نقلا عن المركزية –
ألقى الفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان خطبة عيد الأضحى من على منبر مسجد الإمام الحسين، في برج البراجنة بعد تأدية صلاة العيد، وقال: “الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا. الله أكبر على عظيم نعمه، الله أكبر على فيض كرمه، الله أكبر على تأدية نسكه، وهو القائل في كتابه: وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق * ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير”.
أضاف: “في مثل هذه الساعات الكريمة على الله من صباح هذا اليوم المشهود، يأذن الله تعالى لحجيجه أن يؤدوا أكبر طقوس الحج من يوم النحر، وهو يوم عزيز عند الله تعالى، يوم خصه الله بالرحمة والتوبة، والأمن والأمان، والشرف والرضوان، يوم أراد الله فيه للإنسان أن يعلن أمامه براءته من إبليس، بكل ما يعنيه إبليس من فساد وظلم، كأساس لعبوديته سبحانه تعالى؛ وأراد منه بتلك الطقوس تأكيد الانتماء له سبحانه في كافة المناحي الحياتية، فردية ومهنية واجتماعية واقتصادية وسياسية وغيرها، وفقا لقوله تعالى: وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله. لذلك الحج أيها الإخوة المؤمنون بالمبدأ الإلهي يعني التجرد، والعبودية الكاملة، والانقياد لله تعالى، وهذا يعني الالتزام بمشروعه على قاعدة: إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق، وعلى مبدأ: ولا تعثوا في الأرض مفسدين. فالحج موقف، وخيار فردي واجتماعي ووجودي يجرد الإنسان من الأنانية والإثم والعصيان، ويؤكد العدل كميزان، والحق كمرجعية، والإنسان كقيمة مقدسة، والأوطان كأمانة، والسلطة كمؤسسة لخدمة إنسان، وتكريس قيم الخير والتضامن والشراكة كأساس ميثاقي في الحياة البشرية، وهو الضرورة الماسة اليوم لبلدنا، لأن الأوطان لا تقوم إلا بالحق، والدول لا تستمر إلا بالعدل، والسلطة لا قيمة لها إلا بخدمة ناسها ومجتمعها”.
وتابع: “الدين عند الله ضمير، وإنسان، وخبز وطن، وأسواق محمية، وكيانات ضامنة، بعيدا من الفساد بكل فروعه وأصنافه، وهو أكثر ما نعاني منه، لأنه سبب الكارثة التي حلت ببلدنا وناسنا، والذي تحول معه وطننا معركة حرب سياسية مالية، وجمهورية مصارف، ومحتكري أرزاق، فيما أغلب الناس تئن من الجوع والفقر الشامل، لا ماء ولا كهرباء ولا دواء، ولا بنزين ولا مازوت، وسط انهيار قدرة الدولة ومؤسساتها بشكل مخيف، وأسواق أشبه بغابة، ووزارات لا وجود لها، وخاصة وزارات الاقتصاد والشؤون الاجتماعية والصحة. ولا يمكننا في يوم الله العظيم إلا التنديد بالفساد الكارثي الذي جعل البلد جمهورية موت، وفقر، وقتل مجنون، فيما يلفتنا العلاقة الوطيدة بين الدولار والنادي السياسي، والذي تحول إلى كابوس تجويع، وإبادة جماعية، وكارثة معيشية لا سابق لها في تاريخ لبنان”.
وقال: “أمام هول هذه البلايا، لا بد من توجيه الكلام إلى قسمين أساسيين، الأول للناس فأقول لهم: يا ناسنا وأهلنا، نحن أمام كارثة يختلط فيها الداخلي بالخارجي، وهناك قرار بتجويعكم وخنقكم وترويعكم، بخلفية سياسية دولية، وبأيد داخلية آثمة. فالمطلوب منكم أن تكونوا عائلة واحدة لتأكيد شراكتكم بكل شيء، وتذكروا جيدا أيها المسلمون وأيها المسيحيون أنه بمبدأ المسيح ومحمد: ليس من الله من لم يغث الناس، ومن لا يقاسم الفقراء حقهم؛ ليس من المسيح ومحمد من يستطيع إعانة الناس فلا يفعل؛ ليس من المسيح ومحمد من يغش الناس أو يمنع حاجاتها بالمخازن، أو يضارب على الليرة أو يحتكر السلع والأسواق؛ ليس من المسيح ومحمد من يخون الناس بنفطها وطحينها ودوائها وأسواقها وأسعارها وضرورات حياتها؛ فمن يفعل ذلك خائن لا محل له في ملكوت الله، وهو بضمير الأرض والقانون مجرم أثيم. أما الثاني، فهو للسياسيين فإني أقول لهم: لا شك أن أزمة لبنان قديمة جدا، وهي مرتبطة بالسياسات المختلفة المتعاقبة، ومنها السياسات النقدية المالية والقرار السياسي، وعقلية هذا لي وهذا لك، وقبل هذا وذاك، هي مرتبطة بالنظام السياسي الفاسد وبخاصة النظام الطائفي الذي صير البلد مزرعة، والدولة رشوة، والتلزيمات تنفيعة، وكشف الإدارات والمؤسسات العامة عن هدر وفساد ومغارة لا آخر لها. ولأن الوقت الآن هو لإطفاء النار، وفرملة السقوط، أقول: البلد للجميع، وليس لأحد حق حصري، أو صك امتياز. وما نعانيه اليوم هو بسبب متصرفية الطوائف، وعقلية أنا أو لا أحد، التي جعلت البلد طاحونة صفقات. فالمركب يغرق، والنار تلتهم الجميع، والكارثة طاولت كل لبنان، والناس تعيش طوابير الذل وجنائز الموت والبؤس، وفيما الجوع طرق كل باب، بدت جمهورية التجار مجرد ناد للعملة الصعبة، ناد مهووس بغريزة الذئاب، بعيدا عن شعب تنهشه نار الدولار والأسعار والاحتكار”.
