
نقلا عن المركزية –
في خضم الاهتمام بالتحولات الكبرى الآتية من نيويورك، أثار الكلام الأخير للموفد الأميركي توم برّاك الريبة في الداخل اللبناني، الذي لم يكد يلتقط أنفاسه بعد تجاوزه قطوعاً كبيراً على خلفية قرار الحكومة بحصر السلاح بيد الدولة، وساهم في تبريد الأجواء الحراك الأخير للموفد السعودي يزيد بن فرحان الذي تركت اجتماعاته انطباعاً جيداً، وخصوصاً على خط “الثنائي الشيعي”، عبر اجتماعه بالنائب علي حسن خليل المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب نبيه بري، والذي تخلّله الاتصال بين الموفد السعودي وبري.
وأكّد مصدر سياسي رفيع لـ”الجمهورية”، انّ “الأجواء جيدة جداً وليست من فراغ، فالتطورات التي تلت الضربة الإسرائيلية لقطر تسببت بمضاعفات كبيرة طاولت إسرائيل نفسها التي تخوض حالياً معركة مفصلية في مسار الاعتراف بدولة فلسطينية ومنحها العضوية ضمن “حل الدولتين”، وهذا الأمر جعل كل الملفات تصبّ في مستنقع واحد”.
ويضيف المصدر “انّ ما يحصل في سوريا ليس تفصيلاً في المنطقة. فالمعاهدة بينها وبين إسرائيل هي حدث تاريخي سياسي من الطراز الثقيل، ولا تبدو في الأفق نهاية لكل مشاريع المنطقة او استقرار لها، لقد دخلنا عاماً ثالثاً من الحرب على غزة، فيما الضفة الغربية تغلي، ونحن حالياً في مخاض مسار عمره 80 عاماً”.
وعن كلام برّاك الأخير قال المصدر: “انّ هذا الموفد الأميركي يلعب دور من انتهى دوره، وأصبح ناقماً على لبنان لأنّه فشل في مهمّته، ما يعني أنّه يلعبها على الطريقة اللبنانية، مقابل سعيه إلى تحسين وضعه مع الإسرائيلي من خلال ما يعتبره إنجازاً له في سوريا، اي انّه يدفع لهم من “كيسنا”…
وعن الدور السعودي حالياً، قال المصدر: “ننتظر الترجمة والنتائج. ومن الطبيعي انّ ما يجري هو انعكاس لتفاهم إيراني ـ سعودي ما، لم تُكشف تفاصيله بعد. وما قول برّاك انّ إيران و”حزب الله” “أعداؤنا” وانّهما “أفاعي، يجب ان تُقطع رؤوسها”، إلّا رداً مباشراً على هذا التفاهم”.
وأشار المصدر إلى انّه “بعد مؤتمر الدوحة العربي ـ الاسلامي هناك توجّه مختلف عربياً، يرتكز على تخفيف السرعة”. وقال: “واضح انّ دول المنطقة تلعب كل منها ضمن هامشها في عملية خلط أوراق غير مسبوقة، وخصوصاً قطر والسعودية والإمارات والأردن ومصر، ولا يمكن فصل المنطقة عن الاختلال العالمي الحاصل”. وهنا يعود المصدر إلى لبنان فيقول: “نحن وزننا خفيف.. وعند تصارع الفيلة إحفظ رأسك”.
خرق القواعد
وفي سياق متصل، قالت أوساط سياسية لـ”الجمهورية”، إنّ ردّي رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نواف سلام على تصريحات برّاك، يعكسان حجم الإنزعاج الرسمي من مواقفه الأخيرة، مشيرة إلى انّه لم يكن ممكناً السكوت عنها بعدما خرق الديبلوماسي الأميركي القواعد الديبلوماسية المفترضة في سياق إبداء رأيه.
ولفتت هذه الاوساط، إلى أنّ برّاك لم يكتف بتجاوز الشكل بل حوّر أيضاً المضمون، متجاهلاً ما تفعله الدولة اللبنانية لتنفيذ القرار 1701 وللوصول إلى حصرية السلاح، بينما لم تبادر تل ابيب بعد إلى اي خطوة ولو صغيرة في المقابل.
ولاحظت الأوساط، انّ تصريحات برّاك لا تنسجم مع ما صدر عن “مديره” وزير الخارجية ماركو روبيو، الذي أكّد خلال لقائه رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون في نيويورك أمس، استمرار الدعم الأميركي للبنان، منوّهاً بالجهود التي بذلها الرئيس عون والحكومة اللبنانية لتمكين لبنان من استعادة عافيته وتجاوز الظروف التي مرّ فيها.
