نقلا عن المركزية –
كتب مصطفى فحص في “الشرق الاوسط”:
ليس مبالغة القول إن نتائج انتخابات نقابة المهندسين في بيروت، يوم الأحد الفائت، شكّلت تحولاً نوعياً في عمل قوى المعارضة الشبابية التي تشكلت بعد انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول)، وانتهت بانتصار كاسح للمعارضة، بعدما نجحت في خوض الانتخابات شبه موحدة باسم «النقابة تنتفض» بوجه كل لوائح السلطة مجتمعة، وقدمت خيارات تمثيلية جديدة لطبقة مؤثرة اجتماعياً وسياسياً.
ففي الوقت الذي تمكنت فيه مجموعات الانتفاضة من توحيد جهودها واجتمعت من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، إضافة إلى القوى المدنية وشكّلت كتلة ضاغطة، ظهرت أحزاب السلطة في صورة عاجزة عن حشد مؤيديها في واحد من أهم القطاعات الإنتاجية، إضافة إلى ترهل خطابها وفقدانها للمشروع، ما تسبب لها في هزيمة قاسية تحت ضربات التصويت العقابي، الذي جاء نتيجة لسنوات من الهيمنة على النقابات وإفراغها من مضمونها المهني وإدارتها على طريقة المحاصصة الطائفية والحزبية.
في انتخابات نقابة المهندسين، برز التصويت العقابي وفتح مؤشراً خطيراً بالنسبة لأهل السلطة عن احتمالية أن يتكرر في انتخابات نقابة المحامين ونقابة الأطباء، وفي أي انتخابات نقابية أخرى من المحتمل أن تجري لاحقاً، خصوصاً إذا كررت المعارضة الأداء نفسه، كما أن هذا الإنجاز فتح في أذهان أحزاب السلطة مسألة الانتخابات النيابية المقبلة في ربيع 2022. وبرغم ما تمتلكه من إمكانات مادية وتنظيمية، إضافة إلى السلاح، فإن دخول عامل التصويت العقابي سيدفعها لإعادة التفكير في كيفية خوضها الانتخابات أو التوافق على تأجيلها.
ليس من الضروري أن تنعكس انتخابات نقابة المهندسين على الانتخابات التشريعية، فبالنسبة للخبراء، فإن انتخابات نقابة المهندسين محصورة بمجموعة محددة لم تتجاوز 8000 ناخب، وهم في أغلبهم من النخب العلمية القادرة على التفلت من الضغوط الحزبية أو الطائفية، وأن تأخذ قراراتها منفردة نتيجة لأسباب عديدة (ثقافية ومهنية وحياتية)، وهذا ما يمكن تسميته اجتماعياً «التحول العمودي»، الذي إذا تم استثماره بالشكل الصحيح يساعد على تحقيق تحول أفقي، الذي يصل إلى جميع الشرائح الاجتماعية بعيداً عن مستواها المعرفي أو الثقافي أو الاجتماعي، فالطبقات الشعبية المتضررة من السياسات الاقتصادية للمنظومة الحاكمة، إذا اقتنعت بالبدائل قد تذهب إلى خيار التصويت العقابي الذي من الممكن أن يغير توزيع القوى في الانتخابات التشريعية المقبلة إذا حصلت.
لذلك من المستحيل أن تتقبل قوى السلطة نتائج انتخابات نقابة المهندسين، وهي مهما كابرت أو أنكرت هذا التحول، فإنها تعلم علم اليقين أن وحدة المعارضة ممكنة، وأن الوجوه البديلة باتت موجودة، وأن الشارع مستعد لأن يذهب إلى هذه الخيارات، خصوصاً إذا تفاقم الوضع المعيشي ووصل الانهيار إلى نقطة الارتطام، الذي سيؤدي إلى تفسخات عمودية في الطبقة السياسية وأفقية على مستوى جمهورها، ما سيؤدي حتماً إلى فوضى اجتماعية لا يمكن ضبطها إلا من خلال أمرين؛ عودة الساحات إلى زخمها من أجل إعادة توجيه الشارع نحو أهدافه الحقيقية، والأمر الثاني دور القوات المسلحة في تحجيم الفوضى الأمنية المفتعلة وحماية ما تبقى من مؤسسات الدولة والانحياز إلى الناس.
إذاً مع طبقة سياسية مستعدة لحرق البلاد والعباد وتكرار تجربة «نحن أو نحرق البلد» على غرار «الأسد أو نحرق البلد»، هي مستعدة لتحريك جميع أدواتها من أجل إشغال الانتفاضة بالفتن الأمنية المتنقلة وبالفوضى المنظمة من أجل إرهاق القوات المسلحة وجعلها في مواجهة الشارع للوصول إلى هدفها الأساسي المتمثل بتصادم الطرفين (انتفاضة تشرين والجيش)، وتكون بذلك قد أخرجت الانتفاضة عن مسارها وقلّصت فرص الجيش في أن يكون رافعة للتغيير.
وعليه، فإن اللبنانيين أمام أسابيع صعبة (اقتصادية معيشية وأمنية) تريد السلطة من الجيش أن يكون أداة لقمع الناس تحت ذريعة منع الفوضى، وهذا ما جاء في قرارات المجلس الأعلى للدفاع المشكوك في صلاحياته الدستورية، لأنه يقوم بشكل غير شرعي بعمل الحكومة، فيما كرة النار تتنقل بين المناطق وإذا اشتدت نيرانها فإنها ستحرق في النهاية مَن أشعلها.
ان المعلومات و الاراء و الافكار الواردة في هذا المقال تخص كاتبها وحده و تعبر عن وجهة نظره الخاصة دون غيره؛ ولا تعكس، باي شكل من الاشكال، موقف او توجهات او راي او وجهة نظر ناشر هذا الموقع او ادارة تحريره.
ان هذا الموقع و ادارة تحريره غير مسؤوليين عن الاخبار و المعلومات المنشورة عليه، و المنسوبة الى مصادرها بدقة من مواقع اخبارية او وكالات انباء.