نقلا عن المركزية –
أكّد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أنّه “مع تعطيل الحكومة يتعطّل عمل القضاء”، معتبراً أنّ “بعض القضاة يعزّزون الشك بالقضاء من خلال مشاركتهم في تعطيل التحقيق في تفجير المرفأ أو تعليقه أو زرع الشك في عمل المحقق العدلي”.
وأضاف في عظة الأحد: “أمام ما نرى من تجاوزات قانونية نتساءل هل أصبح بعض القضاة عندنا غبّ الطلب لدى بعض المسؤولين والأحزاب؟ ولماذا الاستخفاف بدماء أكثر من 200 ضحية و6 آلاف جريح ودمار نصف بيروت وضواحيها وتشريد مئات من العائلات؟”.
وشدّد الراعي على أن تكون الانتخابات في موعدها الدستوري، مشيراً إلى أنّ “الانتخابات ليست استحقاقاً روتينياً بل موعداً مع التغيير المنتظر من الشعب وحصولها حق وواجب في نظامنا الديمقراطي”.
وقال: “لو رفع المسؤولون في العالم قلوبهم بالصلاة لعملوا من أجل تعزيز الأخوة وإحلال السلام بين الشعوب، ونهنّئ الكاظمي بنجاته من الاغتيال ونرجو للعراق الاستقرار والأمان”.
وجاء في العظة:
“طوبى لك يا سمعان بن يونا فإنّه لا لحم ولا دم أظهر لك ذلك، بل أبي الذي في السماوات” (متى 16: 17)
1. تبدأ اليوم السنة الطقسيّة. ونفتتحها بإنجيل الإيمان بالمسيح وهو إيمان الكنيسة. وعليه بناها المسيح الربّ، كما على صخرة. فكما أعلن سمعان بطرس إيمانه في قيصريّة فيليبس، مجيبًا على سؤال يسوع عمّن هو بالنسبة إليهم، وكان مميّزًا، قال له يسوع: “طوبى لك يا سمعان بن يونا فإنّه لا لحم ولا دم أظهر لك ذلك، بل أبي الذي في السماوات. وأقول لك أيضًا أنت الصخرة، وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها” (متى 16: 17).
نلتمس اليوم من الله نعمة الإيمان في بداية هذه السنة الليتورجيّة، لكي نعيشها على هدي أنوار هذه العطيّة الإلهيّة التي بدونها نخطئ الطريق.
2. يسعدني أن أرحّب بكم جميعًا، وبخاصّة بأهالي موقوفي أحداث عين الرمانة المؤسفة. وأوجّه التحيّة لأولاد المرحومين صبحي ونديمة فخري اللذين قتلهما أمام دارتهما في بتدعي مجموعة من الأشرار في المنطقة، حاولوا سلب سيّارات أولاد المغدورين صباح الخامس عشر من تشرين الثاني 2014. وما زالت القضيّة عالقة أمام القضاء، فيما بعضٌ من أفراد المجموعة موقوفون، والأخرون فارّون من وجه العدالة. عدد المتّهمين 21 شخصًا. نأمل أن تتمكّن العدالة من إنهاء النظر في هذه الجريمة النكراء واتخاذ قرارها الجزائي الحاسم والنهائيّ. نقدّم هذه الذبيحة الإلهيّة لراحة نفسي الزوجين صبحي ونديمة فخري، وعزاء أولادهما وعائلاتهم.
3. كما أنّ في السنة الشمسيّة، تدور الأرض حول الشمس في أربعة فصول، لتستمدّ منها النور والحرارة الضروريّتين للحياة، كذلك في السنة الليتورجيّة، الكنيسة تدور حول المسيح شمسها، في فصول تُسمّى أزمنة، لتستمدّ منه نور الكلمة والإيمان، وحياة النعمة والتقديس، وقوّة الشهادة للمحبّة والحقيقة.
4. يحدّد قداسة البابا بندكتس السادس عشر الإيمان بأنّه “عطيّةمن الله، نعمة منه، إلهام من الروح القدس الذي ينير عقل الإنسان، ويحرّك قلبه نحو الله، فيرى الحقيقة ويقبلها في عقله مقتنعًا بها، وفي قلبه محبًّا لها، ويُخضع إرادته لها عاملًا بموجبها.