وتساءلت الأوساط نفسها عمّن يجب تصديقه، برّاك ام روبيو، الّا اذا كان هناك توزيع ادوار بينهما، بحيث يبوح الأول بما لا يريد الثاني الإفصاح عنه في العلن أقلّه حالياً.
وإلى ذلك، تعلّق الأوساط المواكبة أهمية خاصة على اللقاءات التي يجريها الرئيس عون في نيويورك، لكونها مناسبة لفهم الموقف الأميركي على حقيقته وفي جوهره، خصوصاً بعد الالتباسات التي أثارتها المواقف الصاخبة التي أطلقها توم برّاك قبل أيام، ومن خلالها نسف تماماً كل احتمالات النجاح في الوساطة، وحمّل لبنان المسؤولية عن المأزق.
وتركّز الأوساط على فهم حقيقة الموقف الأميركي مما يجري حالياً في لبنان، وعمّا إذا كانت الإدارة الأميركية تتبنّى فعلاً مواقف برّاك، أو أنّه شخصياً ذهب بعيداً في إطلاق مواقف نافرة، تماماً كما فعل في محادثاته الأخيرة في بيروت، عندما أطلق نعوتاً قاسية اضطر إلى التراجع عنها والاعتذار في وقت لاحق.
لكن هذه الأوساط تعتقد أنّ الغضب الذي عبّر عنه تجاه الحكومة اللبنانية، واتهامها بالاكتفاء بإطلاق الوعود الكلامية في مسألة السلاح، يعبّران فعلاً عن استياء أميركي رسمي. وهذا ما سيتضح للرئيس عون في لقاءات نيويورك.
ردّ بري وسلام
وكان بري اغتنم الذكرى الاولى للعدوان الإسرائيلي على لبنان ليردّ على مواقف برّاك، فشدّد على العناوين الآتية:
“أولًا: نُجدّد تمسّكنا باتفاق وقف إطلاق النار الذي التزم به لبنان، رئيسًا وحكومةً ومقاومةً، منذ اللحظات الأولى لنفاذه في السابع والعشرين من تشرين الثاني الفائت، في وقتٍ تمعن إسرائيل في خرقه وعدم الوفاء بأيّ من الالتزامات التي نصّ عليها الاتفاق، لجهة الانسحاب من الأراضي التي احتلّتها، وإطلاق الأسرى اللبنانيين، والسماح للجيش اللبناني بالانتشار بمؤازرة “اليونيفيل” وصولاً إلى الحدود الدولية في منطقة جنوب الليطاني.
ثانيًا: في انتظار موقفٍ لبناني رسمي يجب ألّا يتأخّر حيال ما صدر عن الموفد الأميركي في توصيفه للحكومة اللبنانية وللجيش والمقاومة، وهو توصيفٌ مرفوضٌ شكلًا ومضمونًا، لا بل مناقضٌ لما سبق وقاله. نؤكّد في هذا الإطار أنّ الجيش اللبناني، قائداً وضباطاً ورتباء وجنوداً، هم أبناؤنا وهم الرهان الذي نعلّق عليه كلّ آمالنا وطموحاتنا للدفاع عن أرضنا وعن سيادتنا وحفظ سلمنا الأهلي في مواجهة أي عدوانٍ يستهدف لبنان، وأبداً لن يكون حرس حدود لإسرائيل، وسلاحه ليس سلاح فتنة، ومهامه مقدّسة لحماية لبنان واللبنانيين.
ثالثًا: نُجدّد مطالبة الحكومة اللبنانية بضرورة الوفاء بالتزاماتها التي نصّ عليها البيان الوزاري، وخصوصاً لجهة المباشرة بصرف التعويضات لأصحاب المنازل المتضرّرة أو المهدَّمة، وضرورة أن تُبادر الحكومة إلى مغادرة مساحات التردّد لضبط هذا الملف الإنساني السيادي بأثمانٍ سياسية”.
