لبنان ليس مقبرة الأحلام
ريتا شرتوني
في الثامنة عشر من عمري أيقنت أن حب الذات ليس أنانية وأن حب القيادة ليس تسّلط وأن حب النجاح ليس “فشخره” وأن الترتيب ليس بريستيج وأن العلم ليس كالثقافة وأن الغرور يختلف عن الكبرياء وأن النجاح هو سلّم إلّا في حال أنت ابن نائب او وزير ام ولدت في عائلة مالكة فأنت لا بدك منك ان تشعر بالعجز او بعدم الكفاءة فكل ذلك غير موجود في قاموسك، في بلادنا هذه مستقبلك هدية من الفطرة، حتى في دخولك للجامعة فأنت مخرّج من الامتحان الأول. أيقنت أيضاً أن سنة من عمر الإنسان بإمكانها أن تغير الكثير فكيف لو سبعة منها، تحدثت عن الثامنة عشر لأنه العمر المفصلي الذي يشعر به المرء أنه بإمكانه أن يغيّر العالم وأن هروبه من ضغوطات المدرسة الصغيرة سيجعله سعيداً في مدرسة الحياة ولكنه لم يكن على إدراك بأن في بلادنا هذه ليس بإمكانه تغيّر قدر قطرة مياه فهو من المستحيل ايضاً ان يبني عملاً كيف لو وطناً؟
كل سنة بين الثامنة عشر والخامسة والعشرين كانت خبرة واكتساب وأحلام وردية انتهت في كابوس كورونا، وتعددت حينها جبهات الحرب في وطننا وأصبحت كوابيس الليل واقع النهار وحلم النجاح لمس هاويته وفكرة التغييّر فقدت قلمها وكاتبها.
لم يعد لبنان رسالة سلام بل كفاح باحتراف.
لم يعد لبنان الجامع الموحد، لكم لبنانكم ولنا لبناننا.
تخطينا المصاعب بما فيه الكفاية وخضنا جميع الحروب.
في لبنان لم تنتهي حلول الأرض ولم تبقَ الحلول للسماء، فمن السماء بُعثت شباب وشاباتٌ ورجال لكل شدّة وقادة لكل قيد لكن جشع وهم حكام السلطة بدا أكبر بكثير من ذلك فأنا أسأل نفسي باستمرار ماذا تريدون حقاً؟
الأموال؟ فتبخرت والفضل يعود لكم بالتأكيد.
السمعة والصيت؟ حدث بلا حرج.
التباهي في كتب التاريخ؟ فأنتم أنذل ما سيذكر وخصوصاً أن حتى كتب التاريخ فأنتم متخاصمون عليها.
جلست مرةً في إحدى أزقة بيروت أتأمل المارة فلكل منهم قصة لكن باتت قصصهم متلاشية ولا كلام سوى الأوضاع الراهنة المزرية، سعر صرف الدولار والغلاء الفاحش، سعر ربطة الخبز، الأموال المنهوبة الحراك المدني و مدى فعاليته، التدقيق الجنائي، الحياد، رسم الحدود، الحرب الأهلية، البطالة، الكهرباء، المياه، الصرف الصحي، الأموال المحجوزة لدى البنوك، الطائفية و التقسيم المناطقي، المحسوبيات والواسطة، السلاح المتفلّت، كورونا والحظر، الإسكان، الحد الأدنى للأجور، التهافت على المدعوم، أبسط حقوق الإنسان والأهم العدالة للضحايا والجزاء لمرتكبي جريمة مرفأ بيروت.
كل ذلك أليس كثيراً على شعب قد فقد شغفه بكل شيء؟
إننا نحارب على ألف جبهة وجبهة وليس باليد حيلة. أتعلمون لماذا؟
لأننا ندفع ثمن وهم الإستقلال من عهود ولأن الشياطين الخرس وأشباه الرجال كثر.
فالمتحدثين في بلادي لا نصيب له بالعيش إما يُغتالون، إما يُهددون، إما يعتقلون.
فلبنان ليس مقبرة الأحلام كما يقولون.
بل هو المكان حيث جميع الكوابيس والأحلام السوداء تتحقق كلّ يوم.
إصحوا يا سياسيي بلادي فأنتم تسرقون من أعمارنا أجمل الأيام و لكن، مهما تعددت جبهات لبنان وأطفئطم أنواره سنظل الصوت الصارخ للحق والاستقلال وسلاح الوطن ونور العالم.
ان المعلومات و الاراء و الافكار الواردة في هذا المقال تخص كاتبها وحده و تعبر عن وجهة نظره الخاصة دون غيره؛ ولا تعكس، باي شكل من الاشكال، موقف او توجهات او راي او وجهة نظر ناشر هذا الموقع او ادارة تحريره.
ان هذا الموقع و ادارة تحريره غير مسؤوليين عن الاخبار و المعلومات المنشورة عليه، و المنسوبة الى مصادرها بدقة من مواقع اخبارية او وكالات انباء.