أضاف: “لذلك المطلوب من القوى السياسية التفكير سريعا بوطن على وشك الاندثار، بدلا من التفكير بالانتخابات وخرائط الربح والخسارة، لأن الضرورة الأهم اليوم لبقاء البلد، وليس لبازار الكتل التصويتية. وإذا كانت القوى السياسية فعلا تريد حماية هذا البلد، فالمطلوب منها الاتفاق على حكومة قرار سياسي، وليس على أي شيء آخر، لأن البلد الآن، وقبل الانتخابات، بحاجة ماسة إلى حكومة قرار سياسي، قرار تاريخي ومفصلي وكبير بعروض صينية وروسية موجودة على الطاولة لأخذ قرارات كبيرة من شأنها إنقاذ البلد ومنع سقوطه. نعم، نريد حكومة قرار سياسي، تحدد لبنان أين، وضمن أي خيار كبير، وكفانا هروبا من الواقع، لأن البلد يهوي للجحيم، ونحتاج إلى قرار سياسي كبير يمنع هذا السقوط، والموجود على الطاولة فقط يحتاج إلى رئيس حكومة شجاع، وقوى وطنية شجاعة تسانده، وهذا يتوقف على حكومة قرار سياسي، لا حكومة انتخابات، أو حكومة تسويات بلا لون أو رائحة”.
وتابع: “البلد مهدد، وتنهال عليه الخناجر والسكاكين من كل جهة، وإذا طار البلد فأي بكاء على الانتخابات ينفع؟ التسول من البنك الدولي وصندوق النقد يمر حتما بواشنطن، التي تصر على استسلام لبنان أو الغرق، ونحن لن نستسلم ولن نغرق، والتحييد استسلام، وعدم أخذ قرار سياسي كبير بتحديد وجهة لبنان أيضا استسلام، وطمر الرأس برمل حكومة تكنوقراط أيضا استسلام، والحصار حرب، والدولار حرب، واحتكار الأسواق حرب، ومنع الدول القريبة والبعيدة عن إغاثة لبنان حرب، والأوامر الأمريكية صريحة بذلك. لذلك نحن نريد قرارا سياسيا، مرجعيته حكومة بيروت، وليس عوكر ولا غيرها، والذي يريد إنقاذ بلده يبدأ من بيروت وليس من أي مكان آخر، ولا ينتظر أحدا، والتعويل على إغاثة أمريكية أو أوروبية أو عربية خلافا للارادة الأمريكية هو وهم، ولذلك الحل بحكومة قرار سياسي، حكومة خيار وقرار، وبخاصة أن هناك قرارا أمريكيا وأدوات داخلية، بدأت تعيد خلط الأوراق والأدوار والأدوات للعبة متاريس سياسية، ربما تفتح أبواب جهنم على هذا البلد، كما أن هناك لوبيات مال وأفكار وأوكار متعددة الجنسيات، تعمل على إدارة مشاريع: شوارع وفوضى وتجويع وترويع كجزء من الأوراق الحامية لخوض الانتخابات النيابية، بخلفية قلب البلد، وتنفيذ أجندة قرار داخلي برلماني وحكومي، سيعمل على محاصرة لبنان من الداخل، تمهيدا للحظة انفجار داخلي، يأخذ في الاعتبار صفقات ما بعد منتصف الليل بتوقيت واشنطن وحلفائها، وعلى طريقة ضرب البلد من الداخل، “والعاقل من يحمي بلاده قبل فوات الأوان”.
وختم قبلان: “نعم الأنس بالله، ومن توكل على الله غلب، ومن انتصر بالحق فاز، ومن استذكر تاريخ هذا البلد بكل عطائه وسخائه وأوجاعه ومظلوميته يتيقن أنه على طريق تحريره من طغيان الفساد الدولي الإقليمي، والنصر، كما يقول أمير المؤمنين علي، صبر ساعة”.
ان المعلومات و الاراء و الافكار الواردة في هذا المقال تخص كاتبها وحده و تعبر عن وجهة نظره الخاصة دون غيره؛ ولا تعكس، باي شكل من الاشكال، موقف او توجهات او راي او وجهة نظر ناشر هذا الموقع او ادارة تحريره.
ان هذا الموقع و ادارة تحريره غير مسؤوليين عن الاخبار و المعلومات المنشورة عليه، و المنسوبة الى مصادرها بدقة من مواقع اخبارية او وكالات انباء.