ومن جهته، سلام ردّ على برّاك ببيان مستغرباً تشكّك الاخير “بجدّية الحكومة ودور الجيش”. وقال “إنّ الحكومة ملتزمة بتنفيذ بيانها الوزاري كاملاً ولا سيما لجهة القيام بالإصلاحات التي تعهّدت بها وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها بقواها الذاتية وحصر السلاح في يدها وحدها كما ترجمته قرارات مجلس الوزراء في هذا الخصوص”. واضاف: “كلّني ثقة أنّ الجيش اللبناني يضطلع بمسؤولياته في حماية سيادة لبنان وضمان استقراره ويقوم بمهماته الوطنية ومن ضمنها تنفيذ الخطة التي عرضها على مجلس الوزراء بتاريخ 5 ايلول الجاري”. ودعا المجتمع الدولي إلى “تكثيف دعمه للجيش اللبناني والضغط على إسرائيل للانسحاب من الاراضي التي تحتلها، ووقف اعتداءاتها المتكرّرة تنفيذاً لإعلان وقف الأعمال العدائية الصادر في تشرين الثاني 2024”. واكّد “إيمان لبنان العميق بإمكانية تحقيق سلام دائم في المنطقة بناءً على مبادرة السلام العربية للعام 2002، كونها ترتكز على مبادئ العدالة وأحكام القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، وتدعو إلى تمكين الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره بما فيه إقامة دولته المستقلة”.
في نيويورك
وفي غضون ذلك، التقى الرئيس عون روبيو في نيويورك في حضور الموفدين الأميركيين برّاك ومورغان اورتاغوس، وطلب “مساعدة الولايات المتحدة الأميركية على تأكيد التزام إسرائيل بمضمون اعلان 27 تشرين الثاني 2024، لوقف الأعمال العدائية في جنوب لبنان، وانسحابها من النقاط التي تحتلها، وإعادة الاسرى اللبنانيين المحتجزين لديها، وتطبيق القرار 1701 بكل مندرجاته، لا سيما وانّه لم يحصل أي خرق لهذا الاتفاق من الجانب اللبناني”. كذلك طلب الرئيس عون “دعم الجيش اللبناني بالعتاد والتجهيزات، كي يتمكن من أداء مهمّاته التي تشمل جميع المناطق اللبنانية، كذلك طالب بتوفير الفرص اللازمة لتحقيق السلام العادل والشامل والدائم في منطقة الشرق الاوسط. وطلب ايضاً دعم الولايات المتحدة الاميركية للجهود المبذولة لانعقاد مؤتمر مخصص لإعادة الإعمار في لبنان”.
من جهته، روبيو اكّد استمرار الدعم الاميركي للبنان، منوّهاً بالجهود التي بذلها الرئيس عون والحكومة اللبنانية لتمكين لبنان من استعادة عافيته وتجاوز الظروف التي مرّ فيها.
وحضر الرئيس عون واللبنانية الأولى السيدة نعمت عون الجلسة الافتتاحية للجمعية العمومية للأمم المتحدة، والتقيا قبل الافتتاح، الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش وعدداً من رؤساء الدول العربية والأجنبية بينهم الرئيس السوري احمد الشرع والرئيس العراقي، وولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد الصباح، الذي نقل إلى عون تحيات امير الكويت الشيخ مشعل احمد الجابر الصباح، واكّد “جهوزية الكويت الدائمة لمساعدة لبنان على مواجهة التحدّيات التي تعترضه، لانّها تعتبر انّ أمن واستقرار وازدهار لبنان، هي من الثوابت في السياسة الكويتية”.
واستقبل الرئيس عون نظيره القبرصي نيكوس كريستودوليدس، الذي وجّه له دعوتين لزيارة قبرص، الاولى في كانون الثاني المقبل عندما تترأس بلاده الاتحاد الاوروبي، والثانية في نيسان المقبل، حيث تستضيف قبرص اجتماعاً اوروبياً لتحديد ماهية المساعدات التي سيقدّمها الاتحاد الاوروبي إلى لبنان.
الموقف السعودي
في غضون ذلك، كرّر السفير السعودي وليد بخاري في الاحتفال لمناسبة العيد الوطني السعودي الذي أقيم في فندق فينيسيا، دعم المملكة للرئيس عون ورؤية رئيس الحكومة الإصلاحية. مؤكّداً “انّ الموقف السعودي في طليعة المواقف الدولية التي تشدّد على سيادة لبنان واستقلاله ووحدة اراضيه”. وقال: “لطالما تميّزت العلاقات السعودية ـ اللبنانية بمحطات مضيئة، ومواقف تعبّر عن المكانة المميزة التي يحتلها لبنان لدى وجدان المملكة. وسنواصل جهودنا مع شركائنا من اجل مستقبل افضل للبنان. والسلام في الشرق الاوسط خيارنا الاستراتيجي”. واضاف: “نثمّن دور رئيس مجلس النواب نبيه بري في تقريب وجهات النظر وتعزيز المسار الوطني اللبناني. كما نثمّن قرار مجلس الوزراء بحصرية السلاح، ونعتبره خطوة تأسيسية والشرعية حجر الأساس”.
