نقلا عن المركزية-
تؤشر جملة التطورات التي شهدها لبنان أخيراً إلى إنسداد الأفق للتوصل إلى تهدئة على جبهة الجنوب من دون تسوية برعاية إقليمية ودولية تطلق التفاوض حول القرار 1701 وترسيم الحدود حتى لو جرى الاتفاق على هدنة في غزة لا تزال معلقة بفعل الأجندة الإسرائيلية للحرب على رفح وتمسك حركة حماس بشروط محددة كي لا يقال أنها رضخت بمثابة استسلام.
فمنذ زيارة المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين إلى بيروت في 4 اذار الجاري، لم يطرأ أي تطور حول وساطته بين لبنان وإسرائيل، وهو لم يقدم إجابات عن الأسئلة اللبنانية حول تنفيذ القرار الدولي، فيما أرجأ سفراء الخماسية جولاتهم على القوى السياسية في لبنان إلى ما بعد عيد الفطر.
جاءت جولة الخماسية أيضاً لتترك انطباعات بأن إحداث خرق في مسار الاستحقاقات الرئاسية دونه عقبات كبرى، وهي تحتاج إلى رافعة لإنضاج التسوية، فلم يحقق السفراء أي تقدم يمكن البناء عليه في الشأن الرئاسي أو على الأقل فصل مسار الاستحقاقات عما يجري من مواجهات بين “حزب الله” وإسرائيل على جبهة الجنوب.
يتبين أن فصل مساري استحقاق الرئاسة والوضع في الجنوب بات صعباً أو مستحيلاً تماماً كما المحاولة الأميركية لفصل جبهة الجنوب عن غزة. وفي الحالتين يرفض “حزب الله” وقف العمليات على الحدود قبل وقف النار والهدنة في غزة، من دون أن يعني ذلك التصعيد بحرب مفتوحة، وهو ما يعني أيضاً الربط بين الاستحقاقات الداخلية والمواجهات في الجنوب. ولذا لم يكن ممكناً فصل تحرك سفراء الخماسية عن مسار التطورات المحيطة بلبنان، وإن كانت الوجهة هي السعي إلى فصلها استباقاً لأي حرب محتملة قد تنعكس على الوضع اللبناني كله. وفي المقابل تستمر إسرائيل بتهديداتها بالحرب وتوسع من دائرة استهدافاتها في العمق اللبنانين بما يشير إلى أنها ترفض العودة إلى معادلات ما قبل 8 تشرين الأول 2023.
ad
على هامش وساطة هوكشتاين المترنحة، وإخفاق “الخماسية”، بات من شبه المؤكد أن المبادرات الدولية تجاه لبنان إلى تراجع، مع التركيز الأميركي على مفاوضات الهدنة في غزة واقتناعه بأن لا إمكانية لفصلها عن جبهة الجنوب التي تحتاج إلى ترتيبات أمنية تجنباً لتوسع الحرب وتحولها إلى مواجهات إقليمية. وهذا الوضع المتوتر يدفع المنطقة كلها إلى الانزلاق نحو الفوضى، رغم ما يحكى عن محادثات جانبية ومفاوضات غير معلنة بين الولايات والمتحدة وإيران على أكثر من خط لتسوية الملفات العالقة التي باتت مرتبطة في شكل رئيسي بحرب غزة.
ما بات محسوماً أقله إلى أمد غير منظور، أن المبادرات السابقة لتسوية الوضع اللبناني باتت في مرتبة خلفية، ومنها وفق ما يقول مصدر ديبلوماسي متابع انتهاء المبادرة الفرنسية السابقة مع عدم عودة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان لاستئناف لقاءاته في بيروت، أو التحدث باسم مجموعة “الخماسية” التي توقفت عن عقد اجتماعات حول لبنان، لا في الدوحة ولا في باريس. ويتزامن ذلك مع توجه فرنسي جديد للاهتمام بالوضع في الجنوب باعتباره يشكل مدخلاً لتسوية الاستحقاقات اللبنانية. ويكشف المصدر الديبلوماسي أن الفرنسيين لم يقفلوا البحث في الورقة التي قدموها إلى لبنان، بل هي قابلة للتطوير بالاتفاق مع الأميركيين لوضع خريطة طريق لتطبيق القرار 1701 والتوصل إلى حل دبلوماسي للحدود بين لبنان وإسرائيل. وعلى الرغم من رفض “حزب الله” الورقة الفرنسية واعتباره أنها منحازة لإسرائيل، فإن باريس وفق المصدر الديبلوماسي لا تزال تراهن على دور لها انطلاقاً من مشاركتها في قوات اليونيفل، وترى أن الولايات المتحدة ليست قادرة وحدها على بلورة حل للوضع المتفجر على الحدود، بل أن فرنسا لديها علاقات مع كل الاطراف ويمكنها إيجاد حل متوازن خصوصاً وانها أبلغت الحكومة الإسرائيلية بأن تهديداتها بالحرب على لبنان لن تعيد المستوطنين الى منازلهم في الشمال، بل أن التفاوض هو الذي يؤدي لتنفيذ القرار الدولي ونشر الجيش اللبناني في الجنوب بما يضمن انسحاباً لنخبة مقاتلي “حزب الله” من منطقة جنوب الليطاني.