“أنت هو المسيح ابن الله الحيّ”. هذه هي الحقيقة التي ولّدتها النعمة عند سمعان بطرس. آمن على ضوئها، بأنّ يسوع هو المسيح المنتظر الذي تكلّم عنه الأنبياء، وأنّه ابن الله الذي صار إنسانًا ليكلّمنا عن الله، ويكشِف لنا وجهه.
5. إنّ محيط قيصريّة فيلبس أوحى صورًا من المكان وضّحت المعنى اللاهوتي في جواب سمعان-بطرس، وفي إعلان يسوع. فالمكان مؤلّف من صخور شاهقة ينتهي معها جبل حرمون، ومن تحتها ينبع نهر الأردنّ. ويوجد في سفح يمينها بقايا أثريّة من قصر قيصريّة فيلبس، ومن جهة الشمال بالمقابل بقايا أثريّة لهيكل الإله الوثني “بان” ومنه تسمّى المحلّة اليوم “بانياس”.
إعلان بطرس “أنت المسيح ابن الله الحيّ” إقرار بأنّه حيّ إلى الأبد ولا ينتهي بالموت مثل فيليبس قيصر، وأنّه إله حيّ لا مثل “بان” الإله الحجر الذي اندثر.
كذلك جواب يسوع لسمعان مستمدّة صورته من المكان. فسمّى سمعان “صخرة” لا تضمحلّ، وأسّس الكنيسة كبيت على هذه الصخرة، وهي كنيسة أبديّة خلافًا لقصر فيليبس ولهيكل الإله الوثنيّ الحجريّ والمندثرين. ونهر الأردنّ النابع هناك هو علامة أنهار الحياة الجاريةمن الحمل المذبوح، كما جاء في رؤيا يوحنّا الرسول.
6. المؤمن الحقيقيّ، من أيّ دين كان، يرفع عقله وقلبه بالصلاة إلى الله ويستلهم نوره، لكي يحسن التصرّف، وتكون أعماله تمجيدًا لله. لو رفع المسؤولون في العالم والشعوب قلوبهم بالصلاة إلى الله لعملوا جاهدين من أجل تعزيز الأخوّة وإحلال السلام. وإنّا في المناسبة نهنّئ رئيس وزراء العراق السيد مصطفى الكاظمي بنجاته من محاولة الإغتيال. ونرجو للعراق العزيز وشعبه الإستقرار والأمان. ولو كان معطّلو الحكومة عندنا وبالتالي ممتهنو تعطيل المؤسّسات الدستوريّة، والحياة الإقتصاديّة، وإفقار الشعب، مؤمنين حقًّا بالله، لخافوه خوفًا مقدّسًا، وسارعو إلى مرضاته عبر تأمين خير الشعب كلّه، وعبر تعزيز المؤسّسات العامّة وتنشيطها. لكنّنا نرى العكس تمامًا، وبخاصّة عندما تبوء بالفشل جميع الوساطات الداخلية والخارجية، وتغلب كفّةُ التعطيل وإفقار المواطنين.
7. ومع تعطيل الحكومة، يتعطّل من ناحية أخرى نشاط القضاء المنزّه والحياديّ والجريء. وهذا يقلق للغاية. فإنّ بعض القضاةِ يُعزّزون الشكَ بالقضاءِ من خِلال مشاركتِهم في تعطيلِ التحقيقِ في تفجيرِ المرفأِ أو تعليقِه أو تجميدِه أو زرعِ الشكِّ في عملِ المحقِّق العدلي. فقبلَ أن يَطلُبَ القضاءُ من الشعبِ أن يَثقَ به، حريٌّ بالقضاةِ أن يثقوا بعضُهم بالبعضِ الآخَر. جريمةٌ أن يحوّلَ بعضُ القضاةِ القضاءَ مربّعاتٍ حزبيّةً وطائفيّةً ومذهبيّة، لاسيّما في قضيتَي المرفأِ وعين الرمّانة.
اننا نكل رسالة القضاء الى شفاعة القاضي الطوباوي Rosario angeloLivatino الذي قتلته مافيا صقليا بايطاليا، وهو كان بشجاعة نادرة وبتجرّد، صادر مبالغ كبيرة من الاموال والممتلكات، واعتقل كبار الشخصيات، ثم غفر لقاتليه قبل موته. وتمّ تطويبه في 9 أيار 2021، وهو خير شفيع ودليل لكل قاض.
