نقلا عن المركزية –
اشتعلت أمس الساحة الخارجية المحيطة بالسراي الحكومي، اعتراضاً على الزيادات غير المُرضية لرواتب ومعاشات موظفي وعمال القطاع العام… وعاد المتظاهرون أدراجهم خائبين، مهدّدين، ملوّحين بالتصعيد.. فيما راحت الحكومة تفتّش عن مصادر تمويل لتغطية هذه الزيادات التي تعتبرها إنجازاً في ظل انهيار غير مسبوق للعملة الوطنية!
ولم يكد يجفّ حبر تلك القرارت، حتى بدأ الحديث عن اتجاه الحكومة إلى رفع الدولار المعتمد في الرسم الجمركي من 45 ألف ليرة إلى 60 ألفاً لتغطية تكاليف الزيادات على رواتب ومعاشات القطاع العام التي أقرّها مجلس الوزراء أخيراً.
فهل نحن أمام قنبلة سلسلة رواتب جديدة قد تنفجر في جيوب اللبنانيين، قطاعاً عاماً كانوا أم خارجه، لتقضي على “أخضر” الزيادات و”يابس” الحدّ الأدنى؟!
رئيس دائرة الأبحاث الاقتصادية والمالية في بنك بيبلوس الدكتور نسيب غبريل يحذّر من خطورة الأمر لانتفاء الجدوى المأمولة منه، ويقول عبر “المركزية”: من البديهي أن يهدف رفع الدولار الجمركي إلى زيادة إيرادات الخزينة إن لتغطية زيادة رواتب القطاع العام وبدل النقل أو غيرها. لكن مع الإقرار بوجوب تحسين القدرة الشرائية لدى موظفي القطاع العام، هناك طرق أخرى لزيادة إيرادات الخزينة بعيداً عن زيادة الدولار الجمركي الذي تم رفعه بدايةً إلى 15 ألفاً ثم 45 ألفاً والآن التوجّه إلى الـ60 ألفاً، ما يعكس عدم استقرار ضريبي في ظل ضبابية الواقع الاقتصادي وغياب أي رؤية للمستقبل القريب.
ويعدّد في السياق مصادر متعددة تعزّز إيرادات الخزينة العامة من دون رفع الدولار الجمركي، كانت أهملتها الحكومات المتعاقبة. ومن أبرز هذه الإيرادات: معالجة التهرّب الضريبي، مكافحة التهرّب الجمركي، محاربة التهريب على الحدود في الاتجاهين، تطبيق قوانين موجودة لم يتم العمل بها حتى اليوم، معالجة موضوع الاقتصاد الموازي، تشجيع الشركات والأفراد على التصريح عن إيراداتهم وتسديد الضرائب المتوجبة عليهم عبر توفير الحوافز لهم في هذا المجال، فرض ضريبة استثنائية على مَن خزّن واحتكر وهرّب السلع المدعومة التي استوردها لبنان وكلّفت احتياطي مصرف لبنان 12 مليار دولار على أقل تقدير.
ويعتبر أن “تأمين الإيرادات من رفع الدولار الجمركي خطوة مضرّة بالاقتصاد ولا تخدم الغاية المرجوّة، بل على العكس… كما أن هذه الإيرادات غير كافية لتغطية تكاليف الزيادات المشار إليها آنفاً، ما يدفع بالحكومة إلى اللجوء إلى مصرف لبنان الذي سيضطر بدوره إلى طباعة المزيد من العملة الوطنية ما يؤدي بالتالي إلى مزيد من التضخّم”.
وإذ يؤكد أن “هذا الإجراء لا يُتخذ عشوائياً من دون أي خطة أو رؤية”، يلفت غبريل إلى أن “زيادة الرواتب لن تحسّن القدرة الشرائية لدى موظفي القطاع العام، بعد أن يكون رفع الدولار الجمركي قد تسبّب بغلاء الأسعار في ظل غياب أي رقابة من السلطات الرسمية”.
ويشدد على القول: نحن اليوم أمام فرصة سانحة لإعادة هيكلة القطاع العام، فالكل يعلم بوجود فائض في عدد موظفيه وعماله، وهناك بعض منهم انتفت وظائفهم منذ سنوات ولا يزالون يتقاضون رواتبهم إلى اليوم… كما يجدر التذكير بدخول 32 ألف شخص إلى القطاع العام ما بين عامَي 2014 و2018 لأسباب متعددة ومعروفة… من دون إغفال إضراب القطاع العام الذي شلّ الدوائر الرسمية وحَرَم الخزينة العامة من إيرادات يعوَّل عليها في ظل الأزمة المستفحلة.
ويخلص إلى القول: خطوة رفع الدولار الجمركي وحدها من دون سلّة إجراءات وفي ظل الشغور الرئاسي وحكومة في حالة تصريف أعمال منذ ما يقارب السنة، لن توصل إلى غايتها وبالتالي لن تحقق الإيرادات المأمولة والمتوقعة، ولن تكون الحل المرجو. إنما ستؤدي إلى انخفاض حجم الاستيراد واحتمال زيادة معدل التهرّب الجمركي. فإذا كانت نتيجة زيادة الرواتب والمعاشات، طبع المزيد من العملة وزيادة التضخم، فسيبقى موظفو وعمال القطاع العام في الدوامة ذاتها من دون أن يحققوا أي نتيجة في تحسين قدرتهم الشرائية التي تتعزّز من خلال ضبط التضخّم.. والأسعار.
ان المعلومات و الاراء و الافكار الواردة في هذا المقال تخص كاتبها وحده و تعبر عن وجهة نظره الخاصة دون غيره؛ ولا تعكس، باي شكل من الاشكال، موقف او توجهات او راي او وجهة نظر ناشر هذا الموقع او ادارة تحريره.
ان هذا الموقع و ادارة تحريره غير مسؤوليين عن الاخبار و المعلومات المنشورة عليه، و المنسوبة الى مصادرها بدقة من مواقع اخبارية او وكالات انباء.