ باتَ عصيّاً على الفقير وعزيزاً على البائِس وطريّاً فقط على أضراسِ الأغنياء والمحاسيب والأزلام. أرسِل منه ربطةً إلى الجياع في زمانِ تُخمَةِ الحكّام. نسوا الله وتذكّروا رَنينَ القُروش.
جنّبتَ يا نيقولاوسَ ثلاثَ فتياتٍ يتامى من ممارَسَة الفَحشاء فوضَعتَ تحتَ شبّاكِ والِدِهِم مئة دينار مرّات عدّة. زوَّجَهُم بالفضيلَة في زمنِ الزُّناة. إشتَرِ يا نيقولاوس دعارَة المسؤولين بصَحوَة ضَمير. بأي انفجارِ شَعبيٍّ يتردد عصفُه في قبرص!
إلبِسْ حلّتَكَ الحمراء واجلِس على كلِّ كراسينا. كراسينا سوداء. حِلّتُها من دمِنا القاني وبقايانا المشلوحَة على ضِفافِ الإنتظار. تعالَ كلَّ يوم. مداخِنُنا مشتَعِلَة. عظامُنا حطبُها المتَقِّد. على عسيسِ النّار ساهرون بانتِظارِ هداياك. إبعَث لنا أمبراطوراً مثل قسطنطينِ البار. أخرَجَك من سِجنِكَ الصّغير. ننتظِرُ بِفارِغِ الصّبر قسطنطين جديداً يُخرِجنا من سِجننا الكَبير.
قلّةٌ يعرفونَكَ ثائراً. لَطَمتَ ولَكمتَ وضربتَ المضطَهِد. أجِّل عطاياكَ الناعِمَة هذه السنة والطُم واضرُب والكُم. أوثانُنا في كلّ مكان. في كلّ المقامات والكراسي والوزارات. حطِّمها. غزوَةٌ واحِدةٌ منك وتنهارُ كلُّ معابِدِ الطّغاة الذينَ أفقَرونا وجوّعونا وهَجَّرونا. شُلَّ يَدَ السيّاف وأطلِق سَراحَنا.
يا شَفيعَ البَحّارة. كم سفينَةً أنقذتَ من الغَرَق. كم رجلاً انتشَلَتَ كاد يبلعُهم البَحر. كانَ يَكفي للغريقِ أن يصرخ: يا نيقولاوس أَعِن عبد الله الغَريق. بسلطَةِ يسوع كان يجدُ نفسَهُ في بيتِهِ وثيابُهُ مبلَّلَة. إسحَبْ سَفينَتَنا المثقوبَة. أغرِق كلَّ قبطانٍ أخرَق. رُدَّنا إلى بيوتِنا مبلَّلينَ بالأمان.
أُحرُم رعيّتَكَ هذه السّنة من بَريقِ الذهَب وتوهّج الألماس. هِبها قليلاً من الإيمان وقناطير من الصّبر. يا صورَةَ الوَداعَة وفضيلَةَ الإمساك. أنقِذْ وَداعَتنا مِن أنيابِ آكلينا ومفتَرِسينا. شعرةٌ واحدة شارِدَة من لِحيَتِكَ المبارَكَة تغطّي بردَ الفقراء في قرانا الحزينة وتلبِسُهُم رِداءَ كرامَةٍ سلبَها القراصنة منهم وتزنّرُهُم بالرجاء الذي باتَ قابَ قوسين من الإستِحالَة. عيد ميلاد مَجيد سيّدي نيقولاوس وانحناءَة إلى مَهابَة لِحيَتِك المباركة.
ان المعلومات و الاراء و الافكار الواردة في هذا المقال تخص كاتبها وحده و تعبر عن وجهة نظره الخاصة دون غيره؛ ولا تعكس، باي شكل من الاشكال، موقف او توجهات او راي او وجهة نظر ناشر هذا الموقع او ادارة تحريره.
ان هذا الموقع و ادارة تحريره غير مسؤوليين عن الاخبار و المعلومات المنشورة عليه، و المنسوبة الى مصادرها بدقة من مواقع اخبارية او وكالات انباء.