وإلى ذلك، أبرق الرئيس عون إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وولي العهد الامير محمد بن سلمان، مهنئاً باليوم الوطني السعودي، ومعرباً عن إعتزازه “بروابط الاخوّة والتعاون التي تجمع بين بلدينا، وحرصي الدائم على تعزيز علاقاتنا الثنائية لما فيه خير شعبينا الشقيقين”، ومتمنياً “للمملكة وللشعب السعودي العزيز دوام الامن والاستقرار والمزيد من الازدهار والتقدّم”.
وزار النائب ميشال المر السفارة السعودية، حيث قدّم التهنئة للسفير البخاري لمناسبة العيد الوطني للمملكة، مشدّداً على “متانة العلاقات الأخوية التي تجمع لبنان بالمملكة، ودورها الداعم للبنان في مختلف المراحل”.
الاتحاد الاوروبي
من جهة ثانية، ندّد الاتحاد الأوروبي في بيان أمس “بالضربة التي شنّها الجيش الإسرائيلي وأسفرت عن سقوط عدد من المدنيين، بمن فيهم أطفال، يوم الأحد في جنوب لبنان”. وقال: “يأتي هذا الحادث عقب تصعيد جيش الدفاع الإسرائيلي هجماته وتحذيراته”، وحضّ على “الاحترام والتنفيذ الكاملين لاتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، ولا بدّ من معالجة المخاوف الأمنية من خلال الاستفادة الكاملة من آلية المراقبة المنشأة في إطار اتفاق وقف إطلاق النار”. ودعا الجميع إلى “أن يدعموا الجهود الحاسمة التي تبذلها حكومة لبنان بهدف ترسيخ حصر السلاح بيد الدولة”.
خامنئي و”الحزب”
وعلى صعيد الموقف الإيراني، تطرّق المرشد الاعلى السيد علي خامنئي في كلمة متلفزة إلى الشعب الايراني مساء امس، لمناسبة حلول شهر مهر (حسب التقويم الإيراني الموافق 23 ايلول)، شهر المدارس والجامعات وتحصيل العلم، إلى اقتراب الذكرى السنوية الاولى لاستشهاد الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، فقال: “لقد كان السيد حسن نصرالله رصيداً عظيماً للعالم الإسلامي، وليس للشيعة، ولا للبنان فحسب”، وأكّد “انّ هذه الثروة لم تذهب بل هي باقية، لقد رحل السيد حسن لكن الرصيد الذي خلّفه سيبقى خالداً”. واضاف: “انّ قصة حزب الله في لبنان هي قصة مستدامة، لا ينبغي إهمال هذه الثروة العظيمة التي تعود للبنان ولغيره”.
المنتدى الخليجي
وفي نيويورك ايضاً، التقى وزير الخارجية يوسف رجي، الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم محمد البديوي، الذي اقترح تنظيم منتدى التجارة والاستثمار الخليجي اللبناني في بيروت السنة المقبلة، بهدف تعزيز التعاون الاقتصادي وتشجيع مزيد من الفرص الاستثمارية بين دول الخليج ولبنان. ورحّب رجي بهذا المقترح، مشيراً إلى ما يمثله هذا المنتدى من فرصة لتعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري بين لبنان ودول الخليج العربي، بما يساهم في دعم مسيرة التنمية والاستقرار في لبنان والمنطقة.
“الجمهورية”
ان المعلومات و الاراء و الافكار الواردة في هذا المقال تخص كاتبها وحده و تعبر عن وجهة نظره الخاصة دون غيره؛ ولا تعكس، باي شكل من الاشكال، موقف او توجهات او راي او وجهة نظر ناشر هذا الموقع او ادارة تحريره.
ان هذا الموقع و ادارة تحريره غير مسؤوليين عن الاخبار و المعلومات المنشورة عليه، و المنسوبة الى مصادرها بدقة من مواقع اخبارية او وكالات انباء.