أمام ما نرى من تجاوزات قانونيّة نتساءل: هل أصبح بعضُ القضاةِ غبّ الطلَب لدى بعض المسؤولين والأحزاب والمذاهب؟ إنَّ ما يجري على صعيدِ التحقيقِ في تفجيِر المرفأِ مستغربٌ حقًّا: طعنٌ وراءَ طعن، ورَدٌ وراءَ ردّ، ونقضٌ وراء نقض، وتعليقٌ وراءَ تعليق؛ وأرواحٌ الشهداءِ تنتظر، وأهالي الشهداءِ ينتظرون، والعالمُ ينتظر. لماذا هذا الإستخفاف بدماءِأكثر من 200 ضحيّة، وستةِ ألافِ جريحٍ، وبدمارِ نصف بيروت وضواحيها، وتشريد مئات العائلات؟
8. ما نقول عن تحقيق المرفأ نقوله ايضًا عن أحداث الطيونة ـ عين الرمانة. وإذ نجدّدُ أسَفنا العميقَ على سقوط الضحايا والجرحى، نؤكد أنَّ عين الرمانة ليست عنوانَ حربٍ وتقاتل، بل عنوانَ تعايشٍ مع محيطِها على أساسِ من الشراكةِ والسلامِ والكرامة وحسنِ الجوار. منذ انتهاءِ الحربِ اللبنانيّةِ، وأبناءُ عين الرمانة سعداءُ بحسنِ الجوار مع بيئتهم القريبة بعيدًا عن الهيمنةِ والتوسّعِ والسلاح، وبدت أحياؤهم ملتقى جميعِ الطوائف. لكنّهم حافظواايضًا على روحِ الصمودِ وشجاعةِ الدفاعِ عن النفس.
وإذ نترك للقضاء المستقل أن يأخذ مجراه في هذه الأحداثُ، ندعوه إلى أن يكون حياديًّا تجاه الجميع، ويراعي حقوقَ الموقوفين فيَتوفّر لهم حقُّ الاجتماعِ بمحاميهم ولقاءِ أهاليهم، وندعوه للإسراعِ في التحقيقِ والإفراجِ عن كلِّ من تثبتُ براءته. لا يجوزُ أنْ تَحصُلَ توقيفاتٌ وتُـمَدّدَ من دون مُسوّغٍ قانونيٍّ وقرينةٍ، إنّما فقط كُرمى لهذا الطرفِ أو ذاك. لا يوجد في القضاء إكراميّات بل توجد عدالةٌ ولا نطلب سواها.
9. مرّة أخرى نشدّد على ضرورة حصولِ الانتخاباتِ النيابيّةفي موعدها الدستوريّليُعبّرَ الشعب عن رأيه في مصيرِ وطنه. ليست الانتخاباتُ استحقاقًا روتينيًّا، إنما هي موعدٌ مع التغييرِ المنتظَر من الشعب.إنَّ حصولها حقٌّ وواجبٌ في نظامِنا الديمقراطيِّ. وحِرصُنا على إجراءِ الانتخاباتِ يواكبُه حِرصٌ على أن تجريَ في إشرافِ الأممِ المتحدة لضمانِ حريّةُ الترشيح، وأمنُ المرشَّحين، ونزاهةُ الانتخابات، وضبطُ الإنفاقِ المالي. وفي هذا السياقِ، يجدرُ بالمرشّحين أن يكونوا شخصيّاتٍ نخبويّةً ومؤهّلةً للعملِ التشريعيِ والسياسيِّ والوطني. إن الحياةَ السياسيّةَ في بلادنِا َتفتقد النخبَ الواعدةَ، وهذا نقص كبير في حياتنا الديمقراطية والوطنية.
10. إلى الله نكل أمنياتنا وأمنيات جميع ذوي الإرادة الحسنة، راجين أن يتقبّلها لمجد إسمه القدّوس، الآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.
ان المعلومات و الاراء و الافكار الواردة في هذا المقال تخص كاتبها وحده و تعبر عن وجهة نظره الخاصة دون غيره؛ ولا تعكس، باي شكل من الاشكال، موقف او توجهات او راي او وجهة نظر ناشر هذا الموقع او ادارة تحريره.
ان هذا الموقع و ادارة تحريره غير مسؤوليين عن الاخبار و المعلومات المنشورة عليه، و المنسوبة الى مصادرها بدقة من مواقع اخبارية او وكالات انباء.