إلى الشيخ جرّاح.. مع جرحي
بِقَلَم روني ألفا
ليبانون ديبايت الآن
طبيب صلاح الدين الأيوبي أعطى لهذا الحي المقدسي المقاوم اسم ” الشيخ جرّاح “. حسام الدين الجرّاحي. أميرٌ تحتضنُ فلسطين رفاتُهُ في زاوية تُعرَفُ تحت إسم ” الزاوية الجرّاحيّة “. في العام 1895 تحوّلت الزاوية إلى محج. كيف لا والفلسطينيون يستذكرون هذا الطبيب الذي ضمّد جراح صلاح الدين مؤسس الدولة الأيوبية التي وحدت مصر والشام واليمن والحجاز واستعادت الأراضي المقدسة وهزمت الجيوش الصليبية في معركة حطّين.
زاويةٌ فوق قبر حسام. بُني مسجدٌ فوقها يُعرَف باسم مسجد الشيخ جراح. يصلّي الفلسطينيون هناك متضرعين لله عزَّ وجلَّ ان يوسِّعَ قبرَ صلاح الدين فيُأتيهم بأمثاله وبمعارِكَ تستلهِمُ حِطّين. في زمن حِطّين لم يكن يتصور أحد أن صلاح الدين وابنه ” الأفضَل ” وقادة لا يتعدّى عددهم عدد أصابع اليد الواحدة قادرون على دحرِ ممالك صليبية تجذرت على مدى قرنين من الزمن في بلاد المسلمين.
قادة فرنسيون مدعومون من ” فرسان الهيكل ” ، جنودُ هيكل سليمان آنذاك إضافة إلى حَرامي اسمه ” رينو دو شاتيون ” أحد زعران ملك القدس ” غي دو لوزينيان” أمعنوا في المسلمين سلباً ونهباً وتنكيلاً. حِطّين يومَها رسخت حكم المسلمين على ضفاف طبرية وأنهَت بطشاً صليبياً دام مئَتَي عام تقريباً.
كانت هزيمة الصليبيين في معركة حطين أكثر من نكبة. كانت كارثة عقيدية. انتصار صلاح الدين كان أكثر مِن نصر. كان فتحاً. فقَدَ الصليبيون يومَها خيرَةَ فرسانهم قتلاً وجرحاً وأسراً وأصبح بيت المقدس في متناول صلاح الدين.
يستلهمُ المقاومون في غزّةَ اليوم مؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين الذي اغتاله جيش الإحتلال الإسرائيلي بمروحية أباتشي الأميركية. مئات الصواريخ التي دكت تل أبيب في الأيام القليلة الماضية تكاد تطلق أصواتاً شبيهة بأصوات التكبير أمام أضرحة عباس الموسوي ويحيى عياش ومحمود أبو هنود وصلاح شحادة الذي استُشهِد معه أولاده التسعة وزوجته وعبد العزيز الرنتيسي ومحمود المبحوح والعشرات من قادة المقاومة في فلسطين ومعهم آلاف الفلسطينيين العُزَّل .
مدهشٌ كيف لا يموت الشهداء في فلسطين. يتحوّلون فوراً الى أحفاد صلاح الدين. ينبتون كشقائق النعمان من تفسخات الزاوية الجرّاحية. من حسنات تكاثُر أعداد الشهداء في فلسطين تحوّل الإنتصار الى قدر. نوعية الشهادة باب أول. بابٌ لا يمكن أن يُفتَح الا باتجاه واحد هو معركة حِطّين مُراجَعَة ومنقَّحة.
لم يعد من الجائز التصريح بأن الصراع مع العدو تاريخي. كان شائعاً استعمال صفة الصراع التاريخي المفتوح على المواجهة بين فلسطين ومغتصبيها لتبرير العجز عن تحديد موعد للحرية. يصح ان نطلق اليوم على الصراع صفة صراع الوقت المناسب. وقت تختاره المقاومة وتتحكم به فيتحوّل توقيتاً. توقيتٌ لتهديدٍ فَمِهلةٍ فإنذارٍ فعقاب. رباعيةٌ كان العدو يتباهى بفرضها على الفلسطينيين فإذا بها تُفرَضُ عليه.
الرأي العام يؤخذ بهيبة القوة وحجم الدعاية. الناس تُغسَلُ أدمغتها بكذبة اذا تكررت وتفوه بها أهلُ سلطةٍ وسؤدد. على هذا النحو مرت كذبة الشعب المختار وأسطورة هيكل سليمان ووعد الله. شاركَ في تأليه الشيطان في الأذهان لوبي ومحرقة وأف ١٦.
في لبنان أغلبُ الناس وقعَ ضحيةَ التماهي الذهني بين فتح لاند وقضية فلسطين. حافظ هؤلاء بأمانةٍ خرقاء على أحقادٍ تاريخيةٍ منعتهم من مسحِ الغبار والتفاعل الإيجابي والأخلاقي مع منظومةِ القيمِ الحقيقية.
اليوم صار بإمكان المقاومة في فلسطين أن تصحو في بؤرِ تمرّدٍ جديدة. صارَ بوسعها تكرارُ حقلٍ معجميٍ مشابهٍ لذلك الذي ضمَّ كلماتٍ من قبيل ” أُنظروا الى هذه البارجة الإسرائيلية “. في فلسطين تبدّلٌ لميزانِ قوةٍ ومعادلةِ ردعٍ لم يعد قابلاً للإنعكاس. مؤشرٌ حيويٌ لعودةِ روح صلاح الدين الى الصراع الوجودي.
غداً أو بعد غَد سيطلب الإسرائيلي المغرر به قراءة التاريخ من جديد وسيكتشف أنه مستوطنٌ وليس مواطناً وأنه لا يعيش في قرى ولكن في مستوطنات. بدأَ أصلاً هجرته المعاكسة الى بلاد الله الواسعة ولو بمنسوب خجول.
مفاتيح ضخمة من حديد مخبّأة في بلدان الشتات كانت قد صدأت من الإنتظار تتزيّتُ من أزيزِ صواريخِ المقاومة في غزة وتتحينُ فرصةَ الدخولِ الآمنِ في الأقفال. أخاديدُ المفاتيحِ باتت أقربُ من أي وقتٍ مضى لتحريكِ مَقابِضِ الأبواب. قبضةٌ فقط ينتظرها مقبَض ليُفتَحَ باب الحرية.
ان المعلومات و الاراء و الافكار الواردة في هذا المقال تخص كاتبها وحده و تعبر عن وجهة نظره الخاصة دون غيره؛ ولا تعكس، باي شكل من الاشكال، موقف او توجهات او راي او وجهة نظر ناشر هذا الموقع او ادارة تحريره.
ان هذا الموقع و ادارة تحريره غير مسؤوليين عن الاخبار و المعلومات المنشورة عليه، و المنسوبة الى مصادرها بدقة من مواقع اخبارية او وكالات انباء.