لكن باريس لا تملك حتى الآن قوة الضغط للدفع بمسار التسوية، خصوصاً بعد فشل مبادرتها اللبنانية، وانكفاء لودريان باستثناء مشاركتها في الخماسية. ويضاف إلى ذلك أن لبنان يراهن في شكل رئيسي على الوساطة الأميركية التي منعت حتى الآن إسرائيل من شن حرب استباقية ضد “حزب الله” في الجنوب. ولا تزال واشنطن رغم غياب مبعوثها هوكشتاين تسعى الى التهدئة في الجنوب. وهذا يعود لحسابات إقليمية خصوصاً وأن طموحها وفق المصدر توفير الاستقرار والامن وفتح مسار التطبيع مع إسرائيل، وهذا يستدعي وقف الحرب في غزة وانهاء الوضع المتفجر على جبهة الجنوب.
في السياسة الأميركية لا تزال واشنطن تسعى إلى اطلاق المفاوضات حول تطبيق القرار 1701، لكنها في الوقت نفسه تعتبر أن الامر يحتاج إلى تسوية الاستحقاقات الداخلية. وهي وفق ما يقول المصدر الديبلوماسي ليست بصدد منح “حزب الله” ضمانات في المسار اللبناني، تمكنه من التحكم أو إظهاره منتصراً حتى وإن تعهد بتسهيل تسوية الحدود. وذلك على رغم أن الحزب يؤكد أن مواجهاته الحالية في الجنوب هي كافية وتحقق هدفها. لكن الحزب لم يقدم حتى الآن رؤية واضحة ومقنعة حول مسار الوضع في الجنوب لما بعد غزة. وبالتالي تستمر المواجهات وتستنزف لبنان وترهنه بنتائج المعركة، وما إذا كانت ستنزلق الامور نحو حرب مفتوحة، وما قد ترتبه من توازنات جديدة تنعكس على استحقاق الرئاسة والسلطة.
ويشير المصدر إلى أن رهانات الحزب لا تزال قائمة، وابرزها تجيير قوته وفرض ما يريده رئاسياً وسياسياً، تحت عنوان أن معركته ضد إسرائيل هي لحماية لبنان، وهو يستمر بالتمسك بمرشحه للرئاسة. فيما بعض القوى تراهن على ضغوط دولية تدفعه الى التنازل وتغيّر في التوازنات القائمة، ما يسمح بإنجاز الاستحقاقات من دون فرض شروط بالسلاح.
وعلى وقع التطورات والانسداد يبدو أن مسار التسوية لا يزال بعيداً، وسط استمرار الخطر من احتمال توسع الحرب الإسرائيلية، مع إبلاغ بنيامين نتنياهو وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بقرار اجتياح رفح واحتمال توسعها في لبنان. فيما “حزب الله” يتعامل مع الامر على قاعدة المعادلات السابقة، ولهذا السبب يعتبر أن التهديدات الإسرائيلية لا تُجدي، وأن الميدان هو الذي يقرر مسار المعركة.
لكن الحزب وهو يدير معركته حوّل لبنان إلى ساحة مفتوحة وغرفة عمليات لمحور المقاومة وقاعدة انطلاق لكل جبهات المنطقة، خصوصاً بعد الاجتماع الذي عقده في بيروت مع الحوثيين وحماس والجهاد الإسلامي، واللقاء بين الأمين العام السيد حسن نصرالله وقائد فيلق القدس إسماعيل قآني، وهو ما يؤشر إلى احتمالات توسع المواجهات وانسداد نافذة التفاوض على ترتيبات في الجنوب، وارتفاع الخطر من الانزلاق إلى مزيد من العمليات وإبقاء لبنان في حالة استنزاف مديدة.
المصدر – النهار
ان المعلومات و الاراء و الافكار الواردة في هذا المقال تخص كاتبها وحده و تعبر عن وجهة نظره الخاصة دون غيره؛ ولا تعكس، باي شكل من الاشكال، موقف او توجهات او راي او وجهة نظر ناشر هذا الموقع او ادارة تحريره.
ان هذا الموقع و ادارة تحريره غير مسؤوليين عن الاخبار و المعلومات المنشورة عليه، و المنسوبة الى مصادرها بدقة من مواقع اخبارية او وكالات انباء.